من كوندوليزا إلى هيلاري

> فضل النقيب:

> لا أظن أن أحدا سيذرف دمعة على رحيل كوندوليزا رايس من الخارجية الأميركية، فقد كانت في كل مشوارها الذي طال وأثقل «صوت سيدها»، أي أنها لم تتمكن من إحداث تغيير لزوايا النظر في رؤية العلاقات الخارجية، أو اجتراح اختراقات كما فعل كيسنجر مع ماوتسي تونج في الصين، وبالتالي فقد عاشت في ظل الإدارة المحافظة المتصلبة في الظل وإن كانت تتظاهر أنها في مركز الضوء ولم تتنمر إلا في الشرق الأوسط وخاصة خلال العدوان الإسرائيلي المدحور على لبنان عام 2006، فهناك تحدثت عن «الفوضى الخلاقة» التي انقلبت على صانعيها بعد أن برك جيش العدو على ركبتيه، أما في العراق وأفغانستان فقد هيمن البنتاجون والجيش على الموقف ولم يتركا للخارجية هامشا إلا فيما يخدم ما يريانه مناسبا، وكان وزير الدفاع السابق رامسفليد المعتد بترهاته ونظرياته في الصّعق يمنح هذه الوزيرة أذنا ممن طين وأخرى من عجين، كأنما يقول لها: قولي ما تشائين وسنفعل ما نشاء، وفي سبيل الحفاظ على كرسيها وتصنيفها كأول امرأة سوداء تتسنم كرسي الخارجية الأميركية فقد اعتمدت سياسة «يد لا تستطيع كسرها قبلها» وهي بغريزة الأنثى قد أدركت أن رئيسها لن ينصرها إذا دخلت في المعمعة لأنه أساسا لا ينصر نفسه، ولذلك كانت تنصت جيدا إلى الرأي الذي تغلّب على الرئيس واجتذبه فتميل إليه، وتشد على يد معلمها مهنئة على هذا الفهم اللامع وتلك الألمعية الفاهمة، وهي تعرف في الأخير أن قمة الهرم ستكون كبش الفداء أو كبش المحرقة. وطبعا هذه السياسة المجربة في احتراف التبعية بغض النظر عن الحقيقة، تطيل في عمر معتنقيها السلطوي، ولكنها في الوقت نفسه تخرجهم من التاريخ. ولعل كوندوليزا قد وصلها بيت الشعر العربي:

إن الخليفة قد أبى

وإذا أبى شيءٌ أبيته

على كل حال لم يبق أمام الوزيرة كبير وقت لإصلاح أي شيء اللهم إلا ماكياجها الذي لا تحتاجه كثيرا لأنها آنسة عزباء. أما خليفتها القادمة وهي هيلاري كلينتون وفقا لإجماع المصادر، فهي امرأة بيضاء من طراز آخر، وقد عرفها العالم جيدا من خلال رئاستين لزوجها بيل كلينتون كانت خلالهما السيدة الأولى، ومن خلال استيعابها لصدمات كلينتون العاطفية المدمرة وخاصة مع المتدربة (مونيكا)، وكانت السيدة الأولى رابطة الجأش كاتمة لعواطفها الدفينة تتطلع إلى البعيد وهي تقف على أنقاض هزيمتها الأسرية، ولم تلبث أن خرجت من المحنة كما تخرج الشعرة من العجين لتترشح كسناتورة عن ولاية نيويورك حيث رد لها الزوج كريم الصفح الجميل فوقف إلى جانبها حتى فازت.

ولم تقف تطلعاتها عند ذلك الحد وإنما طمحت إلى الرئاسة الأولى، فترشحت عن الحزب الديمقراطي إلى جانب باراك أوباما (باراك «المبروك» باللغة العربية وقد انتقل من لغتنا الجميلة إلى اللغة السواحلية المحلية في كينيا وشرق أفريقيا)، وخاضت السناتورة هيلاري حربا ضروسا مع أوباما أمام العام أجمع، ولكنها عندما خسرت اعترفت بالهزيمة بروح رياضية، ووقفت إلى جانب خصمها بكل قواها إعمالا للروح الديمقراطية، وهاهي اليوم تكافأ، فيما الجميع يتمنون لها التوفيق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى