دموع باسندوه وضياع الحلم

> محمد عبدالملك المتوكل:

> كانت دموع الأستاذ باسندوه أبلغ من كل الكلمات في تعبيرها عن فجيعة جيل المناضلين لضياع حلم جميل عاشوا به وناضلوا في سبيله لما يزيد عن نصف قرن من الزمن.. مرت ليالي الصبا وانقضى ربيع العمر والأنفاس تلهث وراء الحلم الجميل.

وبعد ستين عاماً من النضال والمعاناة والدماء والدموع يجد باسندوه نفسه أمام جيل يجري وراء الحلم نفسه ولكن في ظلام حالك ووجه ليلٍ عابس، لم يمتلك باسندوه أمام هذه الفجيعة سوى البكاء.

لقد دارت في ذاكرة باسندوه ذكريات نضال الخمسينات في درة الشرق عدن، وتذكر تلك النخبة من الرفاق المناضلين الذين عاشوا الحلم في مدينة تعج بالنشاط وتنعم بالنظام، ويتمتع أهلها بصحافة حرة ومن حولهم أصوات مكتومة، وتنشط في عدن الجمعيات والأحزاب والتجمعات بينما الناس في الإقليم لا يعرفون سوى صوت الزعماء الملهمين، والملوك المتوجين تزفهم تهاليل المنافقين وحملة المباخر.... إلى عدن شد الرحال كل من ينشد الخلاص من الظلم والاضطهاد وكل من يحلم بالاستقلال من الاستعمار والتخلص من الاستبداد ، ويحلم بالوحدة والحرية والديمقراطية والمواطنة المتساوية، والتنمية المستدامة، واستعادة الدور الحضاري لليمن السعيد.

بعد ستين عاماً من الثورة، والاستقلال، والوحدة يجد باسندوه عدن زهرة الشرق زهرة أذبلتها الأيادي، ومدينة مستباحة، ووجد أبناءها يعيشون قهر أدعياء الوحدة، وسجون دعاة الحرية.. ويواجهون رصاص دعاة الديمقراطية.. حرموا من العمل بعد أن دمرت مؤسساتهم، ومن السكن بعد أن نهبت أراضيهم، ومن البحر بعد أن سدته في وجوهم عمارات وقصور حمران العيون، الاعتصام محرم عليهم، التظاهر السلمي جريمة يعاقبون عليها.. أنينهم دعوة إلى الانفصال، وبكاؤهم تحريض على العنف، ومطالبتهم بحقوقهم تجاوز للدستور والقانون.

عرس البحر المدينة المسالمة التي عاش فيها الصغير والكبير الحاكم والمحكوم في أمان يتنسمون هواءها العليل ويستمتعون ببحرها الجميل في ظل سيادة القانون لا ترى فيها خنجراً ولا سيفاً ولا آلياً أصبحت اليوم مدينة مدججة بالسلاح.. أهذا ما كنا نحلم به ونناضل من أجله ونضحي في سبيله.. خنقته الغصة ولم يجد باسندوه جواباً سوى البكاء.

باسندوه ليس المناضل الوحيد الذي أبكته الفجيعة.. الأستاذ المناضل العتيد محمد عبدالله الفسيل لم تبكه الفجيعة وحسب، بل لقد ألزمته داره مقسماً ألا يشارك في عمل عام بعد أن رأى عدن تنهب عام 1994م كما نهبت صنعاء عام 1948 وبعد أربعين عاماً من الثورة وسبعين عاماً من النضال.

الزعيم أحمد محمد نعمان صانع القضية ورفيق نضاله الأستاذ محمد محمود الزبيري عاشا قصة نضال طويلة ومعاناة مريرة ينتظران تحقيق الحلم وحين أطل صبحه سقط الزبيري مضرجاً بدمه في وديان برط.. ودخل النعمان سجن أبو زعبل حيث أصبح يطالب بحرية البول بديلاً عن حرية القول.. ولحقت رصاصة الغدر وعدم الوفاء ابنه الفذ محمد أحمد نعمان.. وأخيراً نعمان الذي سجن وتشرد من أجل الحلم يموت غريباً حزيناً في سويسرا ولسان حاله يقول:

وكم كان ذعرى حينما أشرق الضحى
علي وفتشت الذي أنا حاطبه

وإذ أسفر الوجه الذي بت هائماً
به فرمتني بالدواهي عواقبه

منذ الثلاثينات واليمنيون يحلمون بالحد من سلطة الفرد وتوسيع صلاحية المؤسسات.. ويحلمون بالحد من احتكار السلطة والثروة.. ويحلمون بالمواطنة المتساوية في ظل سيادة القانون ولا يزال الحلم هو الحلم.

ويا قافلة عاد المراحل طوال
وعاد وجه الليل عابس

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى