كويتي من يافع.. اليمني زين العامري: دخلت الكويت عام 59 بأوراق عُمانية وجئتها عام 69 بـ (جواز) عن طريق البصرة

> «الأيام» جاسم عباس:

> في سلسلة حلقات «من قديم الكويت» نقلب صفحات الذكريات مع الرعيل الأول من رجالات الكويت الذين تخضرموا في مرحلتي ما قبل النفط وما بعده، وطالما أن الحنين للأيام الخوالي، إلى الكويت القديمة، كويت الخير والبركة والحياة الاجتماعية المتألقة، هو القاسم المشترك الذي يجمعهم، فمن الانصاف أن نشمل معهم عدداً من الوافدين من مختلف الجنسيات التي قدمت إلى الكويت قبل 40 أو 50 سنة فجاهدوا وعملوا، كل في مجاله ومازالوا مساهمين في ورشة البناء والتنمية، وما كان ليستمر هذا التواصل والعطاء لولا محبتهم لهذا البلد الخير ومحبة الكويت وأهلها لهم.

في مستهل لقائنا مع زين حسين ناصر العامري قال: أنا من مدينة عريقة ذات التاريخ العريق، أنا من مدينة جاء ذكرها في التوراة في سفر حزقيال، وكل ما أقوله أني من بلاد البخور والبان، والعنب عندنا أربعون صنفاً، أنا من الجنبية والمهند والعقيق الذي لا يقام ببريقه، أنا من موطن البن الأول في العالم، ومن الجمال في اليمن من فضة!،.

و كل هذه الثروات والنعم خرجت منها من بلد آبائي وأجدادي «يافعا» في المنطقة الجنوبية من اليمن، وصلت الى الكويت في مارس 1959م. دخلتها بالسفينة الخشبية من خورفكان ثم «دبي» تأخرنا فيها 30 يوما بسبب الأعاصير القوية التي ضربت الموانئ والبحار حيث كسَّرت الأبوام وأغرقت الكثير، وتعرف هذه السنة بسنة الأعاصير والبرصات. و أتذكر بوماً غادر الميناء محملاً بالركاب وأكثرهم من جماعتنا وأهلنا في اليمن فغرقوا كلهم، لأن الناخوذة لم يحسب حساب البرصات (الأمواج الهائجة)، ولم ينج إلا واحد منهم تمسك بقطعة خشبية لمدة 24 ساعة حتى وصل الكويت، وشاهدته بنفسي».

وقال: «دخلت الكويت مع مجموعة كبيرة من أهالي اليمن بأوراق عمانية مصدقة من الحاكم.

وللأسف ضاعت هذه المستندات، ولو كانت عندي لحصلت على الجنسية الكويتية، وفي عام 69 مع الثورة اليمنية، جاء وفد من اليمن والتقينا به في منطقة الشويخ خلف قصر السلام مركز الجوازات، وبعد اسبوع غادر لاسباب سياسية الى البصرة التقينا به هناك ثانية ليصرف لنا الجوازات اليمنية، دخلنا الكويت ثانية عن طريق البصرة بهذه الوثيقة.

وللأسف الشديد كان العالم العربي غير مستقر، أتذكر الرئيس اليمني السابق عبدالله السلال والمعركة العربية ــ العربية، وكذلك أزمة قاسم العراق، حيث تدخلت القوات العربية للدفاع عن الكويت أمام الانحراف العراقي آنذاك، وتهديد كيان الكويت، وللأسف الاستبشار الكويتي بسقوط النظام السابق لم يفلح للكويتيين عندما طالب قاسم العراق بضم الكويت».

وأضاف العامري: «كلما تقدمنا نحن العرب خطوة في تاريخنا الحديث، يعقبها تراجع لعدة خطوات، ، واستمرت الأزمة فترة ثلاث سنوات إلى أن أطيح بحكم قاسم، ولكن التوتر كان يشوب العلاقات، ولم يطرأ جديد في هذه المنطقة حتى جاء الغزو الصدامي».

العمل في الحفر

وقال: «أنا أول من حفر لتمديد الكيبلات الكبيرة الرئيسية لمصانع النمر ودوار «بيبسي كولا» ولمنطقة الدعية، وأنا أول من استخدم مجرفة يدوية (صخين) لجرف التراب والطين لبناء مخفر الشويخ، وأنا كنت أغذي الحفر بالمياه لكي تلين ولكنها تهدمت عدة مرات على العمال، وأتذكرحفرة ردمت وتحتها 4 عمال من الشعب، قرب محطة الوقود، أوامر من المهندسين كانت بدائية، وحوادث أخرى تعرضنا لها، وكانت الضحايا كثيرة بسبب الإهمال، آخرها شاهدتها مقابل جريدة «القبس» جهة الخالدية.

مناطق الكويت

وذكر العامري بعض المناطق التي سكنها وعرف معنى اسم كل منطقة منها الصوابر، قال: حي في شمال المرقاب يعتبر من أحياء العوازم، ويعرف أيضا بفريج الحساوية وعرفت أنها من الأحياء القديمة كانت غنية بالحجارة تسمى أم صبار فهي الصبر، ومن سكنها صبر على أرضها، فقيل له أنت صابر، ثم سكنت الوطية في الحي القبلي منطقة مشهور بمستشفى الاميركاني، وميزة الوطية أنها على ساحل جون الكويت، ويقال إنها من وطأ أي داس، والسالمية هي الدمنة سكنتها ومعظم سكانها من إخواني العوازم.

وذكر البدع ما بين رأس الأرض والمسيلة، وهي قرية منتجع لطيف الهواء ليلا، نعم كانت مبدعة وهادئة، الصالحية سميت نسبة إلى المرحوم ملا صالح أسس مسجدا فيها، تقع في شارع فهد السالم جنوب المحكمة في الحي القبلي.

المدخل الجنوبي للشارع الجديد المطل على الصفاة كما بدأ في الخمسينيات(من كتاب محمد عبدالهادي جمال)
المدخل الجنوبي للشارع الجديد المطل على الصفاة كما بدأ في الخمسينيات(من كتاب محمد عبدالهادي جمال)
أسواق الكويت

تحدث عن ثمر النخيل الذي عرفه الإنسان منذ القديم، وكان التمر وما زال بالغ الأهمية في الخليج والجزيرة العربية، خاصة الكويت، واتخذه الكويتيون مادة أساسية لغذائهم وقال عنه:

ألذ من السلوى وأحلى من المنى

وأعذب من وصل الحبيب على الصدّ.

والكويتيون كانوا يأكلونه مع الزبد والهردة واللبنة وأكله على الريق يقتل الدود، ولهذه الأهمية أصبح للتمر سوق خاص باسمه، ويباع أيضاً في أماكن أخرى، فقديماً كان يباع في «قلات» وبالوزن، وكما قال لي الذين من قبلي إنه يباع حتى في سوق الحمام، وما زال التمر الجيد يباع في الجزء الشرقي من سوق الخضرة، ويعتبر سوق التمر امتداداً لسوق الخضرة ويقعان تحت سقف وحد وفيه حوالي 20 دكاناً.

وذكر العامري أصناف التمور في الكويت: برح ــ سحمران ــ حلاوي ــ حياني ــ خلاص ــ مجهول ــ بريم ــ ليلوي ــ مكتوم ــ حساوي ــ زغلول ــ أشقر ــ الفصيم ــ سفري ــ ملكي.

وأضاف: النخلة أهم شجرة في الكويت لما لها من مكانة، من الناحيتين التاريخية والدينية بالإضافة إلى ثمارها ذات القيمة الغذائية.

وتحدث عن سوق الخبابيز فقال: من أقدم أسواق الكويت، يفصله عن سوق اللحم سوق الغربللي، هذا السوق كان موجودا حتى نهاية السبعينات، وأتذكر كنا نأكل عند النسوة البيض ونشرب الحليب واللبن، والمحل الصغير تباع فيه الكبدة والكلاوي، سوق فيه حوالي عشرة خبابيز. سوق المقاصيص الذي يسمى (الحراج) أيضا، سوق تباع فيه أدوات النجارة والحدادة، وكل حاجة تخطر على البال من بضائع وسلع مستعملة، سوق مزدحم، والمقاصيص سوق للمفلسين لمن يريد بضاعة مستعملة بمبلغ يسير وقليل، وتطور هذا السوق حتى أصبح فيه الملابس والأواني وراديوات مستعملة، ويقام فيه الحراج (المزاد)، وأخيرا توسع وانتقل إلى الري وسمي بسوق الجمعة، أما سوق الأبيض فعلا كان أبيض لكثرة عرض الأقمشة الصيفية البيضاء وفي عام 1968 أغلق.

وقال: من يفقد مفتاحه فمن السهل أن يحصل على بديل له من سوق المفاتيح، وإذا تعذر ذلك يذهب أحد الباعة الى المنزل ويبدل (الكيلون)، وكان أبو مسند هو الوحيد في الكويت والخليج يستنسخ المفتاح البديل.

وتذكر سوقا غنيا باللحم الأبيض من الدجاج والطيور والبط والأوز، سوق كله متعة وتجوال وضياع للفراغ.

كان مهما لأن أكثر العوائل الكويتية كانت تربي الطيور لأولادها والاستفادة من البيض، وقبل الدنانير كان سعر الدجاجة الواحدة ما بين نصف روبية إلى روبية التي كانت تساوي 75 فلسا، وفي 1961 ألغيت وجاء الدينار.

وقال: مازلت أعمل في شارع الجديد الذي يسمى الآن بشارع عبدالله السالم، عملت فيه في معرض يوسف بهبهاني ثم عند ابنه يعقوب والآن عند حفيده عقيل من ساحة الصفاة أول الشارع والآن في منتصفه، شارع يربط كل الاسواق به ويصل الصفاة بالفرضة فيه المعارض المختلفة والمقاهي والمطاعم.

وكان الكويتيون والمقيمون والزائرون يؤمونه، ومن تلك الحقبة من الزمن مازال الشارع الجديد يمارس دوره التجاري والسياحي لما له من أزقة ومداخل من كل الاتجاهات.

صورة قديمة مع صديقه عباس يعقوب بهبهاني
صورة قديمة مع صديقه عباس يعقوب بهبهاني
الأغاني الشعبية

وقال العامري: لكل أمة تراثها، الذي يؤكد أصالتها وتاريخها، تراث عبر الأجيال يكشف العلاقة التي كانت ومازالت راسخة يتناولها الصغار والكبار، وأن اللهجة الكويتية قريبة في كثير من اللهجات العربية المحيطة بها، ونحن في اليمن لا نختلف في الأغاني الشعبية عن الكويت أوغيرها، وأنا من المتابعين والمستمعين للتراث العربي، فهذه أغنية الطفل الكويتي:

يا مرة ابوي وين راح ابوي

راح البصرة راح البصرة

ش ايجب لي ش ايجيب لي

شرق ورق شرق ورق

وين احطه وين احطه

في صنيديقي في صنيديقي

والصندوق ما له مفتاح

والمفتاح عند الحداد

والحداد يبي فلوس

والفلوس عند العروس

والعروس تبي عيال

والعيال يبون حليب

والحليب عند البقر

والبقر يبي حشيش

والحشيش يبي المطر

والمطر عند الله

لا إله إلا الله

طق يا مطر طق

بيتنا جديد ومرزامنا حديد.

وقال: هؤلاء الأطفال عندما يسمعون لفظ الجلالة (الله) يعرفون أنه ورد في القرآن الكريم 980 مرة، والآن هل أولادنا عندهم هذه المعلومات؟

أطفالنا يفدون بأنفسهم للوطن:

احنا بنات أحمد تلاقينا

والشمع والبارود في أيدينا

رحنا وجينا ما تعشينا

كلينا حلوة دبق ايدينا

طبوا تخبروا

طبوا تخبروا

وأما الأغاني اليمنية، فأتذكر منها أغاني المهد في الطفولة، فهي من الموروثات اليمنية، وتدل هذه الأغنية على حرص الأم على بيتها ومشغولاتها. تحاول أن تسكن الطفل لتقوم بعملها، ومنها.

الللوه يا مرحبا بالزين

الللوه ما حد مثيله تربين

الللوه يا مرحبا بالولد

الللوه ما حد مثيله با يجد

الللوه لا دوروا في البلد

الللوه جابوا ولد في ولد

ما حد كما ذا الولد

أمثال يمنية

أما الأمثال اليمنية، فهي تجارب توصلك إلى فكر وعمل في مجرى الحياة ومنها:

ما يحن على المال إلا كاسبه، جمل يعصر وجمل يأكل العصَّار، صنعة في اليد أمان من الفقر، ضياع الشور مفتاح الندم.

والكويتيون يقولون الأمثال تجربة العقلاء، ولها في النفوس قبول واستحسان، وهي صورة معبرة عن عقلية الشعوب.

وختم بالقول: أنا من عشاق الأمثال الكويتية العامية، أسمعها من خلال المسلسلات والتمثيليات: اترك الشر يتركك، اللي الله ما إيّسره عسر، زاد الماي على الطحين (كقوله بلغ السيل الزبي)، فلان خن بُط (كالفراشة تطير ثم تقع)، من باعك بيعه،محد رزقه على احد، من رابع الجهال شقوا حلقه، يقول يا هلا وفي القلب بلا، يا شين السرج على البقر، ويا شين السعف على الجمل.

عن «القبس» الكويتية 6 ديمسبر 2008

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى