رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> محفوظ صالح باحشوان:الميلاد والنشأة:تريم مدينة عريقة ذكرها ياقوت في معجم البلدان والهمداني في (صفة جزيرة العرب) والخطيب في (الجوهر) والشلى في (المشرع)، وذكرها آخرون (راجع معجم بلدان حضرموت المسمى إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت للعلامة المؤرخ السيد عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف).

ورد في (المشرع) (مرجع سابق - بن عبيدالله السقاف - ص 500) أن «حارة الازمرة هي المدينة القديمة، وهي التي في شرق الجامع(جامع المحضار) ممتدة إلى الجنوب»، وإنه ربما بلغ في عصر واحد ثلاثمائة مفتٍ بتريم، ويروي أنه كان في تريم سبعمائة قبيلة، لاتخلو قبيلة عن أحد من الصالحين سوى قبيلة واحدة ووردت تفاصيل كثيرة عن جوامعها وأربطتها وفقهائها في الكتاب المرجعي السالف ذكره .

أما الطيب بامخرمة (المرجع السابق - ص 505)، فقد أشار إلى تريم بالقول:

«وقد خرج منها علماء فقهاء، فضلاء ومشائخ أجلاء» ذكرهم بالاسم وورد أيضاً: «وفي تريم علماء وعباد وزهاد لايحصون ومقبرتها المشهورة (البركة)، ومدفون في جيانة تريم أربعون من أهل بدر».

جدير بالإشارة أن تريم هي موئل السادة آل الكاف، الذين ذاع صيتهم في مجال المال والأعمال والبر والإحسان والفن والطب والقانون.

وغيرها من المجالات، وهي موئل قامات معروفة من آل بلفقيه والسادة الأشراف آل باعلوي وباحشوان وغيرهم لايتسع المقام لذكرهم..

في حوار هادف وشائق لـ «الأيام» مع الفنان محفوظ صالح باحشوان في العدد 509 الصادر في الفاتح من نوفمبر 1998م أفاد فناننا باحشوان أنه من مواليد عام 1933م بمدينة تريم وبحسبه-وقد صدق- بأنها (أي تريم) تعتبر من أغلى الكنوز الحضارية والثقافية والفنية، وأشار إلى حيوية وأهمية الغناء في تلك المدينة التي عرفت بالتدين والمحافظة والصوفية، حيث يمارس الناس الغناء في الزراعة والنجارة والحدادة والحياكة وعمارة البيوت وتأثر أولاد باحشوان بذلك المناخ الخصب رغم المحيط العام المحافظ .

لكل قاعدة استثناء والاستثناء هنا هم أولاد باحشوان

يفيد الفنان محفوظ باحشوان في حواره مع «الأيام»: «وكانت البداية الحقيقية لي في 1962م، ومعروف أن مدينة تريم يغلب عليها الطابع الديني والصوفي، ولهذا تكونت فرقة من أسرة باحشوان لكسر الحواجز، وتكونت من إخواني شيخ باحشوان(عازف كمان)، وحسن باحشوان (عازف عود ويغني) وكرامة(عازف دف)، وعبيد باحشوان، وأنا أصيغ الأشعار والألحان».

وأشار باحشوان إلى البداية، فقال: «إن البدايات كانت وطنية، وكانت الساحة ساخنة جراء الصراع مع الاستعمار، ولذلك تركز الصراع في مدينة عدن، ولكن الإحساس الوطني واحد والمشاركة واجبة، ولابد من الحرف والنغمة».

ومن نماذج أعمال الفرقة الباحشوانية ذكر الفنان محفوظ باحشوان مشاركتهم في العام 1962م في إحياء أمسية فنية نظمها النادي الأهلي بتريم، وكان الأندية آنذاك بؤر وطنية.

باحشوان ورائعته (ويله.. ويله.. ياويله من الله)

تحدث الفنان باحشوان عن دور النادي الأهلي في أداء رسالته الرياضية والوطنية والفنية، وعن الصعوبات التي واجهوها عند التأسيس، وعن فاتحة أغنياته قال باحشوان :«إنها كانت بعنوان (آيات المحبة)»، وجاء في مطلعها:

قال المعنى خو حسن/ عذبن قلبي الغانيات الحسان/ قاسيت جم منهن محن/ وهن يقطعن الحشاء عمده بسكين

وفي حديثه عن أغنية (ويلة.. ويلة.. ياويلة من الله) أفاد باحشوان أنها من التراث، وفي اعتقاده أن لحنها من إفريقيا بعد قدوم الأحباش إلى اليمن، وهي عبارة بحسب باحشوان «عن قطعة موسيقية تعزف بالمزمار فقط ، وتؤدى في الزامل في المواسم الشعبية والأهازيج، فأخذت اللحن وعملت عليها أبياتاً وسجلت الأغنيتين عام 1969م في تلفزيون وإذاعة عدن بصوت الفنان كرامة مرسال».

الدويتو محفوظ وحسن صالح باحشوان:

الملاحظة اللافتة التناغم والانسجام بين محفوظ وشقيقه حسن باحشوان، التي أفصح عنها المحاور في حواره مع «الأيام»، فعقب عليها فناننا محفوظ باحشوان بأن لديه سبعة إخوة ليس لديهم قدرة أو موهبة على الغناء، «فالأمر كله موهبة حسن وصوته الجميل وعزفه المتمكن على آلة العود، على الرغم من أننا تعلمنا بأنفسنا بدون مدارس فنية ولا أي شيء، وإنما هكذا الإنسان يتطور على قول المثل (القضاء يفقه)».

إبداع محفوظ باحشوان ودخول فنانين كبار على الخط :

وضع المحاور بين يدي فناننا محفوظ باحشوان ملاحظة مفادها بأنه مشدود إلى مفردات القاموس الريفي الأرض - الفلاح - الزرع - المطر.. إلخ، فأفاد في إجابته أنه ينقب في التراث ويبرزه في ثوب جديد يتناغم مع الذوق الجديد ومع رغبات الناس وثقافة العصر منها (ياحولاء الليلة) التي سجلها الفنان حسن باحشوان، في إذاعة عدن في سبعينات القرن الماضي، وجددها عام 1998م في شريطة الأخير بثوب قشيب.

أما أغنية (هيلا مالية) (التي يشدو بها البحارة في رحلاتهم)، فقد سجلها الفنان بدوي زبير لتلفزيون وإذاعة عدن في ثمانيات القرن الماضي.

وفي سياق إفاداته عن الذين غنوا له داخل الوطن وخارجه قال الفنان محفوظ باحشوان :«إن منهم كرامة مرسال وحسن باحشوان وعبدالرحمن الحداد وعلي العطاس وبدوي زبير ومحفوظ بن بريك وسعيد عبدالمعين، وكثير من الفنانين العرب منهم اليمني الأصل عبدالرب إدريس وسميرة سعيد، وفي الكويت ليلى عبدالعزيز دون إشعار مني».

باحشوان والأعمال التي تنسب لآخرين:

استطلع محاور «الأيام» رأي الفنان محفوظ باحشوان حول الأعمال الفنية ليمنيين وينسبها آخرون لهم، فأفصح باحشوان عن حقيقة مرة مفادها أن «الشاعر والملحن مظلوم ومهضوم حتى داخل الوطن» واستشهد على ذلك بالإذاعة والتلفزيون اليمني الذي يعرض أغانٍ دون أن ينسبها لأصحابها (شاعراً وملحناً) ومنها أغاني محمد جمعة خان، وأشعار حداد بن حسن، «ذلك الرجل الكبيرالمهضوم له أشعار وألحان قمة».وطالب الفنان الدولة بأن تثمن وتكافئ ذلك الرعيل العملاق الذي خدم الفن وأثروا الإبداع أسوة بالشهداء وغيرهم، ومن الشعراء الذين ذكرهم باحشوان: سعيد مرزوق، وسالم العيدروس، والتوي، وعايض بلوعل، وحسين البار وغيرهم.

باحشوان وآخر الأعمال:

تحدث محفوظ باحشوان عن آخر أعماله فأفاد بأنه طبع ديوانه (أغنيات للحياة) بمساعدة كريمة من أصدقائه، فلاظروفه ولاظروف الفنانين تسمح بطباعة الديوان، وتحدث عن بداية التعاون بينه وبين الفنان جعفر حسن (الذي تتلمذ على يديه كثير من المبدعين الشبان).

هناك شريط آخر لأخيه حسن بعنوان (سمير الليل) وشريط آخر لأخيه حسن أيضاً بعنوان (ريم الخليج) ويشمل ست أغانٍ هي:ريم الخليج، وليلة سمر، وغزال الجزيرة، ومغرور، ولقاء في هدى، واختتم إفادته بالقول: «ليس هناك جديد غير أغنية لعبدالرب إدريس قبل فترة بعنوان (القمر)» وقد غنى له أغنية (خليك في حالك)، ولحن لسميرة سعيد من كلماته أيضاً.

محمد عبدالله فارع:

الميلاد والمنشأ:

محمد عبدالله فارع من مواليد عدن في 25 مايو 1934، وتلقى دراسته في عدن وصقلته مدرسة الحياة وحصل على دبلوم صحافة من ألمانيا عام 1977م، وسيرة فقيد الحركة الرياضية العدنية واليمنية والعربية محمد عبدالله فارع عبارة عن ملحمة كفاحية امتدت لنصف قرن بدأها في العام 1950م واختتمها في العام 2000م.

نقطة الانطلاق من نادي شباب التواهي

بلغ عدد الأندية الرياضية في عدن قبل نصف قرن 1958م واحد وثلاثون نادياً مارست رياضة كرة القدم كنشاط أساسٍ، أما نوادي منطقة التواهي في ذلك العام كانت على النحو الآتي:

نادي شباب التواهي و الاتحاد الإسلامي، ونادي جلاي (11) الرياضي، ونادي النجم الإفريقي وزهرة الشباب ونادي شباب البيضاء ونادي الغزال الرياضي (لاحقاً نادي الشعب الرياضي) ونادي شباب اليمن.. (تاريخ الحركة الرياضية في عدن (جنوب اليمن) عبدالرزاق معتوق ص 118).

تأسس نادي الاتحاد الإسلامي في مدينة التواهي في الفترة مابين العامين 1934-1933م واشتهر في الوسط الاجتماعي باسم (الموالدة) وفي 30 يونيو 1948م أطلق عليه نادي شباب التواهي والاتحاد الإسلامي وتشكلت هيئته الإدارية الأولى من السادة محمد أحمد ميسري، رئيساً، وعبدالكريم عمر العمراوي أمين عام، محمد حسين ربان، مساعد الأمين العام، وطه سعيد، مديرا للرياضة، وسليمان سعيد، أمين مال، وكل من أحمد أمين ومحمد ناجي وقاسم سيف وجلاب خان أعضاء إدارة.

من أبرز لاعبي هذا النادي:

كابتن طيار عبدالرب يافعي وعباد أحمد إسماعيل وحسن عيسى وعبدالقوي طمبش وعبدالكريم هتاري وسليمان طربوش وإسماعيل كوكني وعبدالله جامع ونجيب راجح وهاشم عبدالعزيز وفريد محمد سعد (حارس مرمى) - (معتوق خوباني.. رحلة عطاء وذكريات كروية ص 218).

كانت نقطة انطلاق محمد عبدالله فارع من نادي شباب التواهي في العام 1950م، حيث بدأ مشواره لاعباً لفريق النادي حتى بداية العام 1955م.

الفارع في رحاب «الكفاح» و«فتاة الجزيرة» :

نشط محمد عبدالله فارع في العمل الصحفي الرياضي عام 1954م وتحمل رئاسة القسم الرياضي بصحيفة «الكفاح» عام 1958م، وترأس بعد ذلك القسم الرياضي في صحيفة «فتاة الجزيرة» خلال الفترة من 1960 حتى عام 1967م وتحمل محمد عبدالله فارع عدداً من المراكز القيادية في ناديه شباب التواهي.

انطلق محمد عبدالله فارع إلى رحاب أوسع في الفترة التي أعقبت الاستقلال، حيث أسندت إليه رئاسة القسم الرياضي لصحيفة 14 أكتوبر اليومية منذ صدورها في يناير 1968م حتى عام 1990م.

الفارع في إعلام رياضي متنوع:

أسندت لمحمد عبدالله فارع مهمة إعداد وتقديم المجلة الرياضية في تلفزيون عدن عام 1973م وحتى وفاته بأسابيع، كما أسندت إليه مهمة مدير تحرير مجلة «الرياضي» لعدة سنوات.

الفارع والانتشار على المستوى العربي :

بدأ محمد عبدالله فارع نشاطه الإعلامي على المستوى العربي عام 1972م من خلال كتاباته ومراسلاته للعديد من المجلات الرياضية العربية وساهم في تشكيل أول رابطة عربية للصحافة الرياضية تأسست في بغداد في نفس العام.

حيث انتخب الفارع أمين مساعد للرابطة ورئيساً للرابطة اليمنية وظل محتفظاً بالمنصبين العربي واليمني حتى عام 1990م، كما أسهم في تشكيل رابطة الصحفيين الرياضيين في الشطر الشمالي من الوطن (سابقاً) (محمد عبدالله فارع: عشر سنوات من عمر الحركة الرياضية اليمنية - المؤلف في سطور).

الفارع مع نصر شاذلي والمقبلي والماس وآخرين:

قبل انعقاد المؤتمر العام الأول للحركة الرياضية في الجنوب، التقى الأخ علي ناصر محمد، قائد الحزب والدولة ممثلي الحركة الرياضية في 11 فبراير 1973م.

حيث نوقشت أوضاع الحركة الرياضية وعلى أساسه شكلت اللجنة التحضيرية للإعداد للمؤتمر العام، وكانت من الآتية أسماؤهم

نصر عبدالرحمن شاذلي - رئيسا، محمد أحمد مقبل - سكرتيراً، الفقيد سالم علي أحمد - مسؤولاً مالياً، وعضوية كل من:فضل سعيد عاطف ، ناصر الماس ، عبدالجبارسلام، محمد بن محمدالحبيشي، وسعود مبارك الفخاش، وأحمد صالح عيسى، وعبدالله عوض بايمين وعبدالقادر عوض سالم وعبدالرحمن بلجون.

في العام 1980م كلف الأخ علي ناصر محمد، قائد الحزب والدولة الأخ/ محمد عبدالله فارع، بإعداد تصور لهيكل المجلس الأعلى للرياضة، والذي أنجزه وقدمه في 27 أكتوبر 1980م.

جدير بالإشارة، إنه منذ العام 1973م الذي تأسس فيه المجلس الأعلى للرياضة وحتى العام 1980م تم عقد ثلاثة مؤتمرات للحركة الرياضية في الجنوب، وشارك محمد عبدالله فارع بفعالية في الإعداد لها وفي تغطية الوثائق في نواح معينة من التقرير المقدم إلى هذا المؤتمر أو ذاك.

ولا يفوتنا الإشارة إلى أن الرموز القيادية التي تربعت على سدة الحركة الرياضية: عبدالعزيز عبدالولي ومحمد سعيد عبدالله (محسن) وأحمد محمد قعطبي ومحمد عبده زيد.

الفارع ومحطات مضيئة:

اختير الفارع عضوا في الهيئة الفنية العربية التابعة للجامعة العربية وظل فيها سبع سنوات، كما انتخب رئيسا للجنة الرياضية العربية العليا لعدة سنوات.

في البصمات التي تركها محمد عبدالله فارع في صفحات التاريخ أنه كلف من جامعة الدول العربية بإعداد دراسة عن الإعلام الرياضي العربي، وقد ناقش وزراء الشباب والرياضة العرب الدراسة وأقروها في اجتماعهم المنعقد في الجماهيرية الليبية عام 1975م.

أضيف لمحمد عبدالله فارع، في سجله قرار الجامعة العربية باختياره محاضراً في أول دورة للإعلاميين الرياضين العرب التي أقيمت في بغداد عام 1978م ونال العديد من الجوائز التقديرية والأوسمة الرياضية والإعلامية من شطري اليمن قبل الوحدة.

كما كرم أكثر من مرة ونال الميداليات والشهادات التقديرية على المستويين العربي والدولي، وقد جاء تكريمه على المستوى المحلي لعدة اعتبارات منها مساهمته في التحضير لقيام اللجنة الأولمبية اليمنية، وعلى هذا المستوى الأولمبي تم تكريم الشخصية الرياضية والاجتماعية المعروفة الأستاذ أحمد محمد قعطبي.

فارع في رحاب الخالدين :

قبل أن يطوى العام 2000م آخر صفحة له، نعى الناعي وفاة الأستاذ محمد عبدالله فارع يوم 30 ديسمبر 2000م عن عمر ناهز السادسة والستين عاما، مخلفاً وراءه سجلاً حافلاً بالأعمال في خدمة الحركة الرياضية، ومخلفاً وراءه ثلاثة أولاد، قضى اثنان منهم (الابن الأكبر والبنت الصغرى) وهو على قيد الحياة إثر مرض غريب تعرض له وبقى منهم ابن واحد وهو (نضال).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى