الموت لنا في اليمن

> محمد هشام باشراحيل:

كانت الساعة تشير لنحو الثالثة وخمس وأربعين دقيقة من فجر يوم أمس الأول الخميس وكنت عندها أتصفح عدد «الأيام» لليوم نفسه عندها رن جهاز هاتفي السيار وأفزعني الاتصال في هذا الوقت فرفعته مسرعا وإذا بي أجد المتصل أحد أقربائي يستنجد بي ويطلب مساعدتي لإدخال جاره القسم الجراحي في مستشفى الجمهورية لتمديده. لم أستوعب ما قال فطلبت منه التوضيح فقال:

«جاري إنسان كبير بالسن ومشلول ويعاني عدة أمراض أخرى أستنجد بي أولاده لعلمهم بأن لدي سيارة لإسعاف والدهم الذي بدأ يدخل في غيبوبة بسبب ارتفاع السكر وضيق في التنفس فذهبنا به إلى كل المستشفيات، التي رفضت استقبال المريض إما لعدم توفر مكان له وإما لعدم وجود الجهاز المطلوب لمثل هكذا حالة ونصحونا بالتوجه إلى مستشفى الجمهورية لعلمهم بوجود الجهاز فتوجهنا إلى المستشفى ولكن الطبيب المناوب في طوارئ الباطني رفض قبول المريض لانشغال كل السرر المجهزة بهذا الجهاز فدلفنا إلى داخل المستشفى وعلمنا بوجود سريرين مجهزين في قسم طوارئ الجراحة ولكن الطبيب المناوب رفض استقباله أيضا بحجة أنه لاتوجد تعليمات من مدير المستشفى وهو لا يستطيع تحمل المسؤولية».

فطلبت منه الانتظار مكانه واتصلت بالدكتور جمال خدابخش مدير المستشفى عدة مرات ولم يرد وعلى الغالب كان نائما في ذلك الوقت فعاودت الاتصال بقريبي وقلت له أعطني الدكتور المناوب، الذي عرفته باسمي ومنصبي في صحيفة «الأيام» راجيا منه استقبال المريض لأنه في حالة لا تستحمل الانتظار لعلمي بخطورة أن يدخل مريض السكر في غيبوبة, ووعدته أيضا بأن أتحدث مع الدكتور جمال في الصباح في حالة تعرضه للمساءلة.. ليقيني بأن الدكتور جمال لن يمانع.. فوافق الطبيب المناوب، الذي كان (مخزنا) في ذلك الوقت..فشكرني قريبي وقلت له بأن يطمئني على جاره فيما بعد.

وبعد خمس دقائق عاودت الاتصال للاطمئنان على حالة المريض فإذا بقريبي يخبرني بوفاة جاره. نزل الخبر علي كالصاعقة وإذا بدموعي تنهمر حزنا على هذا المسكين الذي لم أعرف حتى اسمه وأيضا لحزني على الحالة التي وصلت إليها بلادي فقد أضحت حياة المواطن فيها لا قيمة لها..وإلا كيف نفسر التدهور والاستهتار بأرواح الناس وبهذه الطريقة؟!

عادت بي الذاكرة إلى الوراء قليلا عندما كنت طالبا في بريطانيا أكمل تعليمي الجامعي وكان يشاركني السكن أحد الأصدقاء هو الآخر يدرس في الجامعة ومن اليمن وفي يوم من الأيام أصابته حالة ضيق تنفس شديدة فأسعفته على الفور إلى مستشفى المدينة وهناك استقبلوه وعملوا له عدة فحوصات مختلفة أتذكر منها تخطيط القلب وجعلوه يتنفس بالأوكسجين، جرى كل هذا ولم يسألونا حتى عن اسمه إلا فيما بعد عندما تأكدوا من استقرار حالته.

وعند خروجنا من المستشفى كانت هنا المفاجأة الحقيقية بالنسبة لي ولصديقي وذلك عندما أعطى الدكتور المناوب في المستشفى البريطاني الدواء لصديقي وأعطى له رقم هاتف وقال له (بعدما تتحسن حالتك وتتعافى وتصبح %100 اتصل على هذا الرقم وادفع قيمة الدواء «إذا سمحت»).. أما كل ما عملوه سابقا فقد كان مجانا، فنظر إلي صديقي بذهول وقال (شوف الإنسانيـــة، شوف الأمانــة، شوف النظــام، شوف شوف شوف), فكان ردي له: لهذا بريطانيــا والدول الغربية عظيمة لأنها تقدر قيمة الإنسان المقيم على أراضيها، أما نحن.. فالموت لنا في اليمن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى