المهمشون في كرش والراهدة .. حياة بائسة ومعاناة لم تنته

> «الأيام» أنيس منصور

>
يستوطن بمحاذة سوق كرش وفي حارات (القرن والحبيل الأسفل والرياني) بمدينة الراهدة مئات الأسر من فئات المهمشين يعيشون في تجمعات سكانية معزولة (عشوائية) لعدم التخطيط فمنازلهم مكونة من العشش والخيام المصنوعة من الثياب البالية.

وحياتهم مليئة بالبؤس والاستكانة والذل والحرمان من التعليم والأمان والخدمات الصحة والطرق والكهرباء وأدوات الصرف الصحي.. «الأيام» دخلت إلى قلوب نماذج منهم ورصدت صورا من همومهم وآهاتهم وتعامل السلطة مع متطلباتهم.. فإلى التفاصيل:

صور واقعية في كرش

تزدحم عشرات البيوت الصغيرة جدا على محاذة خط الأسفلت العام في كرش من فئات المهمشين (الأخدام) في بيوت من الطرابيل والحطب والكرتون، تتحول هذه العشش إلى نار حامية في الصيف، وترتعش أجسادهم من شدة برد الشتاء، حيث يصابون بالأمراض المتنوعة.. عندما علموا بوجود «الأيام» تجمعوا حولها.. فكانت أول متحدثين امرأة مسنة، حيث قالت:«هكذا نعيش معرضين للشمس والبرد والمطر والريح ولا يوجد لدينا أي مصدر دخل مثلما ترى أمامك».

ثم تحدث عاقل المهمشين نبيل درهم بكلمات عفوية قائلا:«نحن بصراحة محتاجون لوحدة سكنية، ومحرومون من تبرعات وصدقات الجمعيات، وهناك محسوبية وظلم، فبعضنا لم يجد لحمة عيد الأضحى، ولم يشعروا بفرحة العيد، وحتى الوظائف نحن محرومون منها، فالناس ينظرون إلينا بالنقص والاستحقار والضعف كأننا مخلوقات غريبة».. وأضاف: «يتعيش بعضنا على التسول في شوارع العند والشريجة والمثلث، والبعض الآخر يعملون في الأعمال الشاقة كترقيع الأحذية وتخريزها بأجر يومي، فنحن نعاني من تهميش وتمييز وظلم».

وتحدث عبده دماج قائلا:«رغم أننا نعمل أعمال شاقة لكن لم نجد مصروف الأولاد، والأجر زهيد وبدون ضمانات ولاحقوق».. مضيفا:«هناك مجموعة منّا تقوم بإحياء حفلات الأعراس والأفراح، وقرع الطبول والمزمار في المناسبات، وهناك فرقة شعبية في كرش رزقهم من هذا العمل».

وعن جهود الدولة والسلطة المحلية قال محمد الرباشي:«لا نعرف السلطة ولا تعرفنا إلا أثناء الانتخابات لاستغلال واستخدام أصواتنا».. وأضاف:«تم تسجيل بعضنا في الرعاية الاجتماعية بجهود وعناية من مدير المديرية السابق لحسون صالح مصلح، ومع ذلك لا نستطيع أن نعلم أولادنا ولا نعالجتهم، فالكل يشكي ويبكي».

وعن حياة الأطفال الصغار في مخيمات وعشش مهمشي كرش قالت مريم النفش:«إنهم محرمون من الدراسة، فهم أميون ويذهبون للعمل من أجل لقمة العيش تقليدا لآبائهم، حيث تقوم النساء بنقل الماء والاحتطاب».. وأضافت:«نحن لا نعرف مشاريع مياه ولا كهرباء أو غاز، أحيانا نشتري أدوات منزلية وعندما تأتي الحاجة نبيعها بثمن بخس».

وتحدث فضل عبده الزبر قائلا:«لا ندري لماذا هذا التعامل الدوني؟.. فنحن لسنا خطرا على السلطة وليس عندنا أي انتماءات حزبية أو مذهبية، حزبنا الأساسي هي بطوننا يطلع من طلع وينزل من نزل!!.. ومعروف أن المهمش في مجتمع اليمن لا يحق له أن يطمع في أي أدوار سياسية أو الترشيح للمجالس المحلية، وممنوع من المشاركة السياسية، وسبق أن ترشح عاقلنا نبيل درهم في إحدى المرات للمجالس المحلية، وتم اعتراضه وسبه من بين المرشحين.. ونحن نطالب عبر «الأيام» صوت الحق بحياة كريمة وخدمات أساسية».

ضحايا وجياع ومستعبدون بالراهدة

تتوزع جموع فئات المهمشين من حيث مواقعهم وتجمعاتهم على أطراف مدينة الراهدة أسفل القرن وورزان والوعرة والحبيل والرياني وهم يعانون من وطأة الاستبداد والتنكيل والتطفيش، فهناك عشرات الضحايا المعذبين يتم مداهمة منازلهم البسيطة، ويتعرضون لأنواع من الإهانات من قبل نافذين يستبعدونهم بالقوة ومن دون مقابل.. همومهم كثيرة وطويلة منهم من يعمل في صندوق النظافة برواتب ضعيفة لا تساوي مجهودهم تذهب كلها ديونا وأقساطا، ومنهم من يتمركزون أمام المخازن التجارية لنقل البضائع وإنزالها بمبالغ قليلة جدا، ومنهم من يعملون خرازين.

ومع ذلك هناك أعداد قاموا بتطوير أنفسهم وألحقوا أبناءهم في المدارس والوظائف في قطاع الصحة والتجنيد العسكري، ثم استطاعوا الانخراط في مؤسسات المجتمع كغيرهم من الشعب.. وأعجب من ذلك رفضهم الحديث عن حياتهم بتسجيل الاسم حتى لا يتعرضوا لأي عقاب.

وقال عشرات ممن قابلتهم كاميرا «الأيام»: «نحن فوق كل ذلك يتم إذلالنا واستعبادنا لأننا لا نملك قوة اجتماعية، فنحن مطحونون بالارتفاعات المتواصلة للأسعار التي شملت جميع المواد الغذائية والبضائع الاستهلاكية، وتلاعب مفتوح بأقواتنا».

وشكا عبده أحمد ناجي من التلاعب بالضمان الاجتماعي وتسيس حالات الرعاية الاجتماعية التي توزع لشخصيات هي في غنى عنها، ويحرم منها فئات المهمشين المظلومين، فيما تساءلت بعض الفئات المهمشة عن التعويضات التي وعدت السلطة بها مقابل مساكنهم التي تم أخذها عنوة لتوسيع الطريق العام.. قال قايد العزيم: «كذبوا علينا وذهبوا».وتطرقت عجوز مسنة تدعى جمعة عثمان إلى الأوضاع الصحية المتدهورة التي يعانونها والتعامل العنصري حتى مع الحالات المرضية التي يتم إسعافها إلى مستشفى الراهدة، وبيع الأدوية المجانية في صيدليات خاصة، وتوزيع الناموسيات المشبعة لبعض الساكنين واستثناء المهمشين في الحبيل والدياني.. «ونحن صابرون حتى يأتي فرج الله».. وذكر أصيل عبدالوهاب العريقي أن الفئات المهمشة بالراهدة أحيانا لا يملكون قيمة وجبة غذائية يتضورون من شدة الجوع، فيعمدون إلى الذهاب إلى المطاعم والطواف عليها لأخذ ما تبقى من فتات وبقايا وجبات والأكل لسد الجوع.

نحن ضحايا الفساد والغلاء

مشاهد مسأوية كارثية تعكس طبيعة المعاناة التي يعيشها المهمشون جراء السياسات الاقتصادية الفاشلة، حيث يتدفق المئات من ساكني العشش إلى الشوراع والأسواق والمساجد، ومن العجزة والمعاقين بحثا عن لقمة خبز، وفي العيد لم يشعروا بفرحة العيد، تزايدت في الآونة الأخيرة همومهم وقضاياهم بشكل مروع، فأحيانا تخرج أسر مع أطفالها يتسولون بفواتير المياه وروشتات الأدوية وتقارير طبية، وهو ما يعني انهيار الخدمات وغياب العدل الاجتماعي.

وتحدثت زينب علي راجح والدموع تنهمر من عينيها قائلة:«أولادي أحيانا يذهبون إلى مقالب القمامة يبحثون عن مخلفات البلاستيك والمعلبات المعدنية الفارغة حتى يجمعوا قيمة غداء وعشاء.. واليوم عددنا ثمانية كلنا ننام ونعيش في هذه العشة، حياتنا نكد وتعب».

وتحدث الأخ ناصر قائلا: «لقد نشر منبر الحق «الأيام» المسيرة والاعتصام في كرش اللذين رفعنا فيهما أواني المياه والفوانيس والخرق القديمة المقطعة، ورفعنا أصواتنا نطالب باحترام آدميتنا نظرا إلى أوضاعنا المحزنة، وناشدنا المنظمات الدولية المهتمة وجهات الاختصاص بمساعدتنا في بناء مساكن تقينا من الصيف والشتاء والشمس ومازلنا متمسكين بخيار النضال السلمي لانتزاع حقوقنا»..مضيفا «لقد أسودت الدنيا أمامي عندما مرضت زوجتي ولم أجد أية حيلة لتوفير قيمة العلاج، ولم أستطع حتى زياتها لعدم توفر قيمة أجرة الموصلات، نحن ضحايا الفساد وغلاء الأسعار».

وفي مدينة الراهدة يقف فواز سعيد يسرد أنواع الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان للمهمشين هناك ومخالفات النظم والقوانين والأعراف النافذة ورفض السلطة المحلية معالجة قضية مجاري الصرف الصحي القريبة من منازل حافة الرياني.

لقطات سريعة

- حاول أربعة من شباب المهمشين اعتراض «الأيام» لكيلا تنقل وتصور معاناتهم وعندما طلبنا منهم السبب قالوا : «الدولة جعلت من قضايا المهمشين وسيلة لتجميع واستلام مخصصات من المنظمات العالمية المانحة ودعمها لكنها لم تهتم بهم في الواقع الحياتي».

- رغم وصف صور ومشاهد واقعية من حياة فئات المهمشين إلا أنك تجدهم مهتمين بالفن الغنائي أكثر من اهتمامهم بالملبس والأكل، فلا تخلو عشة من عششهم من صوت مسجل أو إذاعة وطرب ويصب كل اهتمامهم الرسمي في متابعة أخبار الفن وجديد الأغاني والحفلات والألبومات.

- غالبية من قابلناهم من المهمشين طالبوا الاهتمام بنشر الصور الفوتغرافية أكثر من سرد وكتابة أحاديثهم كونهم أميين ولا يجيدون القراءة والكتابة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى