مدخل السنة بركة.. والسيل فوق الدكة .. عادات على إيقاعات زهور الوطن

> «الأيام» أمجد باحشوان:

>
(مدخل السنة بركة .. والسيل فوق الدكة .. يا لبان يا كوكبان ..بعّد إبليس الشيطان).. بهذه الأبيات الشعبية استقبل أطفال مدينة سيئون محافظة حضرموت عامهم الهجري الجديد وترنموا بها ليملؤوا الأجواء بعبير ابتسامة عريضة استنشقها الكبار ليروحوا بها أنفسهم عما أدركهم من العام المنصرم وليجددوا بها أملهم ويقووا عزيمتهم ليجتازوا صعاب العام الجديد.

تلك الزهور الواعدة أحيت عادة تراثية حميدة - تغنت بها الأجيال السالفة - فرحا باستقبال عامهم الجديد ورددوا أبياتا شعبية تمايلت بها حناجرهم الذهبية، وعطروا المساجد والأزقة والبيوت والأسواق ليطردوا منها الشياطين والجان الذين كدروا عيش الناس وأوقعوهم في وحل المصائب والآثام.. الأطفال كانوا ينتظرون تلك اللحظة على أحر من الجمر .

وها هي رأس السنة أتت ناشرة ذراعيها يفوح منها نسيم الورود وهم بدورهم هبوا إليها وقبلوا يديها مغردين بالألحان الجميلة التي تدخل في النفس البهجة ، ثم رافقوها إلى كل شارع وبيت لتأخذ كل بقعة نصيبها من بركتها ولتشهد سحر جمالها وبريق ابتسامتها.

تلك الأرواح البريئة التي سكنت أحضان السنة الجديدة تجاوز عددهم المائتين، جابوا شوارع وأزقة مدينة سيئون بأحيائها السكنية وبيوتها الشعبية وأسواقها التراثية حاملين معهم المباخر ( المقاطر – وباللغة العامية : البابور) ، وزينوها بالجواهر الحمر لترسل أشعتها الحارقة إلى الدخون والبخور وخليط العلك واللبان وليحصنوا بها الأحياء السكنية والمحال التجارية بالطيب ويملؤوها بالروائح الزكية .

هذه العادة التي حرصت مدينة سيئون على إحيائها لسنوات قديمة جدا لا زالت إلى اليوم ولكنها بقالب آخر حيث كان أطفال الماضي يبخرون بيوتهم كل في بيته بمشاركة كافة إفراد الأسرة، مرددين تلك الأهازيج الفرائحية وسط فرحة غامرة بهذه المناسبة .. لكن فرحة الأطفال بالسنة الجديدة تجاوزت جدران بيوتهم وطالت منازل الجيران، وهم بذلك طوروا هذه العادة ولم تتوقف عند هذا بل اتسعت رقعتها ليغمروا ببهجتهم المساجد والأسواق .

وليس الأطفال من يعد لهذا اليوم فحسب بل إن أسرهم تشاركهم في ذلك فيعدوا العدة والعتاد من ليلتها ، ولقد كانت من عادتهم قديما أنهم يصنعون نوعا من أنواع الخبز يسمونه (البُر) يضيفون إليه مرق اللحم كوجبة عشاء تخصص للجلسة مع الأهل والخلان.. يتذاكرون فيها كيف كانت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، سائلين الله تعالى الخير وقبول العمل الصالح.

وفي صباح أول يوم تقوم الأم بتجهيز أطفالها للخروج إلى الساحات والشوارع لإحياء هذه العادة التراثية السنوية لترديد الأهازيج المتناسبة مع هذه المناسبة.. كما يقومون بتجهيز غداء خاص في هذا اليوم فيه الجديد والمختلف عن الأيام الأخرى.

الأطفال وهم يجوبون المحال التجارية لا يرجعون بخُفَّي حُنَين، كيف وهم استقبلوا رأس السنة الجديدة عند أبواب المدينة ولا تكرمهم بشيء، وفي اعتقادهم تجلب السنةُ لهم الهدايا المختلفة لتضعها عند التجار وتأمرهم أن يوزعوها. تلك الهدايا تتنوع ما بين نقود وحلويات وغيرها ، على أن يقوم أولئك الأطفال بتبخير المعرض وطرد الشياطين المختبئة فيه.

لكن الكبار لهم رأي آخر ما بين راض عن هذه العادة وساخط ، فيرى بعضهم أن هذه العادة التراثية تعتبر فرحة للجميع للكبير والصغير وقالوا : «نحن نعطيهم هدايا تشجيعية للمحافظة على التراث بشكل عام وعندما نعطيهم تلك الهدايا يفرحون بها وبفرحتهم يرحم الله الجميع فيغدق علينا الرزق». وليس هذا فحسب .. بل ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك فيعتقدون أن بذلك التبخير تطرد الشياطين وتتحول أحوال الناس إلى حال أفضل.

أما المعارضون فاعتبروها عادة سيئة، تطورت في السنين الأخيرة إلى ظاهرة مخيفة، وقالوا:«تلك العادة ستعوّد الأطفال على التسول، وقد يجعلونها وسيلة في أي وقت يحتاجون فيه إلى المال».

وأضافوا : «وما أكثر المتسولين هذه الأيام ، ومما يزيد من خوفنا المؤشرات التي أظهرتها إحدى الدراسات الحديثة عن احتمال تجاوز عدد سكان اليمن في العام 2033م أكثر من خمسين مليون نسمة ، فخمسون مليون نسمة مع ما يعنيه الشباب من بطالة متفشية كفيلة برسوخ هذه العادة في أذهانهم واستخدامها في مستقبلهم».

ومع هذا وذاك تبقى هذه العادة التراثية الضاربة في القدم عقدا من لؤلؤ في أعناق أجيال التكنولوجيا تبهر بلمعانها معالم التطور والعولمة، وما أبداه الساخطون من رأي – وإن كان ذا نظر صائب - لا ينبغي أن يميت تلك العادة الحسنة، ولتعالج النتائج السلبية بما يضمن عدم حصولها، وذلك من خلال التعليم والتوعية بين أوساط الشباب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى