شواهد من مدن حضرموت.. تريم مبعث التنوير

> «الأيام» عبدالقادر باراس:

>
قصر المنيصورة
قصر المنيصورة
إن الأمطار التي منّ الله عز وجل بها على مناطق عديدة من حضرموت في أواخر أكتوبر 2008م، والتي أحدثت أضرارا بالغة فيها بسبب السيول، إذ لم تلحق هذه السيول الأضرار في المدن الواقعة بعيدا عن مجرى السيول ومن تلك المدن، مدينة تريم لكون موقعها الجغرافي على هضبة ترابية مرتفعة عن مجرى السيول مكنها من تفادي الكثير من مياه السيول.

تريم مدينة تلفت نظر الواصل إليها كل ما يحيط بها من مبانٍ تشع بالبياض الناصع، ومنارات المساجد التي تعانق السماء، ويحتار المرء أمام روعة بساتينها الغنّاءة، وكل لمسات الجمال حواليها تغادر بالشخص حتى يظن نفسه في أماكن خارج الزمن.

بعيداً عن حضارة الأسمنت هنا شيء من عبق التاريخ وجمال الطبيعة وما تفننت في صنعه يد الإنسان، بيوت وقصور ومحارب مزخرفة ليس فيها سوى الطين، رسمتها الأيادي البسيطة بلوحات جمالية في غاية الإبداع،عرفت بـ (الغنـّاء ) لكثرة بساتينها وحدائقها.

من يقرأ تاريخ هذه المدينة ويستقصي حقيقة تشييدها، لابد له أن يعود إلى ما أورده الكاتب والباحث المغفور له بإذن الله تعالى، حداد بن أبي بكر بلفقيه، في مادته المتعلقة بمدن التاريخ لمدينة تريم المعنونة: ( تريم .. اسم في ذاكرة الزمن ) مجلة الفيصل في عددها ( 300 ) الصادرة في سبتمبر 2001م.

واستناداً إليه فإن مدينة تريم تعتبر رمزاً من رموز التاريخ الحضرمي الموغل في القدم، وقيل إن تسميتها تنسب إلى اسم أحد ملوكها ويدعى تريم بن سبأ الأصغر، ومن التسميات الأخرى التي تشتهر بها تريم (الغنّاء) لغزارتها، وكذلك (وادي ابن راشد) وهو اسم أحد سلاطينها المشهورين الذي اتصف بالعدل ويدعى عبدالله بن راشد.

تؤكد بعض النقوش التي عثر عليها في شمال تريم أن نشأة المدينة يعود إلى ما قبل الميلاد بأربعة قرون، وذلك في بداية بزوغ دولة الحميرين، وهناك بعض الأقوال التي تراوحت بين تأسيس المدينة في عهد السبئيين وعهد أحد التابعين الحميريين ويدعى أسعد الكامل، إلا أن تواريخ كل هذه الاحتمالات متقاربة من بعضها البعض .

تريم في عهد الإسلام

كان لتريم السبق في دخول الإسلام مثل كل مدن حضرموت التي وفدت قبائلها إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، واستمرت جزءا من الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين والأمويين، وفي سنة 129هـ حكمها الإباضيين ثم تعددت تبعيتها من الدولة الراشدية إلى السلطة اليمانية إلى أن أصبحت جزءا من الدولة آل كثير الأولى من سنة 800هـ إلى سنة 1130هـ، ثم دخلت في حكم يافع لتنتقل مرة أخرى وتصبح جزءاً من الدولة الكثيرية.

قصر دار السلام
قصر دار السلام
مساجدها

تتميز تريم بكثرة مساجدها التي تصل إلى 360 مسجدا، حيث تعتبر من أبرز سمات المدينة، وفيما يلي لمحات عن أقدم مساجد تريم :

- الوعل تاريخ بناؤه 43هـ، وقام ببنائه التابعي أحمد بن الصحابي عباد بن بشر.

- الجامع، بني ما بين ( 375 - 402هـ ) قام ببنائه الحسين بن سلامة ( أحد حكام اليمن ).

- القوم، بني في 500هـ قام ببنائه علي بن علوي الملقب بـ ( خالع قسم ).

- السقاف، قام ببنائه عبدالرحمن السقاف .

- المحضار، بني في 823هـ قام ببنائه عمر المحضار وقد بني منارته العلامة أبوبكر عبدالرحمن بن شهاب.

- العيدروس، قام ببنائه عبدالله بن أبوبكر العيدروس.

- الشيخ علي، بني في 913هـ قام ببنائه الشيخ علي بن أبي بكر.

- شجعنة بن راشد، بني في 551هـ قام ببنائه شجعنة بن راشد وجدده الشيخ رضوان بافضل سنة 918هـ .

- باجرش، جدده الشيخ عمر بامصباح سنة 910هـ .

- الزهرة، قام ببنائه عبدالرحمن بن عبدالله بلفقيه .

قصر التواهي
قصر التواهي
قصورها:

يمتد تاريخ القصور التي تحويها المدينة إلى أكثر من نصف قرن، وتعود ملكيتها لأثرياء المدينة، تتميز بطراز معماري رائع، وقد سمي بعضها بأسماء بلدان وعواصم، ومن هذه القصور ( الرياض - أسمرة - الطائف - القبة - دار السلام - المنيصورة - التواهي - خميران - عشة - حمطوط - باعشر - بن علي - باجرش - المدح - بخيته - سلمانة - البطيحة ... وغيرها).

ومن حصونها المشهورة (حصن الرناد) الذي بني قبل الإسلام بأربعمائة عام وتم تجديده في عهد سلاطين آل كثير.

المخطوطات

اهتمت كثير من الشخصيات العلمية في تريم بنسخ وإقتناء الكتب، أنشأت العديد من المكتبات الداخلية في البيوت، وضمت بعد ذلك كلها في جامعة هي مكتبة الأحقاف عام 1972م التي تحوي مايربو على 3132 مجلدا، ويوجد فيها حوالي خمسة آلاف مخطوط يدوي، وقد توزعت مكتبة الأحقاف أساسا على مكتبات الأفراد وعرفت بأسمائهم مثل مكتبة الحداد، وابن يحيى، وآل جنيد، وآل بن سهل، والحسن بن عبدالله الكاف.

العملات والنقود

عرفت تريم النقود المعدنية منذ الأزل حيث صكت للمدينة عدد من العملات منها ( خماسي بن سهل ) التي ضربها حسن بن سهل سنة 1258هـ، وعملة أخرى ضربها شيخ الكاف سنة 1315هـ .

الحركة العلمية

يعتبر رباط تريم الشهير الذي لقب بأزهر حضرموت، وافتتح سنة 1304هـ أحد أبرز المواقع العلمية ليس في تريم وحدها ولا حتى في حضرموت، بل في الوطن العربي والإسلامي، فقد جاء إليه الدارسون من مختلف أنحاء العالم ومثل أحد المداميك الأساسية في نشر الدعوة الإسلامية لكثير من بلدان العالم وعلى وجه الخصوص شرق افريقيا وجنوب شرق آسيا، ومن المواقع العلمية الأخرى التي تميزت بها هذه المدينة مركز الافتاء، ومدرسة ( قبة أبو مريم ) لتحفيظ القرآن الكريم، و( زاوية الشيخ سالم ) لتدريس علوم الفقه، ومدرسة ( الكاف)، ومدرسة (جمعيةالإخوةوالمعاونة)،و(المعهد الفقهي العلمي)، وتم مؤخرا تأسيس جامعة الأحقاف، ومعهد الحداد، ودار المصطفى للدراسات الاسلامية، ودار السقاف.

ممــا لاشك فيه أن دور تريم التنويري اشعّ بنوره منذ زمن طويــل، حيث وجد دور للصحافة وإن كانت محدودة نسبيا إلا أنها شكلت أحد الوسائل الفاعلة في عملية نشر التوعية والثقافة من هذه الصحف عكاظ، والاخاء، والحلبة، والبشير، وحضرموت .

تراث المدينة

تشتهر تريم بعدد من الأسواق القديمة منها سوق الحدادين، وسوق الخزف، وسوق الإثنين، والخميس، وسوق الذهب والفضة .

يمتاز أهالي تريم مثل معظم مناطق حضرموت بارتداء ( الصاروم ) هو اللباس الشعبي، وذلك تأثرا بهجرة الاجداد إلى بلدان شرق آسيا.

إضافة إلى ذلك فهم يرتدون القميص وهو ( جاكيت قصير) والطاقيات ( الكوافي )، أما الشيوخ فيلبسون القميص الطويل والعمامة ، وبالنسبة للالعاب الشعبية فهي متعددة منها الشبواني والرزيح والنشيد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى