الخريجون في أبين.. مصير مجهول .. وركض وراء مستقبل ضائع في زحام الواسطات

> «الأيام» الخضر عبدالله محمد

>
خريجون يبيعون الأسماك
خريجون يبيعون الأسماك
الخريجون الجامعيون في محافظة أبين يمر بهم قطار الأيام وهم في أماكنهم لايملون ولايكلون انتظاراً، يعتلون صهوة أحلامهم كل صباح، يتأهبون للركض وراء مستقبلهم الضائع في زحام الواسطات التي باتت فوق القانون.

مقيدين بصمت الضجر ليس سوى أملهم المرهون بتحقيق الوظيفة والخروج من سرداب المعاناة، فشريحة تبحث عن أيادٍ تأخذ بها قبل الوقوع في لجة اليأس والإحباط والفشل .. مئات الخريجين من حملة الشهادات الجامعية والثانوية في محافظة أبين كانت أحلامهم تزن الجبال رزانة، وفجأة أصبحت أحلامهم وآمالهم سراباً، فولدت لديهم الهموم والأحزان .. شباب وفتيات توزعت سنوات انتظارهم بين مطرقة الخدمة المدنية وسندان حق (ابن علون) .. فبعد أن كانت أحلامهم تزن الجبال من ضخامتها أضحت سراباً يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً .. «الأيام» وصلت إلى قلوب هؤلاء الشباب لتسلط الضوء على سرب من الخريجين الذين طال بهم الانتظار، وليعذرنا من لم نستطع أن نصل إليه.. فإليكم التفاصيل :

الخريجون منهم من نال حظه .. والبعض هاجر خارج أرضه .. ومنهم من قضى نحبه :

الخريجون من أبناء محافظة أبين بكافة مناطقها ومدنها منهم من نال حظه والذي وضعه بجهده وعرقه بعد أن بلغت نفسه حلقومها، وهناك من رحل بصمت إلى أرض المهجر، وآخر مات ببطء وانقضى نحبه، وهناك من يقتله التهميش والبعض الآخر ينتظر كلمة رثاء على حياته البائسة، وفريق يستدر عطفاً أمام أبواب الإدارات المختلفة التي لاتعرف في قاموسها مفردة العدل والإنصاف.

التقينا بعشرات الجامعيين الذين قدموا متأبطين مراسلات وشهادات التخرج وعلى محياهم براءة يحدوها الأمل ويجددها الطموح في وطن أحرق فيه الفاسدون الزهور وشمعة الأمل وقضوا على الحياة الكريمة .. ودمروا أحلام الجامعيين والعاطلين عن العمل وأصبح هؤلاء الخريجون يقتاتون آلامهم ويلوكون أحزانهم وعيونهم حسرات عليهم .

«سابقت الزمن ولم أيأس لكن صبري قد نفد»

صالح عبدالله محسن حبيبات (أبو حليمة) كلية التربية قسم كيمياء أحياء، يقول : «تخرجت في 1999-19998م فحاولت البحث عن وظيفة بعد التخرج مباشرة، سابقت الزمن ولم أيأس طوال فترة المتابعة، لكن صبري نفد في النهاية، فالوظيفة في بلادنا أصبحت حلماً صعب المنال، بل أصبحت عند جميع الخريجين ضرباً من الخيال»، ويضيف: «حاولت أن أجد وظيفة بكل الوسائل، لكن هناك وسيلة أخيرة لم أستطع استخدامها عندما طلبوا مني أن أدفع المال لأحصل على وظيفة، فقمت ببيع الغالي والنفيس، ولكن ذهبت فلوسي سدى دون رجعة .. لم أجد باباً إلا طرقته ولامسؤولاً إلا تشبثت به باحثاً عن حلمي المفقود، ولكن ذهبت أحلامي أدراج الرياح وهأنذا أنضم قهراً إلى قافلة المقهورين والمغلوبين على أمرهم فاضمحلت أحلامي وتطايرت آمالي».

خريج يبيع الكراث والبقل
خريج يبيع الكراث والبقل
«الوساطات هي من تقصم ظهر الخريج والسماسرة عاثوا في البلاد فساداً»

كما التقينا بالأخ سالم عبدالله أحمد لجدل، دبلوم فني تمريض، يقول : «تخرجت عام 2005م وأنا أبحث عن وظيفة، ولكن دون جدوى والسبب في ذلك أن الواسطات هي تقصم ظهر الخريج، والسماسرة عاثوا في البلاد فسادا، وأصبح هذا الخريج الذي لايملك واسطة في خبر كان»، وماحصل للأخ سالم عبدالله لجدل، صورة من صور التلاعب والسمسرة بالتوظيف، بل يستخدم القادمون من محافظات أخرى أسلوب قطع بطاقات الهوية من محافظة أبين كشهادة إثبات الأحقية.

«بسبب عدم التوظيف بعت البقل والكراث لأعول أسرتي»

أحمد شرفان تخرج عام 1998 يحمل شهادة الدبلوم العالي، تردد لتجديد قيد العمل مايقارب تسع سنوات من تخرجه تنهد تنهيدة، والعرق يتصبب من جبينه لقيامه ببيع البقوليات في السوق تحت حرارة الشمس المحرقة، يقول : «أنا خريج دبلوم عالي معلمين تخرجت عام 1998م ووظائفنا تذهب لغير مستحقيها عن طريق الواسطة، لقد مللت من إعادة تجديد قيد الخدمة المدنية وسئمت الحياة»، وسألناه : «لماذا أنت ساخط ويائس؟»، قال : «يأخي الوظيفة تحتاج إلى مال باهظ وأنا لاحول لي ولاقوة وأعيل أسرة ولا أستطيع توفير مثل هذا المبلغ من المال لشراء وظيفة». ويضيف أحمد شرفان بكل ثقة واعتزاز «سأبقى أبيع البقل والكراث والجرجير حتى يأتي دور التوظيف».

وهكذا وجد أحمد شرفان نفسه مضطراً للعمل ليوفر لقمة العيش ليسد بها رمقه ورمق أسرته .. هؤلاء هم أصحاب الشهادات محرومون ولم يجدوا طعم الإنسانية وراحة البال.. وسيظل الحديث عن التوظيف كمصيبة لها حيثيات كثيرة.

«اشتعل الرأس شيباً ومضى قطار الزواج وأنا منتظر فرج الوظيفة»

أنور علوي أحمد، تحدث وقد توزعت شعيرات شعر الشيب على أجزاء من شعر رأسه قائلاً : «تخصصي لغة إنجليزية وتخرجت منذ عدة سنوات وحتى اللحظة لازلت بدون وظيفة وبذلت كل غالي ورخيص، وقد بدأ الرأس يشتعل شيباً ومضى علينا قطار الزواج وأنا منتظر فرج الوظيفة»، وأضاف: «لقد كانت الأحلام تراودني في بناء منزل وزواج، لكن هاهي سنة تأتي وسنة تذهب من أعمارنا وأنا في حالة غريبة، وسأستمر على الآمال الخافتة فلاتوجد عندي الواسطة ولم تجد نفعاً ليالي السهر إبان دراستي الجامعية وسنظل ندعو الله أن يفرجها علينا».

«المتابعة شاقة خلف سراب الوظيفة»

صالح محمد العطاش، سقط شعر مقدمة الرأس.. وترك أحلامه كلها وآماله جانباً بعد عناء طويل من المتابعة الشاقة خلف سراب الوظيفة، لكنه رفع راية أخيرا مستسلما لموجات اليأس ذاهبا إلى مجال غير مجاله، بل ربما لم يفكر أن يدخله مرة واحدة في حياته.. يقول صالح العطاش: «كنت أحمل آمالاً عريضة وأحلاماً طائلة أمني بها نفسي بأنني سأحققها عقب التخرج مباشرة، ولكن كل هذه الأشياء ماتت وتبخرت على صخرة الانتظار، لم أصدق أنني لن أحصل على وظيفة، انتظرت تسع سنوات، لكنني لم أحصل على بصيص أمل في وظيفة في التربية كمدرس»، ويضيف : «دمغة من أجل الحصول على وظيفة في مرفق تقدر بأربعمائة ألف ريال، ولكن للأسف لم أحصل على وظيفة، بل ذهبت في مهب الريح ضريبة البحث عن وظيفة ولا أملك إلا أن أقول حسبي الله ونعم الوكيل».

خريج يرعى الأغنام
خريج يرعى الأغنام
«بيننا وبينهم الله ولاحول ولاقوة إلا بالله»

لا أخفيكم سراً فالركوض وراء سراب الوظيفة قد طال العبد لله - كاتب هذا التحقيق - فأنا خريج 2004 - 2005م بكالوريوس دراسات إسلامية كنت أحمل آمالاً عريضة وأمني نفسي، ولكن تلك الأمنيات تبددت ولأن الوظائف بعيدة المنال تذهب لعيال المسؤولين وأقربائهم.فقد تم توظيف أشخاص بدلاً عني من خارج المحافظة على حساب أبنائها الخريجين ويستخدمون طريقة قطع بطاقة الهوية على أنه (أبيني) أصل كي ينال الوظيفة، ولا أملك إلا أن أقول : بيننا وبينهم الله ولاحول ولاقوة إلا بالله

نهاية الحكايات المؤلمة

كثير هم المقهورون الذين تضيق بآلامهم سماء الوطن.. وحينها يشعر الإنسان بظلم مركب يهاجم جموع الخريجين، بعضهم يعمل حلاقاً وآخر (مباشر) في مطعم وعامل في ورشة، وجامعيو هذه المحافظة (أبين) يرعون الأغنام ويحملون البضائع والأحجار ويتسابقون على بيع الأسماك والخضروات والفواكه والبقوليات في الأسواق.

كثير من خريجي الثانوية العامة رفضوا التقدم إلى الجامعة لأنهم خائفون على مستقبلهم، فقد شاهدوا إخوانهم الخريجين والجامعيين السابقين يؤدون الخدمة في حمل البضائع والأحجار ورعي الأغنام والحلاقة في الصالونات وفي بساط الخضروات .. وهذا غيض من فيض والقائمة تطول .. فيا أيها الخريجون اعلموا أن أبواب الرزق كثيرة فلا تغفلوا عنها، فإن الله يرزق من يشاء بغير حساب .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى