غزة .. سيمفونية حزينة

> شمس الدين البكيلي:

> أقبل الليل كعادته، وهو يطوي في طياته ندبات الحزن والأسى واليأس والقنوط .. جاء وبين ذراعيه آلام وآهات وأنين، وصرخات تنبعث من أعماق جراحات القلب المفتون بحب الأرض المجروحة الجميلة الحبيبة غزة.

بكت السماء بحرقة، فذرفت دموعها الدافئة قطرات كحبات اللؤلؤ المكنون لتعانق في ظلام الليل الحالك حبات الندى المنسابة من مآقي الأرامل والثكالى، مواسية إياها لتشكل مع صرخات الأطفال وأنين الجرحى، وأزير الرصاص، وهدير الجنازير، سيمفونية حزينة اسمها (غزة).

وقبل أن تبدد خيوط الفجر ستار الليل في سماء المنكوبة فلسطين يبدد السكون صوت المؤذن للصلاة.. فتدب الحياة فيها من جديد.. وفي أزقتها وشوارعها تتسارع الخطوات، وتتعالى الكلمات لعدو يهدم البيوت والممتلكات ويقتلع الأشجار، ويشيد على أنقاضها المستوطنات.. والحصار يتلوه حصار آخر!.

وصراخ الصمت في الوطن الكبير يهوى في سكون.. وسكون صوته يغزو الأذنين!.

وحين يولد النهار بأشعة شمسه البهية تنسج دموع الأرامل والثكالى وصرخات الأطفال لوحة جميلة عنوانها (الحجارة).. والشهيد يتلوه شهيد آخر.

آه ما أتعس هذا الوطن الكبير!.. هذا الوطن الكامل الكبير الذي ما إن يرى ويسمع تلك الآهات والأنات في وطنه الصغير.. يسرع بالتنديد والشجب!.. وهو بذلك يزرع بديلا لألوان الورد أشواكاً لشعب سلاحه الحجارة.. وجعلوا على مر الزمن من قضيته تجارة!.

وما إن ترى القرص الذهبي يهرول نحو الغروب يجر من ورائه أحزمة من الخيوط الذهبية تاركاً خلفه ستاراً من الظلام الدامس يضم في أحشائه أجمل زهور الحياة، وبراعم (المستقبل)، تراهم وقد أغرورقت عيونهم بالدموع وهي تحدق مستجدية أطراف خيوط الشمس الذهبية المسافرة في رحلتها الأبدية.. مستجدية إياها أن تهم بالبقاء الأبدي الخالد، وهو الأمل الأخير في البقاء في هذه الحياة المغمورة بالصمت العربي الأبدي الرهيب المهين.

الأم تحتضن أولادها، وتضمهم برقة وحنان علها تخفيهم في أحشائها خوفاً عليهم من قساوة برد الشتاء القارس، ورصاص الأعداء، وقذائف الدبابات، وصواريخ الأباتشي والفانتوم.. والقمة العربية تحدد موعداً لقمة أخرى.

الأرض تهتز تحت أقدام الإرهابيين المحتلين، وكلما سقط شهيد ازادت الأرض ارتجاجا تحت جنازير دبابات العدو وآلياته، فتخضر الأرض، وكلما ارتوت الأرض من دماء شهداء الانتفاضة ازدادت الأرض اخضراراً، واكتست السهول والوديان بالمروج الرقيقة الناعمة المرصعة بأروع ما أبدع الخلاق من الورد والأزهار الجميلة الرائعة.

والروح في هذا الوطن الصغير تفنى بعدها روح.. والأمهات يصرخن وينحن.. وشموعهن مطفآت حرقة على شبابها المذبوح.. وقلوبهن كلها جروح.. وفلسطين قد احترقت كلها سماؤها وأرضها.. حقولها وطيرها.. وشبابها وأطفالها ورجالها ونساؤها يعدون من أنفسهم جيشاً سلاحه الحجارة في الأفق يلوح.. ليطردوا الغزاة وليزرعوا زهور الحياة من كل رائحة تفوح.. وسيجعلون فلسطين تعود إليها الروح.. وتجري فيها الجداول لتضمد الجروح .. وبعدها لن نراها تدمع .. لا.. ولن نسمعها تنوح.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى