تأثير الغذا ء على الدواء.. وتوافره الحيوي في الدم

> «الأيام» أستاذ.م. د.حسن بن حسن محمد :

> قبل الأكل أو بعده.. سؤال عادة ما يطرحه المريض على الصيدلاني كلما هم بصرف وصفة طبية أو شراء أي نوع من أنواع الأدوية، لكن المهم هو مدى معرفة المرضى بتداخل أنواع الأدوية مع أصناف الأغذية سلباً أم إيجاباً.

وحسب ما أكده عدد من الأكاديميين والصيادلة والأطباء والمرضى فإن نسبة كبيرة من المواطنين تجهل معرفة الآثار السلبية التي يتركها تفاعل بعض أنواع الأغذية مع الدواء مما يفقد الأخير فعاليته نهائياً أو يزيدها أو يقللها إلى أدنى حد. وقد يعرف البعض منا عن تعارض الأدوية مع بعضها البعض خاصة إذا كان المريض يتناول أكثر من دواء، ولكن هل جميعنا نعرف أن بعض عناصر الغذاء يمكن أن تؤثر بشكل سلبي على امتصاص الدواء فتقل فاعليته والبعض قد يؤثر على عملية إخراجه من الجسم فيزيد من آثاره الجانبية؟.

ماهو التوافر الحيوي للدواء؟

وهو ما يسمي باللغة الإنكليزية بـ bioavailsbility وهو يمثل النسبة التي وصلها الدواء فعلياً في بلازما الدم إلى الجرعة الفعلية التي أعطيت لها الشخص وعادة ما يعتبر التوافر الحيوي للجرعة التي تعطى عن طريق الوريد بنسبة 1، أما الجرعة التي تعطى عن طريق العضل فتعطى نسباً أقل من 1 (لأن اعتبارها 1 يعبر عن نسبة مثالية من الصعب الحصول عليها)، لكن هنالك حالات لا تحدث فيها هذه النسبة بسبب الأيض الذي يحصل أغلبه في الكبد أو في أعضاء الجسم الأخرى، أما عن طريق الفم فالنسب تتفاوت وحسب نوع الدواء وتمثيله وأيضاً داخل الجسم، لذلك كثيرا ما تقارن الجرعة بين جرعها وتوافرها الحيوي عن طريق الوريد (إن وجد - بسبب عدم إمكانية استخدام هذا الطريق لكل الأدوية) وعن طريق الفم أو الحقن العضلي أو طريق الشرج وغيرها.

فمثلاً البنسيلين ومستحضراته (أمبيسللين أو أموكسيللين) وكذا مشتقات الأيثرومايسيين يقل امتصاصهم بشكل واضح إذا أخذت مع الطعام فيما يؤدي تناول الثيوفيللين مع الطعام الدسم إلى زيادة امتصاصه وتركيزه واحتمال حدوث سمية ويكون الأطفال غالباً عرضة لمثل هذا التفاعل.

أسباب انخفاض التوافر الحيوي:

إن تناول المضاد الحيوي سيبروفلوكساسين مع المواد الغذائية المحتوية على الحديد يؤدي إلى انخفاض التوافر الحيوي للدواء بنسبة 52 بالمائة وأقول إن على مرضى القلب الذين يستخدمون دواء الديجوكسين يجب عليهم الحذر من تناول الألياف الغذائية والفواكه التي لها لب مثل التفاح والأجاص وكذلك الملينات، حيث إن جميع هذه المواد ترتبط مع هذا الدواء ومن ثم يقل امتصاصه وبين أن جميع الأدوية الخافضة للكولسترول مثل ستاتين يجب تناولها مع الطعام نظراً لزيادة امتصاصها وتوافرها الحيوي.

وفي دراسة إحصائية على المرضى الذين يأخذون مركبات التتراسيكلين أو مشتقاته وجد أن امتصاص هذه المركبات من الأمعاء يقل بنسبة 25 - 75% إذا ما تم تناولها مع أحد منتجات الألبان الآتية: الجبن - الزبدة - الحليب كامل الدسم أو حتى المنزوع الدسم وذلك أم كيتونات الكالسيوم الموجودة في منتجات الألبان تكون مع مركبات التتراسيكلين مركبات معقدة لايسهل امتصاصها فيقل تركيزها في الدم وبالتالي تقل فاعليتها كمضادات حيوية تستعمل في علاج حب الشباب - التهابات المسالك البولية والجهاز التنفسي.

وإن المرضى الذين يتناولون الأسبرين والوارفارين قد تتعارض مع امتصاص الوارفرين من الأمعاء وبالتالي يقل تركيزه في الدم وتقل فاعليته كعقار مميع للدم. يجب عليهم الإقلال ما أمكن من تناول الثوم والزنجبيل وكبد الدجاج وفيتامين/أي/إضافة إلى أن الأطعمة الغنية بفيتامين/ك/مثل الملوخية واللفت والسبانخ والبروكلي والحمص والشاي، لأنها تضاد مفعول الوارفارين والإسبيرين كمضادات تخثر. أما المرضى الذين يتعاملون مع مثبطات أحادي أمين أوكسيداز(يستعمل كمضادات للاكتئاب)، فيجب عليهم تجنب الأطعمة المحتوية على كمية عالية من الثيرامين مما قد يؤدي إلى زيادة في ضغط الدم، والأمثلة على هذه الأغذية كثيرة مثل الأجبان والألبان ومشتقاتها والأسماك وجميع المنتجات الغذائية المخمرة والأطعمة المحتوية على نسبة عالية من البروتين، حيث إن ذلك العقار والحمض الأميني تيرامين يعملان على رفع مستوى هرمونات معينة في الدم مسؤولة عن علاج تعكر المزاج والأعراض الأخرى المصاحبة للاكتئاب. زيادة مستوى هذه الهرمونات عن الحد المطلوب يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم - ارتفاع درجة الحرارة - زيادة في نبضات القلب والصداع، فلهؤلاء المرضى خياران إما الامتناع عن تناول منتجات الألبان في فترة العلاج بـ(مضاد للاكتئاب) أو استبدال ذلك العقار بآخر ليس له هذا التعارض مع أي من عناصر الغذاء، وبالنسبة للمرضى الذين يتعاطون أدوية خاصة بارتفاع ضغط الدم للقلب أو الشرايين فإن الغذاء عامة أيضاً يؤثر على امتصاص تلك الأدوية فمثلاً يزيد من امتصاص البروبونولول فيما ينقص من امتصاص الايتانولول والكابتوبريل ولذلك يجب الحرص على موعد تناولها لأن توافرها الحيوي مهم وحساس على صحة المريض واستجابته للدواء.

أما بالنسبة لمرضى هشاشة العظام والذين يتناولون أقراص فوساماكس ينصحون بعدم تناول عصير البرتقال أو القهوة أو الحليب مع الدواء، حيث إنها تقلل من امتصاص الدواء بنسبة 60 % ولذا ينصح هؤلاء المرضى بأخذ أقراص فوساماكس، قبل الطعام بساعتين على الأقل ومع كوب ماء فقط. في حين يفضل تناول أقراص الحديد مع أي نوع من العصائر الحمضية والتي تزيد من الامتصاص والتوافر الحيوي للحديد في الدم ولا يفضل تناولها مع وجبة غنية بالكالسيوم.

وأعتقد أن نسبة المواطنين الذين يدركون أهمية تفاعل الدواء مع الغذاء قليلة جداً، حيث أنه لابد من قيام ذي المسؤولية بدور التوعية وتثقيف المواطنين بشأن تفاعل الدواء مع الغذاء في هذا المجال.

حيث أشير هنا إلى دور الطبيب الذي يجب عليه تثقيف المريض وتوعيته بضرورة تناول الدواء قبل الأكل أو بعده قبل كتابته وأكد أن هناك أدوية تفقد نصف قيمتها عندما يتم تناولها مع الطعام بسبب تفاعل مكوناتها مع مكونات الدواء.

إن أدوية مدرات البول يجب أن تؤخذ على الريق لأن امتصاصها يجب أن يكون كاملاً ويطرح إلى الدم مباشرة مشيراً إلى أنه في حالة وجود طعام في المعدة فإن هذه الأدوية تفقد فعاليتها.. وبالنسبة لأدوية المعدة الخاصة بالقرحة تؤخذ حبة صباحاً على الريق وحبة أخرى قبل النوم من أجل أن يكون امتصاصها وفعاليتها إيجابياً.

التداخلات والخطورة

إن التداخلات الدوائية والتداخلات الدوائية الغذائية تعتبر من أبرز وأكثر المشكلات التي ترافق العلاج الدوائي إذ ينجم عن هذه التداخلات في بعض الحالات تأثيرات خطيرة قد تؤدي- لا سمح الله- بحياة المريض، وأضيف أنه رغم أن مسؤولية هذه المشكلات تقع حالياً على الطبيب الذي يحدد العلاج بجميع تفاصيله إلا أنه لابد أن يكون للصيدلاني دور فاعل في الحد من هذه التداخلات وتشخيصها لغرض اتخاذ القرار المناسب بشأنها، مشيراً إلى أهمية أن يكون لدى بقية الطاقم الطبي كالممرضين وغيرهم معلومات أساسية لفهم هذه التداخلات والمشاركة في التقليل منها. وأكد أن القيمة العلاجية لبعض الأدوية تتأثر عندما يتزامن تناولها مع تناول دواء آخر أو غذاء من قبل المريض وذلك نتيجة التداخلات (الدوائية- الدوائية) و(الدوائية- الغذائية) التي قد تكون من الناحية السريرية خطرة في حين أن البعض الآخر منها قد يكون أقل خطورة.

وأشير إلى أن التدخلات سواء كانت دوائية أو دوائية غذائية تؤدي إلى زيادة سمية الأدوية أو تقليل القيمة العلاجية ومع هذا فإن هذه التداخلات ليست كلها سيئة فالبعض منها يمكن استغلاله بشكل إيجابي في المعالجة الدوائية أو معالجة الجرعات الزائدة التي قد يتناولها المريض.

الأغذية المناسبة للمسكنات والمضادات الحيوية:

إن أهمية التزام المريض بتناول الدواء قبل أو بعد الأكل أن لهذا الموضوع أهمية كبرى في مدى فعالية الدواء وتأثيره على الجسم.. وأوضح أن أغلب المسكنات يجب أخذها بعد الأكل بسبب تأثيرها الضار على الجسم خاصة المعدة والمريء، مشيراً إلى أن أبرز هذه التأثيرات في أغلب الأحيان تكون الإصابة بالقرحة التي هي في الحقيقة أصعب وأعقد من تأثير المسكنات على الجسم.

وبين أن بعض الأدوية وخاصة المضادات الحيوية يجب أن تؤخذ على معدة فارغة لضمان تأثيرها على بعض أنواع البكتيريا مشيراً إلى أن هناك مضادات حيوية تؤخذ كل 8 ساعات ودون النظر لموضوع قبل الأكل أو بعده.. بينما هناك مضادات حيوية مثل ديكسا سايكلين أو تتراسايكلين يجب أن تؤخذ بعد الأكل بساعتين (فترة تفرغ المعدة)، حيث إن هناك بعض الأدوية يجب أن تؤخذ بعد الأكل مثل أدوية مهدئات الألم مثلاً(بروفنيد أو ديكلوفناك الصوديوم) ولكن تناول بعض الحلويات بجانب الأكل يزيد من امتصاص الدواء عن السرعة والكمية المطلوب امتصاصها خلال الوقت اللازم مما يؤدي إلى إرهاق وظائف الكبد بالأيض السريع للكمية الواصلة إلى الدم في غير وقتها.. وأخيراً لاننسى تأثير مضغ القات على التوافر الحيوي للدواء.

دكتوراه في تقنية الصيدلة

الصناعية والحيوية - جامعة عدن

e-mail:[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى