«الأيام» تنقل مشهد من قلب الصحراء .. مواطنون بعسيلان يرحلون بأسرهم ومواشيهم إلى الصحاري لإحياء روح البداوة

> «الأيام» زبين عائض عطية:

>
من مختلف قرى ومناطق مديرية عسيلان بمحافظة شبوة غادرت أعداد كبيرة من الأسر والعائلات منازلها واصطحبت مواشيها من الإبل والأغنام واتجهت نحو بطون الصحاري الخالية للإقامة المؤقتة فيها لغرض الرعي والنزهة، حيث نصبت الخيام وأقامت الحضائر(الأحواش) حولها في مشهد يجدد ماضٍ عريق لحياة الإنسان البدائية وعلاقته بالصحراء ويعكس صورة لروعة الطبيعة وحلاوة العيش في البداوة.

فقد جاء خروج عشرات الأسر بما فيهم الأغنياء والفقراء خلال الأسابيع الماضية الصحاري بعد أن أصبحت واحة خضراء تكسوها النباتات والأعشاب وما تجود بها الأرض من الخيرات جعلت من مناظرها متعة للإنسان ومن غصونها وثمارها مآكل ومتاع للحيوان.

وعلى الرغم من برودة الجو وقساوة العيش وسط الصحراء لانعدام الخدمات كالاتصالات والكهرباء فإن أفراد تلك الأسر يشعرون بالسعادة والابتهاج، كيف لا وهم يستمتعون بجمال الطبيعة الأخاذ ويحيون موروث اعتاد عليه آباؤهم وأجدادهم ويجددون روح البداوة ويتذوقون نكهات النقاء والصفاء بعيداً عن طقوس الرفاهية بمستوياتها المختلفة، وثمة فوائد وعائدات نفسية واقتصادية تجنيها هذه الأسر بحسب تأكيد الشاب سالم صالح وقزان أحد المهاجرين إلى الصحراء لهذا الغرض والذي التقيناه بجانب خيمته برمله المفيجر

وتحدث لـ«الأيام» بقوله: «نحن سعيدون بخروجنا إلى الصحراء المفروشة بالزهر والخزاما وجميع ما تزخر بها رمالها من أنواع المراعي وقد غادرنا منازلنا وجئنا هنا لغرض الرعي لكي تنعم مواشينا من الأغنام والإبل وكذا للاستمتاع بما منّ الله به علينا من خيرات بعد سنوات طويلة من الجفاف والقحط، فقد هطلت الأمطار على كافة الرمال والصحاري المحيطة بنا، وأروت عطشها وأكستها حلة خضراء تزرع في نفس الناظر لها البهجة والسرور، لكونه أجمل مما يغرسه الإنسان بصنع يديه، إنه من صنع الباري عزوجل وضعه على أرضه ووضع أجمل الرياض».

ويؤكد سالم وقزان أن هناك جدوى اقتصادية وفوائد صحية فضلاً عن تجديد موروث الآباء والأجداد إذ قال «هنالك فائدة ملموسة من الواقع فلقد لوحظ أن مصابي ارتفاع الضغط وداء السكر استفادوا من الخروج إلى الصحراء، حيث استقرت حالاتهم الصحية وكأنهم في ذروة شبابهم وكأن أحدهم لم يعان من هذه الأمراض، كما أن خروجنا إلى هنا يجدد عادة ورثها الأجداد لنا ولكن انقطاع الأمطار لعقود من الزمن وانجرار الأبناء والحفدة وراء معطيات الحداثة كادت تندثر، أما بالنسبة للجدوى الاقتصادية للرعي يقول وقزان إن «لها مردودات اقتصادية كبيرة جداً على أرباب المواشي، حيث إن الأهالي في الفترات السابقة وفي ظل انعدام المراعي يلجأون إلى شراء الأعلاف والحبوب لإطعام مواشيهم فإذا كانت الأسرة الواحدة تشتري في كل أسبوع بمبلغ عشر آلاف ريال، وأن في المديرية مئات الأسر تنفق الكثير من رؤوس الأموال خلال الأسبوع والشهر والعام، فإن هذه النعمة التي من بها الله عليها وفرت كثيراً من الأموال والعناء والتعب والجهد واستقرت بها النفوس بالشعور بأن مواشيهم تأكل يومياً بدون أن يحدد لها الكمية أو المقدار من الإطعام وأتاحت الأرض لأصحاب الآبار الزراعية لزراعة الحبوب والخضار والفواكه بدلاً عن الأعلاف ربما أن يكون هناك عائد آخر يتمثل في انخفاض سعر الأغنام في السوق السوداء».

وعن البرنامج اليومي للرعاة في الصحراء يحكي الأخ سالم صالح بأنه عند وصولهم إلى الصحراء تنصب كل أسرة مخيمها على بعد كيلو عن الأخرى وتضع بجانبها أحواش للماشية «فمع شروق شمس كل صباح نطلق أغنامنا ونتركها ترعى بذاتها دون عصا راعي وتعود في المساء إلى أحواشها، أما بالنسبة لأصحابها يصحون في الصباح الباكر مع هبوب نسائمه الجميلة يستنشقون هواءه النقي ويطلقون أبصارهم لمتابعة سير مواشيهم لحمايتها من الحيوانات المفترسة إلى أن يأتي وقت الضحى، حيث تقوم النساء بإعداد وجبة الصبوح (الفطور) والتي يتم طباختها على الحطب من خلال وضع عجين دقيق البر على الجمر على شكل قرص وبعد دقائق يخرج خبز جاهز يسمى (مجمّر) ويتم فته على لبن يحلب من بعض الأغنام وتحويله إلى حقين(حامض الطعم) وبعدئذ يتناوله أفراد الأسرة بشراهة للذة طعمه، أما وجبة الغداء فهي تختلف بعض الشيء، حيث يتم فت الخبز على مرق اللحم ويتناوله الجميع ويعقبه اللحم المطهي والمشوي، وجبة العشاء يؤكل خبز (الميفا) مع لبن الماعز أو السمن الطبيعي وبعد عودة الماشية إلى زرايبها الأحواش وتناول العشاء تتزاور الأسر، حيث تبدأ السمرة للرعاة ويتبادلون الأحاديث الودية القصص داخل الخيام باستخدام إنارة الفوانيس وهكذا إلى أن يأتي وقت النوم».

رداً على استفسار «الأيام» حول كيف يواجهون حالة الطقس البارد هذه الأيام في هذه الأماكن المفتوحة يقول سالم وقزان: «حبنا وفرحتنا بما من الله علينا تعطينا دفعة معنوية على تجاوز مثل هذه العوامل وبحيث كل الأسر تمتلك الخيام والبطانيات التي تقيهم شدة البرد، أما في المساء أثناء السمرة فإنه يتم إيقاد النار للتدفؤ بحرارتها»،

ويضيف: «من ناحية الماء فيتم جلبه من مناطقنا يوضع في براميل وخزانات متنقلة وأكثر ما يستهلكه الإنسان أما المواشي فهي نادراً ماتستهلكه في ظل المراعي الخضراء» وعن الفترة الزمنية قال:

«تبقى هذه الأسر في الشتاء لفترة طويلة تتراوح ما بين 8-6 شهور وخصوصاً في الشتاء الذي يساعد على أن تبقى المراعي خضراء».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى