دروس غزة

> د. هشام محسن السقاف:

> كتب الأستاذ الكبير أحمد بهاء الدين ضمن رؤاه الفكرية التي من خلالها يستشرف مستقبل هذه الأمة، أنه قد تتوالى الفصول وتتعدد الوقفات الوقتية في الصراع العربي الإسرائيلي.

ولكن نهاية «طبيعية» لا سياسية فحسب، لن تكون إلا بوجود مجتمع يهودي، مهما كان الاسم السياسي الذي سوف يحمله، يعيش تحت ظل وارف من وجود مجتمع عربي واسع كاليم، له قيمه الحضارية والإنسانية التي تتسع لهذا الوجود وأمثاله في البحر العربي الفسيح (المثقفون والسلطة، كتاب «العربي» 1999م، ص 85).

ويستطرد الكاتب الكبير مفسرا الطرح السابق، بمعنى آخر مجتمع يهودي يرضى عنه العرب، بل ويكونون هم حفاظا عليه.. وليس «قوة كبرى محلية»، روابطها وشخصيتها أجنبية تماما، تمارس دور الإرهاب والفرض والاقتناص من هذا العالم العربي الفسيح (ص 86).

ويستشهد بهاء الدين بالمعطيات الحضارية للأمة العربية التي يمتزج أحسن مافي ماضيها بأحسن مايمكن أن تحققه في حاضرها ومستقبلها، قبل أن يعرج على الشهادة من التاريخ بما قدمه العرب المسلمون لليهود من أعمال خيرة وضعتهم في سلم المساواة الإنسانية التي يكفلها لهم ولأمثالهم الدين الإسلامي الحنيف، في وقت كانت معاناتهم تبلغ الحلقوم نتاج الجور والاضطهاد وحتى الإحراق والتنصير في جزيرة إيبيريا (أسبانيا والبرتغال) تحديدا.

لم يشهد رجل الفكر المستقبلي أحمد بهاء الدين - رحمه الله - الفصول المؤلمة من عدوانية الكيان الصهيوني طوال سنوات العربدة الإسرائيلية في السنوات العشرين الماضية، التي هي أسلوب أصيل في الفكر الصهيوني يعتمده هذا الكيان الغريب لفرض إسرائيل حجر الزاوية في تشكيل الجغرافيا السياسية كما حلم بها شمعون بيريز في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) مطلع التسعينيات، إذا لم تعط صفقات «السلام» المزعوم أكلها المرجوة لصالح الصهاينة المدعومين من الغرب والمستفيدين من حالات الشتات العربي والتمزق الذي يضرب بأطنابه في كيانات الحكم المختلفة من جهة وقطيعتها مع شعوبها من جهة أخرى.

وتكون غزة العنوان الأبرز في صراع الوجود مع الصهاينة في الستين عاما الماضية، حيث تأتي النتائج بما لا تشتهي آلة الدمار ولا الساسة المجرمون المطلوبون للعدالة الدولية، فقد عززت هذه الحرب إرادة المقاومة الشعبية في فلسطين والوطن العربي ككل، ورغم الدمار والأشلاء من الأطفال والنساء والشيوخ واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا، والإتيان على كل ما بناه الإنسان الفلسطيني في غزة من بيوت ومدارس ومساجد ومستشفيات ومقرات الأونرو (وهي هيئة دولية) فكانت الاستماتة على البقاء فوق التراب الفلسطيني وعدم النزوح مجددا خارج الأرض المباركة - كما حدث في فترات ماضية - وانتصار سلاح المقاومة الفلسطينية المتواضع المسنود بالإرادة الفولاذية التي تحدت الطائرات الحربية والدبابات الرهيبة من التوغل في القطاع، فاكتفى النازيون الجدد بقتل المواطنين الأبرياء العزل وتحطيم وتدمير البنى التحتية.

إن الدروس من ملحمة غزة يجب أن تنطلق من حقيقة أن آلة الدمار الصهيونية التي يراد لها تاريخيا أن تكون فزاعة للشعوب العربية قد سقطت تماما تحت ضربات المقاومة وصمود أطفال ونساء وشيوخ وشباب غزة رغم المجزرة الرهيبة، وإن الإفراغ الممنهج لإرادة المقاومة والسير بخطى المهزومين في ركب الصهاينة قد فشل تماما - أيضا - فلسطينيا وعلى مستوى الشعوب العربية وشعوب العالم، ومما يطالبنا أن نعزز من روح المقاومة والتضامن العربي ومواصلة النضال لتغيير البنى السياسية الحاكمة القامعة لشعوبها في المدى الجغرافي العربي بين الماء والماء، لتعود للمواطن العربي كرامته وحريته المسلوبة داخليا لينطلق غير مكبل في معركته المصيرية مع الصهاينة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى