وضع اللادولة ودور بلادنا المرغوب والمطلوب

> عبدالله أحمد الحوتري:

> إن جهل السلطة أو تجاهلها الخصائص البالغة الأهمية لموقع عدن ومينائها وبحرها المفتوح جعلها- أي السلطة- تتعامل مع هذه الجوهرة تعامل الفحّام معها، وليسمح لي السيد عبدالرحمن الجفري استخدام هذه المفردة التي أطلقها منذ مدة.

تلك الأهمية التي أدركها غيرنا وجهلها أو تجاهلها حكامنا، الأمر الذي بسببه ظل شعبنا يتيه في بلاد الله الواسعة ليجد هناك ما حرم منه في بلاده التي يزداد أعداد المتسولين فيها عاما بعد عام.

لقد خلق الله بلادنا في منتصف الطريق بين الشرق المستهلك والغرب الصناعي، وفي نقطة هي أقرب إلى خط الملاحة الدولي بالمقارنة مع أي مكان آخر في منطقة وسط العالم، هذه الأهمية التي أدركها قادة الإمبراطوريات القديمة وقاموا بمحاولات احتلالها مرات عديدة كان آخرها الاحتلال البريطاني عام 1839م.. واليوم وفي عصر الحرب الاقتصادية والسوق المفتوحة تزداد أهمية بلادنا على المستوى الإقليمي والدولي، ونرى مؤشرات تدل على قرب موعد المطلوب من بلادنا تجاه مصالح الغير من دون أن نرى مؤشرات للمرغوب فيه من قبل شعبنا وبلادنا.. فهل تدرك السلطة أهمية تهيئة الأمر للتوافق بين المرغوب تحقيقه لشعبنا وبلادنا من رخاء ونماء وعزة، وبين المطلوب إقليميا ودوليا من دور لبلادنا تجاه مصالح الغير المرتبطة بهذه النقطة من العالم؟!

إن ميناء عدن يمثل ركيزة أساسية وإحدى النعم التي وهبها الله لسكان هذه المنطقة، فهو ميناء طبيعي بعمق يستوعب أكبر سفن هذا العصر، وتحميه سلسلة جبلية خلقها الله وكأنها لحماية هذا الميناء من كل الرياح والعواصف.. ومن دخل ميناء عدن كان آمنا على نفسه وسفينته.

هذا الميناء لا يبعد عن خط الملاحة الدولية أكثر من ثلاثة أميال بحرية، الأمر الذي يجعله أفضل وسيط بين المنتج والمستهلك على مستوى العالم كله، حيث تقل كلفة النقل على المنتج المورد، وبالتالي تقل كلفة بيع المواد على المستهلك.. كما أن ميناء عدن هو الأفضل للعب دور إعادة تصدير البضائع بين الشرق والغرب ومن وإلى القارة الأفريقية والبلاد المجاورة بالمقارنة مع موانئ المنطقة والموانئ الأفريقية ذاتها من حيث قلة كلفة النقل المضافة على قيمة البضائع.. إلى جانب كل هذا فإن موقع بلادنا على البحر المفتوح يمثل أهمية أخرى لمستقبل تجارة النفط وضمان وصوله للمستهلك في الغرب والشرق أيضا بعيدا عن المضايق المائية المهددة بالإغلاق، الأمر الذي يتعذر معه وصول هذه السلعة بالغة الأهمية للصناعات في الشرق والغرب.

أهمية إضافية أخرى هي مدرسة تريم الدينية التي تميزت من بين المدارس الدينية العديدة في العالم الإسلامي بالتسامح والتعايش مع مختلف الأديان والمعتقدات والأعراق، واستطاعت أن تنقل الإسلام إلى مختلف أصقاع الأرض من دون أن تسفك قطرة دم واحدة، ومن دون التعدي على لغة السكان ومعتقداتهم وغيرها، بل تعايشت مع الجميع حيثما حل دعاتها في أرجاء المعمورة ومنها أفريقيا وجنوب شرق آسيا.

هذه المدرسة تزداد أهميتها في هذا الظرف أكثر من أي وقت مضى، حيث بدأ أفول قادة الحرب الصليبية الجديدة التي قادها آل بوش وأنصارهم على العالم الإسلامي، وقد بدأت مؤشرات الولوج إلى عصر جديد من التسامح والتصالح على المستوى العالمي قاطبة، بعد أن أدرك العالم أن القوة التي بلغها واستخدمها لتحقيق مصالحه لا يستطيع بها استمرار حماية تلك المصالح، ومن ثم قرر مغادرة مربع القوة والاستقواء إلى مربع التفاهم والتعايش مع الآخر إلا من أبى.. وبدأ علماء المسيحية يقدمون الاعتذار للمسلمين عن ما ألحقوه بهم في الحروب الصليبية القديمة والجديدة.. وعلى المستوى المحلي نحن من هتف للوحدة وجعلها جزءا من أنشودة السلام الوطني يردد في صباح كل يوم في مختلف المواقع وفي مدارس الأجيال المتعاقبة، نحن من أحب الأرض والإنسان اليمني، لكننا نشاهد ونتعايش مع إجراءات وأفعال تشرف عليها السلطة كأنها تخرب مابني.

ولتعلم السلطة القائمة حاليا (بحق أو باطل) أن كل هذه الخصائص المطلوبة إقليميا ودوليا هي موجودة في محافظات الجنوب كلها، وإذا استوعبنا متغيرات هذا العصر علينا أن نسد الثغرة المتممة للدور المرغوب والمطلوب، وهي ضرورة تجاوز ثقافة الصراع والإقصاء والتهميش فيما بيننا كقوى سياسية واجتماعية والانتقال إلى التعايش وقبول الآخر عن طريق الحوار، ولكن ليس بالطريقة اليمنية الجارية. من دون تجنٍ يمكن أن نسمي وضعنا الحالي بوضع اللادولة إلا في حالة من يقع بيد أجهزتها، أما أن تسري سلطاتها وقوانينها على القوي قبل الضعيف وساكن المدينة والريف فهذا أمر غير وارد.. ويبدو أن الدولة تكرس ذلك وتعتبره أحد ضمانات بقائها.

لقد بدأ الوقت ينفد أمام السلطة القائمة، فالتغيرات السريعة والمتسارعة تستلزم مجاراتها باتخاذ الإجراءات المطلوبة للمواءمة مع تلك المتغيرات والاستفادة منها.. وفي مقدمة ما هو مطلوب إقامة دولة لا مركزية نافذة قوانينها على الأقوياء قبل الضعفاء بقوة العدل وخروج القضاء من تحت عباءة السلطة التنفيذية، والعمل على جعل الوحدة قابلة للاستمرار قائمة على المواطنة السوية (مفردة حزب رابطة أبناء اليمن)، لكن يبدو أن تحقيق المرغوب والمطلوب في ظل العقلية التي تسير عليها السلطة القائمة هو أمر مستحيل.

وإن لم تستوعب قيادة البلاد المتغيرات العاصفة بالمنطقة فلن ينتظر القطار، وعلينا نحن أصحاب تلك الخصائص أن نكون جاهزين لما بعده.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى