نظرة في حفل التنصيب الرائع لأوباما وخطاب أمريكا الجديد

> د.هشام محسن السقاف:

> الحرية مفهوم واسع غريزي، بمعنى أن الانسان يولد حرا من بطن أمه، وقبل أن يتأصل مداها (الحرية) قانونا في الدولة القومية الجديدة في أوروبا بوميض الثورة الفرنسية الوهاج الآتي من جذوة أفكار التنويريين العظام أمثال روسو وفوليتر ومونتسكيو.

قبل ذلك كان الإسلام قد وطد المعاني العظيمة لحرية الإنسان وكرامته والتساوي في المواطنة، وأن لا فضل في التقرب إلى الله لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى.

لكننا نفهم من طبائع الأشياء أن ما حدث في أوروبا- حتى قبل قيام الثورة الفرنسية العظمى- أن عصر النهضة الأوروبي لم يكن سوى مجموعة من الحركات الثقافية والفكرية والعملية استغرقت ردحا من الزمن، متزامن ذلك مع التطور الصناعي الكبير والانتقال التاريخي من الإقطاعية إلى البرجوازية الصناعية.. ويبقى، بل هو يستوقف المرء ازدواجية مفاهيم الحرية والديمقراطية التي أخذت شكلها الأخلاقي والقانوني الرائع بعد مخاضات ومخاضات في المجتمعات الأوروبية بدرجات متفاوتة، والنظرة الأخرى (القاصرة) تجاه الإنسان الآخر، غير الأبيض بطبيعة الحال إلى الجنوب من القارة العجوز، والبزوغ الطاغي لمرحلة الاستعمار التي شملت آسيا وأفريقيا ولم يسلم منها العالم الجديد (أمريكا).

ومن ذاك نستشف أن حروب التحرير من هيمنة الاستعمار كانت تقوم على رفض ازدواجية المعايير والتوق إلى الحرية، وأن الشعوب ليست (قاصرا) بحاجة لإعادة تأهيله وتربيته من أقوام وأمم حملتهم إليه السفن والأساطيل. وفي هذا السياق لم تكن الثورة الأمريكية إلا رصاصة من رصاصات الحرية ضد المستعمرين، فظهرت دولة فتية توافقية عمادها البنائي الديمقراطية والليبرالية، التي أثبت الزمن أنها الصيغة المثلى لإتلاف شتات من الأثنيات والقوميات والأمم التي شكلت الولايات المتحدة بولاياتها الخمسين كدولة حديثة تنهض رويدا رويدا من وراء البحار (المظلمة) لتحتل مكان الصدارة الأولى في العالم بعد الحرب العالمية الثانية.

إن رصاصة الحرية التي انطلقت قبل قرنين تقريبا في أمريكا هي الآن- بعد الحرب العالمية- رصاصة لقتل حريات وتطلعات شعوب عديدة لعل أبرز علاماتها على الإطلاق دعم أمريكا لدولة غاصبة في منطقتنا العربية هي (إسرائيل) التي تقتل وتقتلع شعبا من أرضه لتقيم دولتها العدوانية.

وعندما تابعت مراسيم تنصيب الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة باراك حسين أوباما - أول رئيس أمريكي من أصول أفريقية يدخل البيت الأبيض بواشنطن- أخذ بألبابي ضخامة وفخامة حفل التنصيب، التنظيم الدقيق والتقليد الرائع بحضور ومشاركة الرؤساء السابقين للولايات المتحدة ممن هم على قيد الحياة؛ جيمي كارتر وجورج بوش (الأب) وبيل كلنتون وطابور من المسؤولين الكبار ممن أداروا البيت الأبيض ولم ينحصر تأثير سياساتهم على الولايات الخمسين والمواطنين فيها، بل يتعداه بسلطة الاقتصاد والمال والقوة العسكرية إلى أصقاع المعمورة المختلفة.

ولأنني واحد من هذه الأمة العربية المترامية الأطراف بين ماء الأطلسي وماء الخليج فإن اللحظة الأمريكية الساحرة مثالية وأكثر من رائعة، بعد أن عجزت الدولة العربية الحديثة أن تخطو خطوة نحو البناء الديمقراطي الحقيقي الذي يجعل من الثوابت الليبرالية في الحكم مجالا للاحتفاء به ضمن تقاليد راسخة بدلا من سيل الانقلابات وأرتال الدبابات وآلاف الشعارات الممجوجة التي تمجد زعيم اللحظة وتنهال على الزعيم المباد بالسباب والشتم بعد أن ساوته بالتراب.

إنها الدولة العظمى التي أضرت بنا كثيرا ولم تلتفت إلى الحق العربي البين والواضح، لأسباب تتعلق بمصالحها المتمثلة في وجود جيب استعماري عدواني عالي الكفاءة والقوة في محيط العرب، ولتأثيرات اللوبي الصهيوني المؤثر بكفاءة أيضا داخل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بينما يربض آسنا المال والإنسان العربي والمسلم في أمريكا، كعاكس لا يكذب أهله وامتداد لحالات سياسية عربية مزرية في الأوطان الناطقة بالضاد.

وبالاعتماد على التوقعات وباستقرار الحالة الأمريكية المبنية على التغيير فإن دخول ذي الأصول الأفريقية إلى بيت الحكم الأبيض في واشنطن قد يحمل إرهاصات معينة سيرا نحو التغيير، بعد أن أضرت سياسات المحافظين الجدد بسمعة أمريكا في العالم.

وبالإمعان في خطاب التنصيب الذي ارتجله الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما بمفرداته الدالة على نقد سلفه وسياساته ورسم أفق أمريكي آخر تطْلع من ثناياه شخصية أمريكية أخرى لا تذكر العراقي ولا الأفغاني ولا الفلسطيني بـ (الكابوي) المدجج بالسلاح. فإن معاني الخطاب- الأخرى- وهي تنقد النظم الفاسدة والديكتاتوريات الظالمة لن تكون بردا وسلاما على كثير من حكام العرب والعالم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى