خواطر.. وأحاديث

> فاروق:

> مازال الشرق الاوسط مسرحاً للقلق والاضطراب والمتناقضات مادامت المصالح الاجنبية، قديمها وحديثها، تحاول ان تتجاهل عمق القومية العربية ووحدة الحركة الوطنية لدى شعوبه، ومادام بعض ارباب هذه المصالح يعمد الى التدخل السافر اومن وراء الستار في شئون بعض بلدان الاقاليم تحقيقاً لاهدافه.

ويزيد من هذا القلق والاضطراب انقسام الدول الغربية على نفسها، قسم يؤيد التدخل ويدعم هذه المصالح والقسم الثاني يقف طوداً شامخاً امام هذه المصالح ويعمل على تضييق الخناق امامها.

والامر لا يحتاج الى توضيح ان اردنا ان نعرف شيئاً عن القسم الاول من هذه الدول.. إذ سنجد انه يشمل الرجعيين من ذوي المصالح الذين اقترنت مصالحهم بالمصالح الاجنبية، ومن الملوك الذين يخشون على عروشهم، فوجدوا ان بقاء هذه المصالح الاجنبية هو بقاء للعروش.

وحين يذوب هؤلاء الرجعيون في بوتقة العروبة المتين وتذوب آمال هؤلاء الملوك في طوفان الشعب الجارف ويتخلص الشرق من امثال هؤلاء الانتهازيين، ستنجلي السماء من سحبها الملبدة، ويمر النسيم عليلاً يلفح الاجساد، مبشراً بعهد جديد وسيعرف الشرق معنى الهدوء فيغني الطير لحن الخلاص ولحن الاستقرار.

وفي سماء الشرق بشرى. .

واي بشرى !!..

بشرى تنذر بزوال الرجعيين واصحاب المصالح الاحتكارية، وبشرى تنذر بسقوط العروش ونهاية الانتهازيين.

وبشرى تحمل في طياتها أسمى معاني الانطلاق.. اسمى معاني الحرية.. اسمى معاني السلام.

المرأة والتطور

كان النقاش يدور في مطعم (البحر الازرق) بيني وبين(بريجيت) وهي المانية الاصل استوطنت عدن وعاشت فيها سنين.. وموضوع النقاش هو المرأة العدنية والتطور وقد قالت لي (بريجيت) هذه يوماً:

«سيدي يسرني ان اقول اني لمست ان المرأة العدنية على استعداد للتطور ونتيجة للظروف والمراحل التي صادفتها نراها اليوم بدأت تتجه اتجاهاً جديداً نحو التقدم، فهي الان تعني ان يكون لها غرفة استقبال،وغرفة نوم، وغيره..».

والمرأة العدنية بجانب ما امتازت به من التطور السريع ولبس ثوب الزفاف في عرسها الا انها لازالت متمسكة بتغطية نفسها بتلك الحلي الذهبية التي لا ارى داعياً للبسها».

وتوقفت صاحبتي قليلاً لترشف من كأس الليمون الذي امامها ثم اجترت نفساً عميقاً من سيجارتها لتسلهمها الافكار ونظرت الي ملياً واستطردت:

«سيدي ، اعذرني ان قلت أن المرأة العدنية في تطورها انما تسير مقلدة للغرب.. فالمرأة المتطورة هي تلك التي تستطيع ان تشارك مشاركة فعالة في بناء هذا المجتمع الصغير».

«سأكرر عذري مرة اخرى- ياسيدي على قولي الصدق..ولكن لا تحزن فلنأخذ هذا كبداية.. بداية الطريق الى التطور، فنساء اوربا لم يعرفن التطور والتقدم الا بعد سنين ولن يصل هذا التطور والتقدم الى الشرق كله الا بعد سنين!».

مشكلة

حين يخلو الانسان الى نفسه كثيراً ما تساوره الافكار، ويترتب نوع هذه الافكار حسب طريقة تفكير الشخص واتجاهه، فان كانت هناك نزعة شريرة في نفسيته، فان تفكيره حتماً سيكون تفكيراً شريراً.. وان كانت هناك نزعة حسنة، فان تفكيره حتماً سيكون حسناً.

وايا كان الامر، فإني شخصياً حين خلوت الى نفسي في مساء الثلاثاء الماضي طفقت أنقب في مخيلتي عما هو جدير بالتفكير ولم أجد شيئاً أقوم جدارة من مشكلة صديق.

صديق تعرفت عليه حديثاً فأعجبت به كل الاعجاب ، لدماثة اخلاقه، وحلو حديثه وثاقب فكره.

جاءني هذا الصديق يوماً، يبكي يبكي بمرارة، ولم اشأ ان اعكر عليه جوه، اذ كثيرا ما يستشعر الانسان حاجته الى البكاء لينفس عن نفسه في بعض الأحايين..

وحين استنزف خالد- وهو اسمه - كل ما عنده من الدموع سألته السبب فأجاب:

«اني ابكي حظي . . ابكي آمالي . . ابكي خروجي من المدرسة، أي مخلوق تحت السماء قدر له هذا المصير ، لا يبكي؟».

قلت متأثراً:

«في أي صف انت الآن؟!».

قال:

«في الصف السادس ولم يبق لي على نيل شهادة الثقافة العامة سوى اشهر وبعدها انضم الى الجامعة».

قلت:

«هذا جور . . ان تترك المدرسة في هذه المرحلة.. ولكن خبرني بربك ما الاسباب المؤدية لخروجك، ان كانت هناك اسباب؟».

فقال صاحبي:

«لا يخفي عليك ان معظم الطلاب عندنا قضى على مستقبلهم آباؤهم بحجة عدم امكانهم سداد نفقتهم لمواصلة الدراسة ونتيجه لمثل هذه الحالات ينقطع معظم الشباب عن اتمام دراساتهم عند ادق المراحل الدراسية . . للعمل ككتبة.

والسبب الذي تمنطق به والدي هو نفس السبب الذي كان فيه تحطيم مستقبل معظم شبابنا . . هو عدم قدرته على تسديد نفقاته الدراسية والمعيشية».

وتوقف خالد فجأة لتنهمر الدموع مدراراً على خديه، ولم اكن ادري ان صاحبي قد اختزن لنفسه شيئاً من الدموع لتكون عونه على سرد هذه المشكلة.. وحين وجد في نفسه قدراً من قوة الكلام استطرد:

«أجل !. . ان الامر لعريب ، والاكثر غرابة هو : تحمل والدي جميع المسؤليات حتى هذه المرحله ثم ينؤ بي تاركاً لي تحديد مستقبلي المجهول تحت تأثير ضغطه، ولكني لا اعرف ما اقول . . أأطيح بجميع آمالي ومستقبلي ؟ حقاً اني حائر . . حائر».

وربت على ظهر صديقي اواسيه وقلت:

-«اتطلب مني المشورة؟ّ!».

- قال:

- «نعم».

قلت بكل هدوء مبتسماً :

- «اذن ارفض . . ارفض باصرار ان تتخلى عن دراستك فعدن ليست بحاجة الى كتبة ولكنها بحاجة الى شباب متعلم مثقف، وتحت اصرارك وعنادك سوف يصيخ الوالد لرغبتك ويحقق لك ماتريد».

العدد(9) في 19 / اغسطس/ 1958م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى