في ذكرى ميلاده الـ 570 .. الإمام عبد الهادي السودي نبوغ في علم الحديث وإجازة من مكة للتدريس

> عبدالقادر بن عبدالله المحضار:

> الحمدلله رب العالمين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فإن ذكريات رجولة الرجل لتمتد ماثلة للعيان، وتبقى آثارها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وتنشر راياتها لتملأ البقاع وتغطي الأصقاع، ويدون القلم تاريخ ومناقب أولئك الذين خدموا الإسلام ونشروا تعاليمه السمحة بالحكمة والموعظة الحسنة أمثال الإمام الشهير عبدالهادي السودي الذي سنذكر بعضاً من سيرته من خلال المحاور الآتية:

أولاً: نسبه:

هو أحد أعلام القرن العاشر الهجري، الداعي إلى الله على بصيرة الإمام الذي قام في محراب الطاعة والعبادة والعالم العامل الشيخ عبدالهادي محمد بن على بن أحمد بن إبراهيم بن محمد، أما سر تسميته بـ(عبدالهادي) فهو من باب التفاؤل الحسن وتيمناً بالهداية، حيث بشر به كبار شيوخه وتفرسوا فيه أن يهدي الله على يديه الجم الغفير من الناس وبفضل الله وتوفيقه تحقق ذلك، فصار من كبار الدعاة إلى الله في عصره وانتفع به من الأمة بشر كثير وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

ثانياً: ميلاده:

ولد- رحمه الله- في مدينة صنعاء سنة 860هـ ونشأ فيها وتربى في محيط أسرة محبة للعلم وأهله، وهي من أشهر وأعرق البيوتات اليمنية التي ظهر فيها العلماء والصلحاء وتعرف بـ(بني سود) ولهذه الأسرة أعلام بارزون، ذكرهم المؤرخون، ليست هذه الأسطر محل ذكرهم رحمهم الله، وقد توفي والده وهو صغير فقام أعمامه بالعناية به والاهتمام بأمره.

ثالثاً: رحلاته وذكر بعض شيوخه:

بحمد الله وتوفيقه تعلم القرآن وختمه على والده، وبعد وفاة والده عزم المترجم له على السفر طلباً للعلم، فتوجه إلى (حرض) وفيها تتلمذ على الإمام يحيى بن أبي بكر العامري، وكان زميله في طلب العلم الشيخ أبوالعباس الطنبداوي متوجهاً إلى مكة، ودرس فيها على الشيخ ابن أبي كثير.

ونبغ في علم الحديث وأجازه علماء مكة بالتصدر للتدريس ثم انتقل إلى المدينة وفيها أخذ عن علماء المسجد النبوي أمثال أبي عبدالله النيسابوري والسيد علي بن محمد السمهودي وغيرهما.

ولما عزم على العودة إلى اليمن مر في طريقه على منطقة صعدة وفيها مكث مدة، أخذ عنه جملة كبيرة من طلاب العلم.

ثم واصل السير إلى صنعاء وفيها التقى العلامة السيد قاسم الولي واستفاد كل منهما من الآخر، وأثناء وجود صاحب الترجمة بصنعاء أخذ عنه الكثير من أهلها أمثال الفقيه حسن بن غانم بن علي المنعم والعلامة محمد بن علي السراجي الشهير بـ(الوشلي) وغيرهما، ولما غادر صنعاء متوجهاً نحو تعز مر في طريقه على الكثير من القرى اليمنية، وكلما مر بمنطقة طلب منه أهالي تلك المناطق الإقامة عندهم حتى استقر به المقام بتعز، وفيها أتى إليه طلبة العلم من جميع المناطق القريبة والبعيدة وأخذ عنه الجم الغفير من أبناء اليمن وغيره.

وكانت تربطه علاقة محبة وطيدة بكثير من العلماء أمثال الإمام أبي بكر بن عبدالله العيدروس والعلامة الشهير الحسين بن صديق الأهدل - دفين عدن - الذي امتدحه الإمام السودي بقصيدة موجودة في أحد ديواني أشعاره.

رابعاً: صفاته وأخلاقه ووفاته:

لقد كان- رحمه الله- حسن الأخلاق، لين الجانب، مع تواضع ونكران ذات رغم شهرته في العالم الإسلامي، متفانياً في خدمة الناس، ولاسيما طلاب العلم، فجذب الله قلوب الناس نحوه، فالتقوا حوله على اختلاف طبقاتهم وصاروا يستشيرونه في أمورهم، ولما سكن تعز وعلم به الناس جاء إليه طلاب العلم وكانوا في البداية قد وصل عددهم نحو(313) طالباً و بعد فترة قصيرة بلغ العدد إلى أكثر من أربعمائة، وقد ظهر نجمه وعلا صيته خارج اليمن مثل الشام والمغرب والعراق وبلاد الحرمين وغيرها.

وكانت وفاته مع شروق شمس يوم الأربعاء تاريخ السادس من شهر صفر الخير سنة 932هـ ودفن بمكان ملاصقً لمسجده المبارك، حيث قام السلطان عبدالملك بن محمد الطاهري ببناء قبة على ضريحه بقيت حتى سنة 1013هـ

خامساً- ذكر بعض تلاميذه ومؤلفاته:

ترك- رحمة الله عليه- تلاميذ كثر نذكر بعضهم على سبيل المثال لا الحصر فمنهم: الفقيه عبدالرحمن الرفيدي، روى لنا الكثير من مناقب شيخه الإمام السودي، وكان ملازماً له دائم القرب منه وهو الذي أرسله شيخه السودي إلى الإمام الشهير أبي بكر العيدروس صاحب عدن، والشيخ محمد الجمالي الذي تربى منذ صغره عند المترجم له، والفقيه الصالح الوصابي نقيب الفقراء، والشيخ محمد بن محمد الجمالي الحداي حادي السماع في الزاوية، والفقيه محمد الدملوي الذي سافر إلى مكة وصار أحد كبار الشيوخ بالبلد الحرام بعلم القراءات، والفقيه حسن بن غانم الذي نصبه في زاوية أبي الرجاء بصنعاء والفقيه العلامة عبدالرحمن بن حسين بن صديق الأهدل وغيرهم الكثير الطيب ممن لا يتسع المجال لذكرهم رحمهم الله.

أما آثاره: فمنها مدرسة التقوية المجاورة لمسجده المبارك، ومن مؤلفاته وهي: كتاب (الرسالة في محبة أهل بيت الرسالة) و(بلبل الأفراح) و(نسيمات السحر) وهما ديوانا أشعاره و(مكاتباته) و(مواعظه)، حيث قام بعض تلاميذه بجمعها وترتيبها وكلها طبعت ولله الحمد.

الخاتمة:

نسأل الله حسنها بعد طول العمر في طاعته ورضاه، وفي الختام نرجو أن يعذرنا القارئ الكريم إذا لم نوفِ بحق هذا الإمام الكبير الذي كان مثالاً للسلف الصالح في علمه وعمله وخلقه، ومن كان هذا حاله فليس في حاجة إلى أن نقوم بالترجمة له أو الحديث عنه أو التعريف به، تغمده الله بالرحمة والرضوان وجمعنا به في الفردوس الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولجميع المسلمين.. اللهم آمين.

* باحث بمركز الإبداع الثقافي بعدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى