إلى الشباب مُلاك راية المستقبل!

> علي هيثم الغريب:

> في أجواء الانتكاسات وخيبة الأمل المتلاحقه التي أحيطت بالمحافظات الجنوبية بسبب حرب 94م التي تواصلت بالسلب والنهب لكل شيء سواءً أكان نباتا أو حيوانا أو إنسانا وبسبب سياسة الحكومة الناشطة لترويج خيار العنف والقمع.

في مثل هذه الأجواء يبرز حدثان مهمان يشعان في ليل الجنوب، ويلعبان دوراً كبيراً في إعادة الثقة للنفوس وفي إشعار الناس أن بإمكانهم أن يجدوا الطريق للخلاص من نير الظلم أو على الأقل لمنع الظالمين من تحقيق أهدافهم في تحويل الأراضي إلى أملاك خاصة لهم ولقبائلهم، وفي القضاء على مشروع الوحدة الذي ضحى من أجله الجنوبيون وتشويه مطالبنا ونضالنا السلمي، وهما التصالح والتسامح والاحتجاجات السلمية الرافضة للعنف، والتكوينات الأولى للنضال السلمي (الكتابات الصحفية الأولى, منتدى عدن الوطني الديمقراطي، اللجان الشعبية، مسيرات حضرموت الكبرى، والمواجهات في الضالع، جرحى مودية تضامناً مع إخوانهم في حضرموت والضالع، تجمع أبناء الجنوب في السلطة، جمعيات المتقاعدين العسكريين والمدنيين، جمعيات الشباب والطلاب، الأعمال الإبداعية التي تكشف مكنونات الجنوب وأبنائه في مجال الشعر والغناء والفكر).

إن هذه السلسلة الطويلة من الرفض الشعبي تكشف بشكل عملي وملموس أن المجتمع يرفض إغراقه في مستنقعات الفقر والمرض والجهل. إن التصالح والتسامح والاحتجاجات السلمية معاً يضعان القضية الجنوبية أمام الرأي العام، ويكشفان مدى قساوة ناهبي أملاكنا، ومدى إفراطهم في أعمال القتل والاعتقالات المستمرة التي يقومون بها ضد كل من يدعو لذلك وضد الشباب خاصة. إن عشرات القتلى ومئات الجرحى التي تزداد باستمرار وعند كل فعالية سلمية هي حصيلة أعمال القمع الحكومية. رغم النداءات الداخلية والخارجية من خلال المنظمات الإنسانية وحقوق الإنسان التي تطالب الحكومة والمجالس المحلية في محافظات الجنوب بالكف عن هذه الأعمال، إلا أن الحكومة مستمرة في نهجها، وهي تهدد أكثر فأكثر. وإن الأعمال الصحفية التي بدأت النضال بالكلمة، والتي فرضت نفسها على النطاق اليمني, مثل كتابات الدكتور أبوبكر السقاف والدكتور محمد على السقاف وفاروق ناصر علي وأحمد عمر بن فريد ونجيب يابلي والدكتور هشام السقاف وغيرهم، نالوا مكانة خاصة في قلوب الجنوبيين وتقديراً عالمياً ليس فقط في مجال الكتابات السياسية الراقية وإنما في مختلف مجالات العمل الوطني.. وهم لا يعملون لكشف مظالم السلطة وتنوير الناس لقضاياهم فقط، ولكنهم مع ذلك يعملون ويقودون ويسهمون في النضال السلمي، وفي إغناء قضيتنا الجنوبية بالمعرفة والفكر والأهداف، ويحققون نوعاً من التفاعل مع هذه القضية الحقوقية والسياسية بصورتها الحقيقية.

إن المقالات التي كتبها الدكتور أبوبكر السقاف والآخرون ودفعنا جميعاً ضريبة ذلك الضرب المبرح والاختطافات والسجون والمحاكمات في عدن وصنعاء، تعكس تمسكنا بالقضية الجنوبية ورفضنا للعبودية والاضطهاد واحتلال الأراضي.

إن رفض أخذ أرضنا وتشويه شواطئنا ودفنها بالخرسانات وطردنا من وظائفنا الذي تعكسه مسيرة التصالح والتسامح والاحتجاجات السلمية وروح التضحية بالذات, هي كلها تعبير عن إرادة الشعب في تأكيد ذاته وفرض احترامه، وتأكيد حقه بوطنه، وفي الوصول إلى حياة حرة سعيدة ونظام يؤمن لأبناء الجنوب الأمن والديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي واحترام الرأي الآخر والمواطنة المتساوية وتداول السلطة، على أن تصبح الثروة ثروة الشعب ومن أجل بناء جيل سليم ومتعلم يدرس في أكبر جامعات العالم من حقه وثروته، وأن يمنع تخطيط الأرض أو توزيعها, لأنها للأجيال القادمة.. وتوفير ظروف تساعد الشباب على حب العلم والخلق والإبداع.

إن المجتمع الذي يتمتع فيه الشباب- على اختلاف فئاتهم وشرائحهم ومواقفهم السياسية- بالعلم والمعرفة من دون تمييز، وبالاستفاده من ثرواته من أجل بناء مستقبلهم والقضاء على البطالة.. هو المجتمع الذي يتحقق فيه الأمان والاستقرار والذي ينطلق فيه العقل المتحرك من الأمية والمرض والفقر.. ولكن أين هو هذا المجتمع اليوم؟ فرضت علينا التبعية، ونهب حقنا، وتقاسموا ثرواتنا، وبنوا بأراضينا أرقى فلل المعمورة، وتملكوا مزارعنا، وجهّلوا أبناءنا وأصابتهم الآفات والأمراض, وهم ينامون فوق أغنى ثروات الجزيرة العربية. والحكومة تعرف جيداً الدوافع التي جاءت بالشباب إلى ساحات النضال السلمي، وإلى المهرجانات التي تغطي الجنوب كله، وتعرف أن أهدافهم هي تلك التي حملناها منذ اليوم الأول بعد الحرب على الجنوب. وأكدت لنا شجاعة هؤلاء الشباب وبصيرتهم قوة ما كنا نؤمن به من مبادئ وأهداف، وعززت من اعتقادنا بأنهم يمثلون الأمل الأكبر في توحيد حركة النضال السلمي الجنوبي.. لأنهم رفضوا أن يتعرف عليهم العالم من خلال «بطولات الإنترنت» بل من ساحات الحرية والهاشمي.. ورفضوا مثل أوائل المناضلين الأحرار أن يدخلوا في «الصحافة الإلكترونية» للاستعراض والترويج للذاتية، وإنما اختاروها لتوضيح قضيتهم العادلة واحترام وتقدير رجالها, وأنصح هؤلاء الشباب الأبطال أنهم حين يكتبون أو يشاركون في ساحات النضال السلمي أو في تكوين هيئة موحدة ألا يكونوا إلا كباراً في الفهم لأنكم ستصادفون المتطفلين والمتصنعين وقاطفي ثمار النضال، فالمناضل العملاق نيلسون مانديلا رفض قيادة حزبه عدة مرات ولكن تحت ضغط شعبه ترأس بلاده لفترة واحدة ثم سلمها للشرفاء من بعده، وقال كلمته المشهورة: «إنني ناضلت من أجل حرية شعبي وليس من أجل قطف ثماره«..«وأكون بذلك قد أديت الأمانة لأهلها وحان الوقت لكي أعود إلى أسرتي الصغيرة بعد فراق دام ستين عاماً».. وأنتم أيها الشباب يتوجب عليكم أن تحترموا وتقدروا رموزكم الأوائل ولكن لا تحملوا فوق سواعدكم إلا قضيتكم الغالية, وأن تبحثوا عن الحلول الضرورية من دون تعصب في مواجهة القضايا الجديدة، بل والجديدة في كل شيء، ثقافة، وأخلاقاً وإصداراً.. وأن تتعلموا الصبر وتتغيروا نحو الأفضل فإن صورة من نهب أرضكم حتماً ستأخذ في الزوال.. وعليكم أن لا تحكموا إلا بعد فهم ودراية وإذا تجادلتم فيما بينكم فأجروه بطريقة حضارية وانطلاقاً من تعاليم ديننا فيه.. وما أكدته البشرية من حقوق ... آخذين في الاعتبار دائماً أننا شركاء في الوطن وشركاء في النضال، فالحوار له ثقافة علينا استيعابها، ولكن يجب أن يكون حوارنا دائماً كيف نعيد كياننا.. إن حواركم أيها الشباب يجب أن توجهوه للقضاء على التفرقة والتبجيل، وأن تختفي من قاموسكم صورة العدو الوهمي التي خلقت في الماضي , ويفترض ذلك احترام رأي الآخر في النقاشات العملية، وارفضوا تبادل الإهانات والإدانة والتخوين، ولا تتحدثوا بما لا تعلمون به، لأن العمل هو الذي يكشف الشخص وليس القول ولا يجوز أن تطالبوا شركاءكم في القضية بما لستم مستعدين له أنتم.. وعليكم من الآن وفي هذه المرحلة النضالية أن تبنوا ثقافة جديدة مسالمة لتبياناتكم، فلا خوف أبداً من الاختلاف ولكن الخوف هو من ثقافة الإقصاء.. إن الحوار الناجح الذي يسجل بالتاريخ هو الحوار الذي يقوم بعملية الائتلاف بين العقل والعاطفة والواقع.. واليوم كما تعلمون بدأ الحريصون على مواصلة مسيرة النضال السلمي بمحاولة تشكيل قيادة موحدة له, ويرتدي هذا أهمية تأريخية دون شك ولكن علينا أن نضع وثائقنا بصورة مشتركة, وهذا ما يجري اليوم ويتطلب التعاون بين الجميع بصرف النظر عن الآراء التي ستطرح، فهناك تطابق واسع في وجهات النظر، وعلينا ألا نترك الأوائل الذين يعرفهم الشعب.. والذين رفضوا أن تغتال الكرامة في هذا التراب الجنوبي (ومازلت أتذكر سحل الأستاذ الجامعي الدكتور سعودي علي والمناضل الصادق عامر الصوري قبل عشرة أعوام، من قبل الأمن في أبين) ورفضوا أن تختفي بؤرة الضوء عن الجنوب.. وقدموا حياتهم لذلك ورفضوا أن تقطع جذور الحرية في هذا الوطن العظيم ..وفسحت للقضية الجنوبية النقية أن تنطلق من آلامهم وهم وراء القضبان أو في ساحات القضاء.. لقد أسسوا معجزة جديدة من النضال السلمي وسط السجون ولهب الجراح. وتأصلت في هذا الطريق أخلاق نقية وعلاقات راقية ومواقف صادقة. ورفض الأوائل التباهي بما قدموه واعتبروه واجباً وطنياً. وعليكم اليوم أيها الشباب أن تمثلوا تلك الروح النضالية وتلك البدايات الشائكة والتضحيات، وأن توضحوا قضاياكم العادلة عبر «الصحافة الإلكترونية» ولكن لا تدخلوا في كنف تلك الموجة من السب والشتم أو الكلام غير الأخلاقي الذي يقزم العملاق ويعملق القزم.. وبالفعل إن مهام المناضل الصادق في سبيل حرية وطنه, ومن أجل تحرير ذاته هي مهام شائكة تتطلب روحاً من نوع خاص. ومن هنا عليكم أن تبنوا نموذجاً أخلاقياً جديداً للإنسان الجنوبي بوصفه ثمرة التعاليم الإسلامية والتأريخ والنشاط العملي اليومي.. التي تم تشويهها وخرقها بعد حرب 94م .. تلك الحرب التي فرضت التقسيم, بأن يكون الجنوب الغني هو الفقير حتى يسهل على النظام زرع الفتنة بينهم وتحويلهم إلى عبد يقتل عبداً وإلى قبائل تتناحر فيما بينها. إن رفض هذه الحياة أصبح اليوم حقيقة ثابتة والحياد هنا غير ممكن.. لقد أصبح الفقر في الجنوب ظاهرة جماعية والشباب هم أكبر ضحاياه وأصبح النعيم الذي يعيشه الشمال الفقير مرتبطاً بما نهب وينهب من حقوقنا.. وبديهي أن ذلك كله يترك أثراً عميقاً في روح وجسد كل جنوبي.. والسلطة هي الأخرى تقول إن جميع حقوقنا منصوص عليها في الدستور والقوانين الأخرى. ونقول لها أين المادة الدستورية أو القانونية التي تنص على حرية أجهزة الدولة بإطلاق الرصاص على مواطنين جنوبيين خرجوا للتصالح والتسامح أو للاعتصامات وفق المادة (19) من قانون تنظيم المظاهرات والمسيرات؟!..أين النص الدستوري الذي يخول عصابات الفيد بنهب أرضنا ومزارعنا وشواطئنا وثرواتنا وأملاك دولتنا السابقة ووظائفنا؟! أين الآليات القانونية الملموسة التي تدافع عن حقوقنا؟ فهل يستطيع الإنسان الجنوبي أن يعبر عن رأيه من خلال الاعتصامات والاحتجاجات الجماعية السلمية وهي التي أجازها الدستور والقانون؟ أما حقوق الشباب فحدث ولا حرج, ولكن رغم ذلك فالشباب هم الربان الجديد الذي سيقود السفينة إلى بر الأمان؟! لماذا؟ لأنه لا يوجد بينهم فروق متباينة؟ ولأن المطلب الذي لايمكن تجاوزه هو مطلبهم؟ ولأن ملاحقتهم بالرصاص هي بالضرورة متنافية مع الوحدة. ولأنه ستفهم السلطة أنه لايوجد إلا قانون شرعي واحد هو: ترك أرض الجنوب للجنوبيين، وأنه لاتوجد إلا جريمة واحدة: هي جريمة الفيد، وأنه لاتوجد إلا ملكية واحدة لم يجزها لا شرع الله ولا القانون وهي: تمويل أملاكنا إلى أملاك آخرين بالقوة والعنف. والوحدة التي يعشقها كل من هو يمني لا يمكن أن تبنى بواسطة هذه الرذائل الثلاث، التي جعلت الجنوب رهينة والوحدة السجين الأول. وهذا هو الشعور العام ولهذا قلنا إن الشباب هم ربان السفينة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى