أنت مع من؟!

> عبدالقوي الأشول:

> فاجأني أحدهم بدعوة غريبة فيها من العفوية الزائدة وسوء الفهم قائلا: تعال معنا لتنضم إلى المعارضة، فلم أجد إزاء دعوته هذه من بد إلا الضحك ليس سخرية منه ولكن لطبيعة فهمه للأشياء.

إلا أن دعوة كهذه ولّدت في ذاتي قدرا من الرثاء لطبيعة الوعي الاجتماعي في بلادنا عند السلطة والمعارضة.

فكلا الجانبين يبتعد تماما عن الواقعية والعقلانية في التعاطي مع الوضع المأزوم.

فقد أكون منضما إلى السلطة بمفهومها بمجرد أن تكون لي علاقة برموزها، وقد أكون مع المعارضة أيضا بمجرد أن أعبر بصورة مخالفة في كتاباتي عن طبيعة الأوضاع المحيطة، بمعنى أدق لا توجد منطقة (رمادية) في مفهوم السلطة والمعارضة تضع نفسك فيها، في حين يخالف بعضهم ما كانت لديه من قناعات قبل أن تتصدق عليه السلطة أو ترتب وضعه.. حتى ولو كان مثل هؤلاء في السابق في قلب المعارضة لا يجدون بدا من تغيير قناعاتهم حسب مقتضى الحاجة والمصلحة، وهكذا الحال حين تعرض عين الرضا عن بعض من كانت لهم امتيازات ومواقع نجدهم حاضرين في قلب المعارضة، والمسألة لا تعني سوى الابتزاز أو حسب قول المثل: مصائب قوم عند قوم فوائد.

أما كيف يمكن أن تذهب إلى مقيل قات وتجد نفسك مع السلطة أو المعارضة، فهذا ما لا أفهمه في واقعنا المغاير في أبجديات كثيرة للمفاهيم الطبيعية والأحوال السوية عند البشر.

وبداخلي لا أجد نفسي مع أحد من مفهوم كهذا، ولا أحبذ أن يكون التعبير المعارض مختزلا بهذا المفهوم القاصر والمؤسف.. كما لا أود أن أجد نفسي متخطيا رؤية الواقع المزري بكل ما فيه من ظلم وتجاوز للحقوق، بما فيه من بؤس وفقر وبطالة وغياب أساسيات الحياة الطبيعية من حياة الناس، وأكون مع ذلك متخطيا قناعاتي إلى حال أتغنى فيها بمنجزات السلطة التي لا تكون إلا برفع الضيم عن هؤلاء الموجوعين من السواد الأعم.

وقد لا أكون هذا أو ذاك.. إلا أني في نهاية المطاف صحفي يعبر عن قناعاته بغض النظر أن أكون مسجلا في سجل قائمة السلطة أو المعارضة، لأن غاية الكتابة والمهنة وأخلاقياتها تقتضي الوقوف أو المراوحة عند هذه المساحة التي لا تجد نفسك فيها متنازلا ومتخطيا قناعاتك.

مع معرفتي بأسماء كثيرة من صحفيين تحققت لهم أحلام الامتيازات والمنافع .. بعد أن اختاروا لأنفسهم طريقا أقصر إلى الغنى.. متخلين عن أدبيات وأخلاقيات المهنة، مبررين لأنفسهم ما لا يمكن تبريره عدا أنه سقوط في غمار ذاتية مفرطة.

ومما سلف تبدو المساحات شاسعة، بل إن هوة سحيقة تفصلنا كمجتمع يمني يئن تحت وطأة معاناة لا حدود لها.. عن أحلام الغد، فالأفق ملبد بمثل هذه المسارات التي لا خيار بينها أي أن تكون مع السلطة حتى العظم أو المعارضة حتى النخاع.. عندئذ تحسب من نسيج المواطنة بشقيها، إما الوطني أو اللاوطني.. أن تكون صاحب رأي هذا لا يكفي عند الجانبين أن تحمل رسالتك الصحفية مؤشرات تشير إلى جوانب عديدة تقتضي الإصلاح، فمعنى الأمر أن لديك طرف عمالة مختلفة في أجندتها عن ما ينشده الجانبان في معادلة سلطة ومعارضة، ليس في مارثون أي منها آفاق محددة، وهنا تكمن مأساة الوطن والخوف مما ستأتي به الأيام.. وتحت هذه الرمضاء هناك للأسف ملايين الجياع والمعوزين والتائهين تحت سماء وطن لا يوفر لهم مقومات حياة بشرية حتى بحدودها الدنيا.. فهل يكون المرء على ضلالة إذا ما تأثر بهؤلاء الباحثين عن فرصة عمل، والأبناء الخريجين ممن استبد بهم العناء، وطال انتظارهم لفرصة عمل .. لكل هذه التجمعات البشرية في مدن تخلو من أية أنشطة اقتصادية فاعلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى