بين (أنا) و(نحن) الجامعة

> د.هشام محسن السقــاف:

> التوطئة: العمل النقابي مؤشر لا يكذب أهله بصوابية التوجه الديمقراطي الليبرالي, لأن الليبرالية بمفهومها العالمي ونزعتها الإنسانية التحررية Liberalisme مناهضة للنزعة الاستبدادية Autoritatisme.

سواء كانت هذه النزعة تعبيرا عن الميول الاشتراكية أو الأفكار المحافظة اليمينية منها والقومية, أو تكريسا لتقاليد الحكم الفردي بجميع أشكاله (د. ناصر الدين سعيدوني, العربي، يناير 2009، ص 17). لكن ثمة مايقلق حقا, أن يكون المسعى, أي مسعى من الدولة أو تحت غطاء آخر لجهات ثانية, يريد بالعمل النقابي السير عكس بوصلة العصر, يفرغ أو يجر العمل النقابي في غير مقاصده, ويلبسه لبوس الطاعة, ليكون شكلا جميلا من أشكال الديكور, أو قل طاووسا جميلا منفوش الريش في حديقة عامة.

وإذا كانت الحقوق تنتزع ضمن مفهوم النضال السلمي الديمقراطي, أو تؤخد بصيغة توافقية حوارية متى ما اكتسب أرباب العمل- أو من هم في مصافهم- وعيا بشرعية العمل النقابي, فإن ذلك لايعني إلا شيئا واحدا: التوازن الكيفي بين الحقوق والواجبات, واتكاء الدولة كمنظومة قانونية على شرعية منظمات المجتمع المدني المستقلة والنقابات بطبيعة الحال كإحدى ركائز مقومات نهوضها العصري.

الصور الأولى:

عندما قال دانييل درو مقولته الشهيرة كان يعي مايقول:

إن على كل من يبيع ما ليس له

أن يشتري السلعة من جديد

أو فليمض إلى السجن...

لذلك مضى حقوقيون وناشطون سياسيون ومناهضون للتطبيع إلى القضاء المصري (النزيه) رافعين دعوى ضد بيع الحكومة الغاز المصري لإسرائيل, وانتصر القضاء المصري لنفسه أولا كمؤسسة عدلية عريقة, وللدعوى المرفوعة ضدا على الحكومة. وفي حادثة أخرى ينتصر القضاء لعدالة منع رجال الأمن من انتهاك حرمة الجامعة المصرية في الدعوى الشهيرة التي رفعها للقضاء أكاديميون وأساتذة وحقوقيون وطلبة, وأناط بالجامعات تشكيل فرق ضبطية مدنية من منتسبيها للحفاظ على الأمن الداخلي في الحرم الجامعي.

الصورة الثانية:

تستطيع نقابة هيئة التدريس بجامعة صنعاء أن تعمل الكثير, وقد عملت في السنوات الماضية من دون أن تغمط أخواتها في الجامعات الحكومية ولكن بنسب متفاوتة, وعندما كان الاتجاه أمنيا لعرقلة نشاط النقابة بتواطؤ رئاسة الجامعة تمضي النقابة إلى ماهو أكثر من فتح قاعة (جمال عبدالناصر) سيرا إلى استقلالية كيانها, وإلى تأصيل الحق الدستوري والقانوني في العمل النقابي من دون وصاية من أحد.. دولة أو أحزاب لتثبت أحقيتنا الآدمية في بناء المؤسسات المدنية من دون سقوف خرسانية إلا السماء الوطنية (سقف الجميع) انطلاقا من المسؤولية الذاتية وحدها ومن دون التفات إلى هبوط البعض إلى سلم الرقي إلى الأسفل مهما كانت مغريات العمل في الملحقيات في الخارج كما حدث لأحد أساطينها قبل سنوات أو على عتبات المؤتمر النقابي في عدن مؤخرا.

الصورة الثالثة:

تستطيع الإدارة الواعية انطلاقا من مسؤولياتها الإدارية والعلمية وغير بعيدة عن مسؤولياتها الأخرى إنجاح مؤتمر نقابة هيئة التدريس في جامعة عدن بشفافية وروح تعي أهمية العمل النقابي المسؤول بعد فشل أولي لعقد المؤتمر, ولما يخدم العملية الأكاديمية برمتها من دون تبرم أو ضيق, وتسعى مع الهيئات الجديدة المنتخبة لأن ترسم أفقا من العمل المشترك من خلال الثقة المتبادلة. وربما يعود السبب إلى ديناميكية الطرف الأول في المعادلة ورؤيته الواضحة التي لا تشوبها الأحكام المسبقة والتخوف من الآتي مادامت المقاصد والنوايا طيبة لدى الطرفين, ولأن الطرف الثاني: وجوه نقابية جديدة متحمسة لخدمة منتسبي النقابة وعدم الوقوف أو الركون على آليات لم تعد بقادرة على تحقيق مصفوفة المطالب, بل تتجاوزها ضمن نطاق الحق المتاح لها من دون التفريط بكل ما يصب في قنوات تعاونها المشترك مع الطرف الأول والأطراف الأخرى مادام يحقق المطالب المشروعة.

الصورة الرابعة:

كان التململ واضحا منذ البدء من سلطة التعالي والاتكاء على وهم (أنا الجامعة) - شمشون ومن خلفي الطوفان. بينما الأصالة العلمية والأكاديمية والتقاليد المهنية الراسخة لجموع المنتسبين لجامعة حضرموت ونقابتها الفتية تفتح فتحا جميلا من الصبر حتى لا تجد في الأخير من وسيلة أنجع من استخدام الوسائل الشرعية القانونية الحضارية, بينما تسقط نرجسية التقاطع مع زملاء المهنة النبيلة وهي تتوشح بالتروس العلمية والشهادات العالية في خانة الإمساك بهراوات الأمن (داخل حضرموت وجامعتها ياللهول!) الذين أثبتوا أنهم في حل من قمع هامات علمية وأكاديمية هي (الجامعة حقا) بينما الأمر الصادر من (موظف في الجامعة بدرجة رئيس لها) يضع صاحبه في مستوى أدنى من رجل أمن عادي يعي ماهي الجامعة ودورها التنويري والإنساني.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى