> محمد حسين الدباء:

وبينَّا أن كل ذلك لا يكون اعتباطا وإنما ليحمل دلالة الفعل عندما يكون بهذه الصورة أو تلك.. واليوم - بتوفيق من الله - نتمم ما بدأناه.
(تتبدَّل - تبدَّل)
قال تعالى: (لا يحلُّ لك النساء من بعد ولا أن تبدَّل بهن من أزواج) آية (52) سورة الأحزاب.. ففي هذه الآية نهى الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يتبدل بأزواجه أزواجا.. وقال تعالى:(وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا) آية (2) سورة النساء.. خاطب الله سبحانه وتعالى في هذه الآية عامة المسلمين، ونهاهم أن لا يتبدلوا الخبيث بالطيب، ونهاهم أيضا أن لا يأكلوا أموال اليتامى لأن ذلك إثم عظيم.. السؤال لماذا جاء الفعل (تبدّل) في آية الأحزاب بهذه الصورة وهذا الوزن (تفّعل) بحذف إحدى التاءين، بينما في آية النساء (تتبدَّل) على وزن (تتفعل) من دون حذف.. أقول - والله أعلم - إن آية الأحزاب حكمها مقصور على النبي صلى الله عليه وسلم، فهو منهي عن أن يتبدل بأزوجه أزواجا. أما في آية النساء فالحكم جاء لعامة المسلمين على مر العصور، فقال في الحكم المحدد والحدث المقصود على شخص واحد (تبدَّل) بتاء واحد، وقال في الحكم العام الممتد على مر العصور (تتبدَّل) بتاءين، فجاءت الصيغة القصيرة للحدث القصير والمحصور والمحدد، وبالصيغة الطويلة للحدث الطويل الممتد.. فكل زيادة في المبنى زيادة في المعنى، فعندما انحصر الحكم في ذات النبي صلى الله عليه وسلم وهو فرد واحد جاءت صيغة الفعل (تبدل)، ولما كان الحكم واسعا لعامة المسلمين في كل العصور زاد وتوسع في بنية الفعل ليتناسب مع كثرة الأفراد وانفتاح الزمن.
(تستطع - تسطع)
قال تعالى:(..سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا) آية (78) سورة الكهف، وقال سبحانه وتعالى في موضع آخر من السورة نفسها وتحديدا بعد ثلاث آيات:(.. ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا) آية (82).. فيا ترى ما هي الحكمة من هذا التنوع ما بين الذكر والحذف لحرف (التاء) في (تستطع) بثبوت التاء و(تسطع) بحذفها؟.. لو قرأنا الآيات الثلاث التي تقع بين الآيتين (78 - 82) لوجدنا أن العبد الصالح المذكور في القصة- الذي جاءه موسى عليه السلام من أجل أن يتعلم- يشرح ويوضح لموسى عليه السلام قبل أن يفارقه سبب ما قام به من خرقه لسفينة المساكين الذين يعملون في البحر أنه كان هناك ملك يأخذ كل سفينة غصبا، ثم قتل العبد الصالح الغلام الذي كان سيرهق والديه طغيانا وكفرا، ثم إقامة الجدار الذي تحته كنز اليتيمين.. فقال (تستطع) في الآية الأولى بذكر التاء لأن المقام مقام شرح وتوضيح وتبيين، وحذف التاء في الآية الثانية لأن المقام مقام مفارقة ولم يتكلم بعدها.. هذا والله أعلم.
وفي الأخير نستنتج أن الله سبحانه وتعالى يذكر ويحذف في الكلمات في القرآن الكريم حسب ما تقتضيه الدلالة لكي يصل المعنى بصورة واضحة بليغة وموجزة، وتكون بهذا - والحمد لله - قد تناولنا موضوع (الذكر والحذف) في القرآن الكريم ولو بشيء يسير وموجز، وإن شاء الله ستقرؤون في العدد القادم عن الإعجاز العلمي للقرآن الكريم.. وكما ذكرنا لكم في العدد الأول (المقدمة) أننا - بإذن الله تعالى - سنتناول في هذا العمود معجزات القرآن الكريم من عدة جوانبه (التعبيرية والبلاغية واللغوية والعلمية والعددية وغيرها من المعجزات).
ملاحظة مهمة جدا:
ترد في هذا العمود بعض الآيات القرآنية، فمن باب تعظيم شعائر الله عز وجل احرص أخي القارئ على أن لا تمتهن أوتهان هذه الآيات برميها على الأرض وغير ذلك لأن المولى قال:(ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).. هناك أخي القارئ عدة طرق لكي لا تمتهن هذه الآيات إما بتبليلها بالماء ثم تمزيقها أو بإحراقها.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.