مقبرة عقبة الشلن بالمسيمير نموذج لانتهاك حرمة وكرامة الموتى

> «الأيام» محمد مرشد عقابي

>
صورة تظهر العبث بالمقبرة
صورة تظهر العبث بالمقبرة
مناظر مؤلمة ومشاهد مبكية في كل مرة تقف قدماي على مشارف مقربة عقبة الشلن (المليشياء) وكنت عابراً على طريق (المسيمير- عقان).

التي تقع هذه المقبرة التاريخية القديمة والعريقة على محاذاته بالطرف الجنوبي لمدخل مدينة المسيمير عاصمة المديرية محافظة لحج إلا ويتولد في ذاتي حزن عميق وتقض مضاجعي الصور المبكية والمؤلمة التي آلت إليها هذه المقبرة وفي الآونة الأخيرة ازدادت مناظر الأسى ومشاهد الحسرة حتى أنها وصلت إلى درجة لايمكن لعقل مسلم أن يتخيلها أو يتصورها واقعاً حقيقياً ملموساً، فكل ما يحصل في هذه المقبرة يوصي بما لا يدع مجالاً للشك أنه لا يوجد للموتى فيها أي حرمة أو قدسية.

مقابر الموتى في عقبة الشلن
مقابر الموتى في عقبة الشلن
حيث إن غالبية مقابر الموتى فيها قد طمست معالمها تماماً وطالتها أيادي العبث وتحولت مساحاتها إلى طرق فرعية لعبور المارة والسيارات وما سلم منها من دوس إطارات السيارات وأقدام المارة تسابق عليه بعض النافذين ليقوموا بحجزها لهم وجدولته ونصب الأساسات عليه بهدف تحويل المقبرة بما تحويه من رفات الموتى إلى مساكن وعمارات تجارية في وقت تتم فيه هذه الانتهاكات اليومية على مرأى ومسمع من الجهات المسؤولة ومكتب الأوقاف والإرشاد والسلطات الأمنية التي لم تحرك ساكنا.

والمصيبة العظمى أن مبنى إدارة أمن المديرية هو الذي ينتصب أعلى المقبرة، لكن لله في خلقه شؤون وهنا نتساءل أين هؤلاء من قوله تعالى:«ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً» الإسراء آية 70

مقر إدارة أمن المسيمير يظهر على قمة مقابر عقبة الشلن
مقر إدارة أمن المسيمير يظهر على قمة مقابر عقبة الشلن
وأين هؤلاء من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال كما في الصحيح الجامع:«كسر عظم الميت ككسره حي»؟، ومعنى ككسره حيا في التفاسير أي في الإثم، وأين هؤلاء من الحديث الشريف في صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه»، وفي رواية للترمذي «أن يكتب عليه وأن يوطأ» زيادة إلى رواية الصحيحين، وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة مرفوعا: «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له أن يجلس على قبر»، وأخرج أحمد بإسناد صحيح عن عمروبن حزم قال: «رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً على قبر فقال:«لا تؤذ صاحب هذا القبر»، رواه البخاري ومسلم، وفي الحديث الذي صححه الألباني عليه رحمه الله تعالى في كتابه أحكام الجنائز عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «لأن أمشي على جمرة أو سيف أو خصف يغلي أحب إليَّ من أمشي على قبر مسلم»، وفي حديث آخر عن أبي مرشد الغنوي قال:«سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» أخرجه مسلم، وكذلك لقوله تعالى في سورة الأحزاب (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا).

منازل بالقرب من المقبرة
منازل بالقرب من المقبرة
فكل ما تقدم من نصوص قرآنية وأحكام شرعية توضح كرامة المسلم التي كفلها له الخالق جل في علاه سواءً كان حياً أو ميتاً، وكل ما مضى من آيات قرآنية وأحاديث نبوية تبين حرمة المسلم وحرمة الاعتداء عليه أكان حياً أو ميتاً فالله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم نهيا عن أذيه المسلم بأي نوع من أنواع الأذية، وشددت كل الشرائع السماوية على عدم العبث بالقبور أو الجلوس عليها أو انتهاكها بأي شكل من الأشكال حفاظاً على أهلها وتأكيداً على كرامة ساكنيها وكل من فيها.

وفي بلادنا عامة والمسيمير خاصة يبدو أن قيم احترام الموتى قد اختفت وضاعت معها الأخلاق والفضيلة في تقديس حرمة من في القبور وارتباطاً باندثار القيم والأخلاق والمبادئ، فلا غرابة أن تتحول مقابر المسلمين إلى مساحة للتنازع الفائز من يظفر بمكان فيها وإلى ميادين تكثر فيها صور الاستحواذ والبسط والعبث والتدمير دون رحمة أو وازع من ضمير، والذي يحز في النفس ألماً وحسرة أن تتجرد إلى بعض القلوب البشرية من كل معاني الخجل والحياء والرحمة التي خلقت بالفطرة عليها فتتحول إلى قلوب متحجرة صلبة لا تحمل من قيم ومقومات النفس البشرية والأجسام الآدمية إلا الهيكل الخارجي، وليس هناك أسوأ من أن لا تجد النفس مكاناً آمناً ترتاح فيه حتى وإن كان صاحبها قد فارق الدنيا وتوسد الثرى وأضحى اسمه في عالم النسيان.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ومايدمي القلوب ويجرح النفس أن تنصب اليوم على مقابر المسلمين أساسات الطمع وتوضع فوق رؤوس ساكنيها صخور جشع طامعي الدنيا وتتعالى فوق رفات الموتى أصوات التنازع في وقت لم تراع فيه كرامة الميت المسلم ولا حتى حرمة الدين الإسلامي.

طريق المسيمير-عقان وسط مقبرة عقبة الشلن وبين رفات موتاها
طريق المسيمير-عقان وسط مقبرة عقبة الشلن وبين رفات موتاها
لماذا في بلاد الكفر للموتى قدسية وكرامة وفي بلاد الإسلام الضد؟ ما يحصل في مقبرة عقبة الشلن من انتهاكات مستمرة لحرمة ساكنيها تدفع الكثير ممن يشاهدون هذا العبث إلى اختلاف الكثير من التساؤلات عن ذلك، وقد يتعجب الواحد منا كيف يحترم اليهود والنصارى وذوو الديانات السماوية الأخرى ويعظمون موتاهم في حين تداس في بلاد الإسلام كرامة وحرمة الموتى؟!، ففي بلاد الغرب والشرق للميت حرمته وكرامته وتعمل السلطات في هذه الدول الأجنبية على حماية وحراسة وتسوير مقابر موتاها على اعتبار أنها بين المنشآت الحقوقية المهمة التي يجب على الجميع المحافظة عليها، بل إن غالبية البلدان والدول الأجنبية تدفع مبالغ طائلة في سبيل تأمين هذه الأماكن على اعتبار أنها من بين الأماكن المقدسة التي يجب على الجميع عدم المساس بها أو حتى الاقتراب منها، والعكس هو الحاصل في بلاد الإسلام، الأرض التي ميزها الله تعالى وجعلها مبعث الرسالات والأنبياء ومنبع الخيرات الأرض التي ينبغي أن ترسو فيها كل مظاهر الرحمة وتسود فيها سمات التسامح والمحبة والإخاء وتتوزع من ربوعها معاني الألفة وتفوح من ترابها قيم العدالة يتم في هذه الأرض انتهاك حرمات مقابر المسلمين وتداس فيها كرامة المدفونين وتنتهك فيها عزة الموتى لتتحول تربة الثرى التي تأويهم إلى مواقع للعبث والخراب وموطن يتسابق إليه النافذون والدلائل الشاهدة على ذلك مسلسل الاعتداءات على حرمة مقبرة عقبة الشلن بالمسيمير والتي وصلت إلى حد جرف أشلاء الموتى من مقابرهم هناك..

والسؤال الذي يطرح نفسه أين دور السلطة المحلية والجهات المعنية بالمديرية من هذه المهازل المتكررة، وماهو موقف مكتب الأوقاف والإرشاد بالمديرية والمحافظة من عمليات النبش التي تطال مقابر المسلمين في عقبة الشلن بالمسيمير؟ أم أن كرامة الإنسان بنظرهم تنتهي بموته؟!..

وفي الأخير نتسآل بالقول: هل ما يصير بقبور أجدادنا وآبائنا وأهالينا من اعتداء وعبث سيطالنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه..إنا لله وإنا إليه راجعون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى