الأستاذ الجامعي والبيئة الأكاديمية

> د. سمير عبدالرحمن الشميري:

> لا حاجة بي إلى القول إن الجامعات العربية على كثرتها مازالت قابعة تحت مظلة التيبس العلمي والفكري، ومازالت أساليب الإملاء والتلقين والحفظ مهيمنة على الفضاء الأكاديمي.

يقول العالم التربوي الهندي كرشنا مورتي: «إن كامل تنشئتنا وتعليمنا قد جعل منا كائنات خائفة من أن تكون مختلفة عن جيرانها، خائفة من أن تفكر بشكل مغاير للأفكار المؤسسية في المجتمع، تحترم بزيف السلطة والعادات والتقاليد».

الجامعة مؤسسة لرُقي العقل ولصنع المعارف والمعلومات ولصقل المواهب وزرع شتلات العلم والمعرفة والحرية وأداة من أدوات خلق وتعضيد الهوية الوطنية والقومية والدينية واللُغوية، ومؤسسة لنهضة ونماء المجتمع، وليست جزيرة نائية عن المجتمع، فهي تؤثر وتتأثر بما يعتمل في المجتمع من عناصر للصلاح والطلاح بمستويات متباينة.

ولعل حجر الزاوية في العمل الأكاديمي يرتكز أساسا على الرأسمال البشري، فجودة عضو هيئة التدريس عنوان بارز لجودة المؤسسات الأكاديمية.

فليس من المنطق بتاتا فتح أبواب الجامعات لعناصر لا تنطبق عليهم صفات الأستاذ الجامعي، لا من زاوية علمية ولا أدبية ولا أخلاقية، ثم نأتي ونصرخ في البرية مطالبين بجودة الأداء الأكاديمي.

جودة المؤسسة الأكاديمية مرهونة بجودة الرأسمال البشري وبالبيئة الأكاديمية السليمة، فثمة معايير لتحديد الجودة العالمية للجامعات كما حددها معهد التعليم العالي في جامعة شنغهاي:

-1 معيار جودة التعليم، -2 معيار جودة الكلية، -3 معيار جودة الأبحاث العلمية، -4 معيار حجم المؤسسة.

وهذه المعايير شديدة الالتصاق بأداء وفعالية عضو هيئة التدريس، الذي لا يستطيع أن يؤدي رسالته في مناخ أكاديمي مريض.

وبيئة العمل العلمي إما أن تكون صالحة لنماء العلم والمعرفة والحرية والتقدم والاستقلال الأكاديمي والفكري والنهضة العقلية، وإما أن تكون مناخا عدائيا غير أكاديمي تستشري فيه التمزقات والانكسارات، وقاتلة ومحبطة للأستاذ الجامعي، تحول الأستاذ الجامعي إلى كائن محبط وتشل فعاليته وتفتك بروح الانتماء الأكاديمي وتجمد تفكيره المتقد وتحوله إلى كائن مسربل بالشك والضباب، ليخرج من طوره غير مكترث للأمانة الأكاديمية ومضعضع الضمير الأكاديمي، نتيجة التدمير العمدي لكيانه وعقله ومهجته وقلقه الأكاديمي.

وينغرس في قلب مفهوم البيئة الأكاديمية: الأستاذ، الطالب، الإدارة، المناهج، الخطط الدراسية، التجهيزات المخبرية والمادية، شبكة الاتصال، المكتبات، النظم والقوانين، الحقوق والوجبات، المباني والقاعات الدراسية، المساحات ودورات المياه، والعلاقات الأكاديمية في الفضاء الأكاديمي.

ويمكن تعريف البيئة الأكاديمية بأنها: كل ما يحيط بعضو هيئة التدريس من بشر وبُنى وعلاقات ومناشط علمية وتجهيزات مادية ومواقع جغرافية ولوائح وقوانين وإدارة ومؤسسات وخدمات عامة.

وليس من قبيل التربص والتصيد للأخطاء القول بأنه شاعت في الفترة الأخيرة في مجتمعاتنا ما اصطلح تسميته بـ «ثقافة الحجارة»، التي يقصد بها الاعتناء بالمباني والعمارات الفخمة مع إهمال للقدرات والكفاءات العلمية وهو ما يؤدي إلى قحط معرفي وثقافي. فلابد من الاعتناء بعضو هيئة التدريس وبالجودة الأكاديمية الشاملة، لأن «رداءة التعليم الجامعي هي سر التخلف التنموي الذي لا يرفعه بناء مطارات حديثة، أو طرق سريعة، أو مصانع هائلة، أو أسواق باهرة أو بيوت فاخرة» (عبدالرحمن الراشد).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى