الحصبة الألمانية.. German Measles – Rubella.. عيوب خلقية تطال الأجنة (CRS) وإجهاض للحوامل

> «الأيام» د. صالح الدوبحي :

> يعد الألماني فريدرك هوفمان Friedrich Hoffmann أول من استطاع تحديد وتعريف وتوثيق مرض الحصبة الألمانية كأحد الأمراض المعدية شبيهة بالحصبة ولكنها ليست حصبة، كان ذلك في العام 1740م.

ثم تبعه عدد من الأطباء الألمان لينسب بعد ذلك الاكتشاف لهم وسمي بالحصبة الألمانية، وبقي هذا المرض لا يحظى بأي اهتمام يذكر حتى عام 1881م عندما اكتشف الجراح البريطاني (Henry Veale) علاقة الحصبة الألمانية بالتهاب المفاصل عندما انتشر هذا المرض بشكل وبائي في الهند وأطلق على المرض اسم الروبيلا (RUBELLA ) المشتق من اللاتينية وتعني الحمراء الصغيرة، لكن أول من له الفضل في كشف تأثير المرض على الحمل وعلاقته بالعيوب الخلقية لدى الأجنة كان طبيب العيون الاسترالي جريج Gregg ، وكان ذلك في عام 1941م حيث وجد ان من بين 78 طفلا مصابون بالعمى ( cataract) ،هناك 68 طفل ولدوا من أمهات أصبن بالحصبة الألمانية أثناء حملهن لكن الفيروس المسبب للمرض بقي مجهولا حتى عام 1962 م،وفي عام 1969م اكتشف أول لقاح للحصبة ومنذ عام 1970م يستخدم لقاح ثلاثي للحصبة النكاف والحصبة الألمانية.

ما هي الحصبة الألمانية ؟

اسمها في اللغة العربية (الحميراء) وهي مرض فيروسي معد تنتشر بشكل وبائي واسع بين الأطفال لكن الإصابة بها ممكنة وتحدث في أي سن ولكلا الجنسين ، ومع أنها لا تتسبب بأعراض خطرة وليست لها مضاعفات تذكر ، إلا أنها عندما تصيب المرأة الحامل التي لم يسبق لها الإصابة بها في طفولتها وليست مطعمة ضد الحصبة الألمانية فان الفيروس المسبب لها سرعان ما يتحول الى ميكروب مدمر يستهدف بالدرجة الأولى الجنين مخلفا فيه إضرار عديدة وفادحة ، قد تجعل منة مربضا او معاقا ما بقي من عمره

أين يتواجد فيروس الحصبة الألمانية؟

الفيروس وباء عالمي وواسع الانتشار كان إلى وقت قريب يتواجد في كل بقاع الأرض المأهولة حتى تم اكتشاف لقاح فعال ضده والذي تستخدمه اليوم معظم البلدان المتقدمة والغنية فأصبح تواجده ينحصر في البلدان النامية وفي المجتمعات الفقيرة وخاصة بين الأطفال صغار السن حيث تحدث الإصابة بة بشكل مستمر على هيئة حالات منفردة وقليلة طوال أيام السنة مع زيادة ملحوظ قد تطرأ في موسم الربيع بين شهري ابريل ومايو.

أما الموجات الوبائية الواسعة فهي قد تحدث مرة كل 6 او حتى 10 سنوات وقد كانت في الماضي تنتشر من بلد الى آخر وحتى بين القارات ومن أشهر الجائحات الوبائية التي انتشرت في القرن الماضي تلك التي حدثت في الفترة مابين 1962-1965م التي بدأت في أوربا ووصلت حتى الأمريكتين وقد سجلت خلال عامي 1964و1965م في الولايات المتحدة وحدها 12.5.مليون أصابه ،أدت الى 11.000 حالة إجهاض 20.000حالة إصابة بعيوب خلقية توفي منهم 2.100 في الشهر الأول من أعمارهم 12.000 مصابين بالصمم ،3.580 مصابين بالعمى و1.800 يعانون من تخلف عقلي.

ما هو مصدر العدوى ؟

الإنسان هو مصدر العدوى الوحيد الذي إما أن يكون مصابا به فيتسبب في عدوى الآخرين لفترة تتراوح ما ين 14 إلى 28 يوما وأحيانا حتى الى 3 أشهر، أو ان يكون مولودا تعرض للإصابة وهو جنين في بطن أمه حيث يمكن ان يبقى الفيروس متواجدا لديه ( في جهازه التنفسي الأعلى( Nasopharynx - لفترة قد تصل 12 شهرا دون أن يكون مريضا وبرغم تواجد نسبة عالية من ألأجسام المضادة في جسمه بما فيها (IgM ) .

كيف تنتقل العدوى ؟

تنتقل العدوى من شخص إلى آخر عن طريق الجهاز التنفسي وبشكل مباشر عبر تطاير الفيروس في الهواء عند السعال أو العطس وباحتضان الأم لطفلها المريض ، لكن اخطر أنواع العدوى هي التي تتم من الأم إلى جنينها عبر الحبل السري .

ما هي أعراض المرض ؟

الأعراض خفيفة و في أحيانا كثيرة لا تحظى باهتمام الأسرة وغالبا ما تبدءا بعد فترة الحضانة التي تتراوح مابين 8 إلى 21 يوم ( 14 يوم في المتوسط ) منذ حدوث العدوى وتكون على هيئة تورم وتضخم للغدد اللمفاوية ( الربايا ) وخاصة في منطقة أسفل الرأس وخلف الرقبة وتعد من الأعراض و العلامات المميزة لمرض الحصبة الألمانية وهي قد تظهر حتى قبل ظهور الحمى بيومين وقبل ظهور الطفح بـ3 أيام وتستمر لفترة 8 - 28 يوم أما درجة الحرارة فهي لا تتجاور 38.5 درجة وغالبا ما تختفي هي والطفح بعد 3 أيام ولذلك تسمى الحصبة الألمانية أيضا بحصبة الثلاث أيام، والطفح الذي يبدأ ظهوره دائما في الوجه بشكل بثور صغيرة الحجم ناعمة الشكل مسطحة في اعد متقاربة ذو لون زهري سريعا ما ينتشر نحو الأسفل إلى باقي الجذع والأطراف الذي لا يخلف بعد اختفاءه أي اثر، ويشعر المريض أيضا بتوعك وضيق والآم في الرأس.. وقد يحدث الإسهال عند الاطفال . كما ان 50 % من الكبار قد يصابون بآلام في المفاصل لبعض الوقت . أما المضاعفات الخطيرة مثل التهاب الدماغ والخصيتين ولكنها نادرة جدا على أي حال .

هل تصاب الحامل بمضاعفات ؟

المضاعفات ذات الأهمية على الحامل تتمثل بالإجهاض والذي يتطلب مراجعة الطبيب ويحدث في العادة بنسبة 30 % من مجمل الإصابات .

ما هي المضاعفات على الجنين؟

عند وصول فيروس الحصبة الألمانية من الأم إلى الجنين سرعان ما يقوم بالتكاثر في معظم خلايا جسمه وكلما كان الجنين في بداية تكوينه ،أي في الأسابيع الأولى من عمر الحمل ،كلما كان الضرر اكبر واشمل وهي تقل كان عمر الجنين اكبر. وإجمالا فان نسبة تأثر الأجنة بالمرض وإمكانية حدوث تشوهات وعيوب خلقية قد تصل إلى 60 % . ومن أكثر العيوب الخلقية الناجمة بسبب الإصابة بالحصبة الألمانية ما يعرف باسم متلازمة الروبيلا او ( Congenial Rubella Syndrome ) و تشمل كلا من القلب و أوعيته الدموية الأساسية (Patent Ducts Arteriosus – PAD) )، كما يتسبب عدم اكتمال نمو أنسجة الدماغ إلى صغر حجم الدماغ( Microcephalic ) بالإضافة الى إصابة الجهاز البصري وخاصة العينين بعتمة جزئية وحتى العمى الكامل (Cataract)، بالإضافة الى إصابة عدة أعضاء منها جهاز السمع والنطق والأسنان تضخم في الكبد وقصور في وضايفها كما يحدث خلل في إنتاج محتويات الدم وعوامل تخثره والصفائح وغيره. ولهذه العيوب مشاكلها الصحية على حياة الطفل تتدرج من خفيفة يمكن إصلاحها بتدخل جراحي القلب والعيون والأذن والأنف والحنجرة والأسنان وغيرهم وبعضها يكون صعبا وقد يعيش معه الطفل معاقا أو متخلفا عقليا مدى الحياة و في معظم الأحيان لا يصمد المولود كثيرا ويتوفي في الأشهر او السنوات الأولى من عمرة .

كيف يتم التشخيص ؟

يوجد تعريف للحالة معتمد من قبل منظمة الصحة العالمية ويقوم بالتشخيص في العادة الأطباء المتخصصين من خلال الفحص السريري والتاريخ للمرضي وبالطبع يستعينون بنتائج التحاليل المخبرية المصلية( السيرولجي ) IgM ,IgG وبحسبة يتم تحديد نوع الإصابة وهو إما (مشتبهة) أو (مؤكدة) وهذا التشخيص مهم بالنسبة لأطباء النساء والولادة كما وهو أيضا مهم بشكل كبير لأطباء الصحة العامة وخاصة أطباء الوبائيات الذي يجب ان يقوموا بعد تحليل المعلومات وتقييم الوضع الوبائي الى اقتراح الإجراءات الوقاية الفاعلة كالتثقيف الصحي وكل ما من شانه مساعدة الحوامل في تجنب الإصابة في فترة انتشار الوباء التي تستغرق في الغالب من 6-3 أشهر .

ما هو العلاج المستخدم ؟

كمعظم الأمراض الفيروسية لا يوجد علاج لهذا المرض والذي هو في العادة مرض يشفى ذاتيا وبدون مضاعفات ولكن لبعض الإعراض يمكن استخدام المسكنات للآلام ( acetaminophen- Tylenol) و خافضات الحرارة البارسيتمول مع مراعاة عدم الإسراف في استخدام الأدوية دون استشارة الطبيب فبعضها مثل الأسبرين عند استخدامه لبعض الأمراض الفيروسية قد يتسبب بحدوث مضاعفات خطيرة مثل متلازمة رأي (Ray Syndrome) التي قد تؤدي إلى الوفاة.

كيف تتم الوقاية من المرض ؟

التطعيم ضد الحصبة الألمانية هو أكثر أنواع الوقاية فعالية ويعطى على شكل جرعة مشتركة مع كل من لقاح الحصبة التقليدية ولقاح النكاف (MMR- vaccine ) في جرعتين تبدءا الأولى في الشهر ال13 من العمر والثانية في سن 3-5سنوات. أما في البلدان التي لا يتم فيها التطعيم فتضل الوقاية من مهام الأسرة ذاتها التي من حقها ان تجد من يوعيها حول هذه المشكلة وإضرارها الحقيقية وهي مهمة المسئولين الصحيين على كافة المستويات وكل من له علاقة بالمرأة ومشاكلها الاجتماعية والصحية . ومن اقل ما يمكن عمله هو تنوير وتوجيه الأمهات الحوامل لأهمية مراجعة الأطباء والتعرف على وضعهن الصحي ومراحل الحمل وخالة الجنين وأيضا معرفة فيما إذا كن مصابات بالمرض او أنهن في خطر وقد الأمر الذي قد يتطلب اتخاذ إجراءات وقاية محددة او تدخل طبي لأنهى الحمل والذي في الغالب يكون قاسيا وصعبا على المرأة القبول به لكنة وان كان أسوء الخيارات يبقى الوحيد رأفة بالمولود وبالأسرة .

كيف يمكن للمرأة ان تعرف بأنها لم تصب بالمرض في طفولتها ؟

يمكن للكثير من النساء أن يعرفن فيما إذا كنا قد أصبن بالمرض في السابق وأصبحن في مأمن من الإصابة به ام أنهن عرضة للإصابة بة مستقبلا، وبالتالي فان عليهن اخذ الحيطة أثناء حملهن.ويتم ذلك بإجراء فحص مخبري لتحديد المناعة الدائمة ضد فيروس الحصبة الألمانية IgG والتي تتكون بعد الإصابة بالمرض وهي تبقى لمدى العمر او بواسطة التطعيم الذي يتطلب إلى جرعتين قبل حمل المرأة بعدة أشهر .

ما هو الوضع الوبائي للحصبة الألمانية في اليمن ؟

المرض لا يخضع لنظام الترصد الوبائي ولا يوجد نظام تبليغ روتيني دقيق ومنتظم عن الإصابة بالحصبة الألمانية يمكن الاعتماد علية لتقييم الوضع الوبائي لها، غير ان عدد من الدراسات البحثية القليلة في هذا المجال يمكن بواسطتها تكوين صورة عامة حول معدل انتشار الوباء بين السكان في اليمن من بين هذه الدراسات وأقدمها تأتي (نتائج المسح الوبائي المناعي الشامل لأهم الأمراض المعدية بين السكان في محافظة عدن والمحافظات المجاورة) قام بها كاتب المقال* وتضمنتها رسالته البحثية لنيل شهادة الدكتورة في عام 1985م ، أما الثانية فقد قامت بها مجموعة من الباحثين من كلية الطب في جامعة صنعاء والمختبر المركزي وجامعة حضرموت لتعرف على المناعة ضد الحصبة والحصبة الألمانية عام 2005م ** ( كلا الدراستين نشرتا في مجلات طبية عالمية ومتوفرتان على صفحات الانترنت)، وتبين النتائج في الدراسة الأولى إن «الفتيات في عمر18-14 سنة لديهن نسبة مناعة لا تزيد عن 81 % والفتيات في عمر24-19 سنة لديهن 86.3 % ، أما الفتيات في عمر 29-25 لديهن 89.9 %» و في الدراسة الثانية بلغت هذه النسبة إلى 14.64 % (15 % ) بين الفتيات في عمر 11-21 عاما عند النساء في محافظة صنعاء( ريف وحضر). وتوضح هذه النتائج بان نسبة كبيرة من النساء في سن الإنجاب معرضات لخطر الإصابة بمرض الحصبة الألمانية خاصة في الفئات صغار السن ( اقل من 81 عام ) والذي للأسف سرعان ما يصبح الكثير منهن أمهات في سن مبكر وهو ما يزيد من تفاقم حدة المشكلة حيث يزداد عدد الحالات المتوقعة التي ستصاب بالمرض أثناء الحمل وبالتالي ولادة مستمرة لأطفال يحملون العديد من العيوب الخلقية الأمر الذي يترتب علية معاناة اجتماعية ومادية لكثير من الأسر ناهيك عن ستتطلبه عملية الرعاية الصحية وإعادة التأهيل من موارد مادية وبشرية كبيرة يمكن الاستفادة منها في عملية الوقاية إذا تمت علمية إدخال لقاح الحصبة الألمانية ضمن برنامج التحصين الروتيني للأطفال و للنساء في سن الإنجاب على السواء.

Serological survey of rubella in Yemen in 1985- S.S.Dobahi et al،. *

Prevalence of antibodies to measles and rubella in Sana’a, Yemen- T.A. Sallam et al **

اختصاصي علم الأوبئة

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى