الضمير

> إبراهيم عبدالله يعقوب خان:

> الابتسامة عنوان الضمير النزيه والقلب السليم. ولو أن الشيطان ابتسم لما طرد من رحمه الله.

أحسب أن لفظة الضمير قد أصبحت في عصرنا هذا اسماً لا معنى له ولا عجب، فإن تلك اللفظة، على مايبدو من سمو قدرها، تتبدل وتتغير بحسب مفاهيم الناس وبيئاتهم وأهدافهم في الحياة.

وإنك لترى بين الناس جماعة تتقلب مع الزمن دون أن تراعى للضمير حرمة، أو تحفظ للمواثيق عهداً من العهود.

وكثيراً ما يكون دأب أولئك الناس سلق غيرهم بألسنة حداد، وإيصال الشر إلى سواهم بقصد أو بغير قصد، حتى كأنهم خلقوا للفساد والنميمة والأذى.

إني لأشفق على هؤلاء، لأنهم يقضون عمرهم بتوافه الأمور، ظناً منهم أن في ذلك تسلية أو إن التفريق بين الأصدقاء والقلوب المتحابة واجب من أهم واجباتهم الاجتماعية.

ولوكان لهؤلاء مقدار من ذرة من الضمير لأنبهم ضميرهم على مايصنعون من سوء، ولارتدعوا عن غيهم، ولعادوا إلى صوابهم، ولعلموا أن لاشيء أحب إلى الله وإلى عباده المتقين من نشر الوئام والسلام، وإحلال الولاء والإخاء بين الأهل والخلان والأصدقاء.

ومما لاريب فيه أن معظم الناس في عصرنا هذا تستهويهم ابتسامة وتلعب بعقولهم إشارة عابرة، فيفكرون في ذواتهم قبل أن يفكروا في سواهم، ويضحون بكرامتهم وأصدقائهم المخلصين.

ولعل الذنب، ذنب هذه الفوضى الأخلاقية التي انغمسنا فيها، لأننا- وأيم الحق- في عالم يعيش معظم أبنائه بدون ضمير أو بضمير لا يبالي كثيراً بالمحرمات ولايأبه لمكارم الأخلاق.

ونحن نعلم جيداً أن أعظم راحة يمكن أن يشعر بها الانسان تتجلى في الضمير الحي الوادع السليم.. الضمير الذي لم تلوثه الإنانية ولم تتغلب عليه جراثيم الحقد والكراهية والاستئثار.

حقاً.. إن راحة الضمير لا تعادلها متع العالم مجتمعة، فمهما أوتي المرء من مال ورفعة جاه، يظل في هم وغم واكتئاب إذا كان ضميره معذباً.

إن أناساً كثيرين يعيشون ويموتون دون أن يتركوا فضلاً أو ذكرى طيبة، لاأهم كانوا أنانيين ولا يحبون إلا سعادتهم ولا يسعون إلا خلف مصلحتهم الذاتية رغم ماكانوا يظهرون في أيام حياتهم من حب وإخلاص وسلامة نية.

إن عديمي الضمير يحبون ظاهراً ويكرهون باطناً.

إنهم يهاجمون ويسالمون ويقدمون على كل شيء لنيل مايريدون.

لاشك إن معاشرة الناس تلقن المرء دروساً كثيرة، فإن أتيح للإنسان أن يعاشر أهل الخير والإصلاح كان في معظم الحالات خيراً صالحاً. وإن قضي عليه أن يعاشر ذوي الضمائر المريضة كره معاشرة الناس وتعلم الصبر على الأيام ومواجهة الشدائد.

العدد58 في 15 اكتوبر 1958م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى