الأمراض المشتركة بين الحيوان و الإنسان(ZOONOSES) - داء الكلب.. Rabies (السعار - العناز ) ولقاح فموي للكلاب يفتح آفاق استئصاله

> «الأيام» د. صالح الدوبحي :

> خمسة أشخاص فقط ، هم اللذين كتبت لهم النجاة وعاشوا بعد أن ظهرت عليهم أعراض مرض داء الكلب حتى الآن . هذا ما تذكره كافة المراجع الطبية المتخصصة في علم الأوبئة، ولولا هذا العدد الضئيل من الناجيين لكانت نسبة الإماتة بداء الكلب (نسبة الوفاة بعد ظهور الأعراض) قد بلغت حد الكمال ( 100% ).

وهو ما لم تبلغه أكثر الأوبئة فتكا وأعظمها ترويعا للإنسان (الجدري 60% و أنفلونزا الطيور70% الايبولا 83%) مع العلم أن إصابة الإنسان بهذا المرض وطريقة انتشاره تكاد تكون محصورة الى حد كبير على نمط واحد من أنواع الانتشار وهو العض، فهذا الفيروس لا ينتقل عبر الوسائل الشائعة التي تنتقل بها الأوبئة كالهواء والماء والغذاء أو حتى لدغ الحشرات، وهو أيضا لا ينتقل من إنسان الى إنسان، كما أنه من أقدم الأمراض التي تم اكتشاف وتطوير لقاحات فاعلة تعمل كعلاج عند الإصابة بها أو كوقاية للحيوانات وحتى لبعض الناس المعرضين بحكم المهنة للإصابة بالمرض أكثر من غيرهم. ومع كل ذلك لازال هذا الوباء قادرا على الفتك بأكثر من 55.000 ضحية سنويا من بين 10 مليون إصابة مشتبهة معظمها في البلدان الفقيرة النامية بعكس البلدان الغنية التي أصبح بعضها الآن خال تماما من الوباء وأما باقيتها فالوباء تحت السيطرة .

ما هو داء الكلب ؟

داء الكلب أو(Rabies) هو من أقدم الأمراض الوبائية التي اختزلتها الذاكرة البشرية، عرفه المصريين القدامى والصينيون وسماه الإغريقlyssa ، وفي البلاد العربية هو السعار اوالعناز، وهو مرض فيروسي حيواني المنشأ يصيب عددا من الحيوانات البرية و الأليفة والتي منها ينتقل إلى الإنسان أوالى حيوان آخر من خلال التعرض للعاب الحيوانات المصابة مباشرة ودائما عبر عض وتمزيق الأنسجة الجلدية المتشققة والأغشية المخاطية أو خدشها أو لحسها مثلا. ويؤدي داء الكلب، بعد تطور أعراضه، إلى وفاة المصاب به، سواء كان حيواناً أو آدمياً.

مصدر العدوى ؟

فيروس داء الكلب يتواجد بين مجموعة من الحيوانات البرية بشكل مستمر ( وبائي مستوطن ) وهي التي تعد المصدر الأساسي لانتشار المرض بين الحيوانات بعضها البعض او بين الحيوانات والإنسان . تضم هذه المجموعة فصائل الذئاب والثعالب والكلاب والقطط البرية والوشق وحتى الوطاويط ( الخفاش ) وأما الحيوانات الأليفة فهي الكلاب المنزلية الضالة والقطط وكل المواشي ( الحمير والجمال والقطط والأغنام والبقر والخيول ).

كيف تحدث الإصابة بداء الكلب ؟

من الناحية الوبائية تحدث الإصابة بداء الكلب بطريقتين . الأولى وتسمى بداء الكلب الحضري او النوع ( الكلبي ) والذي ينتشر في المناطق المأهولة بالسكان ومصدره الكلاب الضالة التي سبق وان أصيبت من حيوانات برية ثم نقلته إلى كلاب المدينة وبعض الحيوانات الأليفة. أما النوع الثاني ( البري ) فهو الذي ينتشر بين الحيوانات البرية والمتوحشة التي يتواصل انتشار الفيروس بينها بشكل مستمر ومتوطن وهي مصدر أساسي لانتقال العدوى إلى الكلاب الأليفة المملوكة او الضالة أثناء مهاجمتها ممتلكات الفلاحين ( الدجاج والأغنام ) ليلا في القرى الريفية وحدوث اشتباك بينها وبين كلاب الحراسة فتجرح وتنتقل اليها العدوى، وقد يتعرض لها الإنسان خاصة هواة الصيد البري او عابري السبيل والتائهين . غير أن الكلاب لا تزال تشكل الحيوانات المستضيفة الرئيسية في أفريقيا وآسيا، وهي المسؤولة عن معظم وفيات الكلب البشري.

متى يبدأ خطر المرض ؟

عند وقوع أي عضة مهما كان مصدرها ( كلب أو أي حيوان آخر) يجب التفكير دوما بأسوأ الاحتمالات ومنها ان يكون ذلك الحيوان مصابا بداء الكلب ( مسعور ) ما لم يثبت عكس ذلك . ومابين زمن العضة وظهور أعراض المرض تمتد فترة الحضانة التي تتراوح مابين 3 إلى6 أسابيع وأحيانا قد تطول في أحيان نادرة إلى سنتين لكن المتوسط يظل في حدود 4 أسابيع وهذه الفترة هي الفرصة الذهبية والممكنة لتفادي حدوث المرض إذا كان الكلب مصابا وهي تتطلب بالضرورة توفير اللقاح للمصاب إما بعدها فإن موت المصاب يصبح أمرا مؤكدا ما لم تحدث المعجزة . وفي هذه الأثناء يتطلب الأمر التحري عن الكلب او الحيوان المشتبهة به ومراقبه بصورة مستمرة عبر حجزه لمدة لا تقل عن عشرة أيام ، فإذا مات في هذه الفترة أصبح مؤكدا انه مريض وإذا تعذر حجزه فإن قتله وقطع رأسه ونقله إلى المختبر حيث يمكن هناك التعرف على إصابته وهي مهمة مفتشي الصحة العام والأطباء البيطريون ، وفي كلا الأحوال يجب البحث عن اللقاح وقطع الشك باليقين. من ناحية أخرى تختلف سرعة ظهور الأعراض بعد على موقع حدوث العضة وقربها من الرأس فالعضة في الوجه أخطرها لقربها من الدماغ وحالتها إذا كانت مكشوفة او مغطاة ومكسية بالثياب وبالطبع عمر المصاب وطوله، فالطفل او قصير القامة أطرافه قريبة من رأسه وهذه العوامل تساعد في قصر فترة الحضانة وفي هذه الأثناء يتكاثر الفيروس ويبدأ رحلة الصعود من مكان العضة عبر الأطراف العصبية والحبل الشوكي إلى أن يصل إلى الدماغ وهناك يبدأ عملية التدمير لخلايا الدماغ المسؤولة عن وظائف مهمة في الجسم وبعدها تبدأ ظهور الأعراض.

كيف تعرف أن الكلب مصاب بالسعار؟

الكلب المسعور أو المعنوز سواء أكان كلبا معروفا لديك( كلب البيت او الحيران ) أو غريبا أو ضال يتصرف عند بداية المرض بإحدى طريقتين إما أن يكون الكلب في حالة هيجان غير مألوفة، يعض كل من يقف في طريقه وحتى أنه يأكل العصي والحصى والتراب، وقد يهاجم حيوانات أخرى التي عادة ما يتجنبها مثل الحمير والبقر وحتى الجمال وعادة ما يبتعد الكلب عن موطنه الأصلي بعدة أميال. إما أن يكون الكلب هادئا منذ بداية إصابته وخائفا ويبتعد منعزلا عن الجميع في أماكن مخفية ولكن ليس بعيدا عن سكناه . وهو قد يعض اذا ما اقترب منه او تحرش به احد .هذه الأعراض تستغرق مدة لا تزيد على 4 أيام تبد بعدها تتوحد الأعراض لكلا النوعين التي يغلب عليها طابع الشلل الدماغي والدخول في الغيبوبة ثم بالتوقف التام للتنفس ثم تحدث الوفاة للحيوان المصاب .

أعراض المرض في الإنسان

يبدأ المرض في الإنسان بعد انقضاء فترة الحضانة في كثير من الأحيان بالشعور بالتنميل في مكان العضة حتى بعد شفاء الجرح وتكون الأعراض شبيهة بالزكام وتشمل الحمى ووجع الرأس والإعياء ثم تتطور لتشمل الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي و الجهاز العصبي المركزي، وفي المرحلة الحرجة علامات النشاط الحركي المفرط السعار المتهيج او يحدث الشلل وتسمى بالسعار الصامت الأبكم وكلا الحالتين تؤديان إلى حالة الغيبوبة التي تنتهي بوفاة المريض بسب فشل وتوقف التنفس، و يحدث ذلك خلال فترة 7 أيام من وقت حدوث المرض . وعموما من لم ير تلك الأعراض بأم عينيه يصعب عليك التصديق كم هي مؤلمة ومحزنة نهاية المرض بداء الكلب خاصة وان لاشي إطلاقا يمكن عمله لإيقافه.

لماذا يخاف المريض المصاب بداء الكلب من الماء ؟

بسبب التلف الكبير في مركز التحكم بحركة العضلات في الدماغ تتعطل وظائف مجموعة هامة من أعضاء الجسم الحيوية من بينها البلعوم والحجاب الحاجز والقفص الصدري فتصبح عمليات البلع والتنفس مؤلمة في البداية ثم يزداد الألم فتتحول إلى كابوس لا يطاق ومع الاضطرابات النفسية والعصبية التي تصيب الجهاز البصري يتعاظم الخوف من الألم بمجرد رؤية الأشياء والماء أكثرها الذي يحتاجه ويتمناه المريض لكنه يتسبب له في آلام حادة، وتعرف هذه الحالة برهاب الماء أو ( Hydrophobia) ويشمل المرض حتى العضلات المحركة للحبال الصوتية فإن صوت المريض يتغير بشكل كبير ويتهيأ للبعض أنه ينبح وهو تمثيل خاطئ ومقيت.

ما هو العلاج والوقاية والتحصين ؟

لا يوجد علاج لمرض الكلب فى حالة ظهور الأعراض المرضية على المصاب. وتتمثل الوقاية من المرض منذ لحظة حدوث العضة بغسل الجرح أو نقطة التعرّض بالماء والصابون، مع استخدام مادة مطهّرة. وينبغي إعطاء لقاح الكلب في أسرع وقت ممكن باتباع الإجراءات المعترف بها من قبل منظمة الصحة العالمية. كما ينبغي التخلي عن استخدام لقاحات داء الكلب المعدة بالأنسجة العصبية، والاستعاضة عنها باللقاحات الحديثة والفعالة والشديدة النقاء التي تحصل بواسطة زرع الخلايا أو استخدام أجنّة البيض. وينبغي إعطاء الغلوبولين المناعي (الضدّ) لجميع المعرضين خاصة الذين يعانون كبت المناعة. وينبغي إعطاء جرعة تامة من الغلوبولين المناعي المضاد للكلب، أو أكبر كمية يمكن أن يتحمّلها جسم الإنسان، داخل موضع الجرح وحوله.

ما هي أنواع اللقاح وكيف يعطى؟

منذ عهد العالم الفرنسي لويس باستير(Louis Pasteur) مكتشف أول لقاح لداء الكلب في عام 1883م وحتى اليوم تم اكتشاف وإنتاج عدد من اللقاحات ولكن معظمها لازال يستخدم نفس مبدأ باستير من حيث طريقة الاستخدام او كمية ومواعيد الجرعات، وهذه اللقاحات هي في الأساس نوع من العلاج الوقائي ويجب ان تعطى مباشرة بعد حدوث العضة ثم تتبعها جرعات منشطة في ثالث يوم للجرعة الأولى ثم في اليوم السابع ثم في اليوم الرابع عشر وفي اليوم 28 وهناك جرعة اضافية يمكن ان تعطى بعد شهر من الجرعة الأخيرة .

هل توجد استراتيجية لاستئصال الوباء عالميا ؟

قامت في الآونة الأخيرة عدد من الدول الأوربية بإجراء أبحاث في إمكانية تطعيم الحيوانات البرية وحتى الكلاب بشكل واسع وشامل من أجل قطع خطوط انتشار المرض بشكل وبائي، وقد استخدمت لقاحا فمويا وتتوفر حاليا نتائج مشجعة يجري العمل على دراستها وإمكانية تعميمها على النطاق العالمي وقد نشهد قريبا حملة كونية لاستئصال داء الكلب نهائيا من كرتنا الأرضية لكن هذه المرة بتطعيم الحيوانات البرية والكلاب وهذا ما سيتطلب بالضرورة توحيد كل الجهود البشرية مجتمعياًَ وفي مقدمتهم المسئولون البيطريون ومسئولو الصحة وأفراد المجتمع بشكل متزامن ومستمر.

[email protected] * اختصاصي علم الأوبئة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى