نحو وعي جديد لا مذهبية ولاعنصرية.. بل أمة عربية واحدة!

> عبده عواد:

> إن العوامل التي كبلت الأمة العربية حيناً من الدهر بقيود التأخر والفساد، ومنعتها من أن تنطلق وتنمو وتثبت وجودها في هذا المعترك الحيوي كأمة تستحق الحياة وكعضو فعال يساهم في بناء الحياة الإنسانية. إن العوامل في ذلك كثيرة ولعل أهمها وأشدها خطراً هو عامل التجزئة.

تجزئة الأمة العربية إلى شعوب ضعيفة .. وتجزئة الشعب الواحد إلى طوائف وقبائل ومذاهب وطبقات.. ثم تجزئة الوطن إلى عدة أقاليم وكيانات متفككة.. وقد كان للشعب العربي في اليمن أن يمنى بالتجزئة المذهبية والسلالية والعنصرية وغيرها من أنواع التجزئة البغيضة التي مزقته شر ممزق وإحاطته بحياة من الانحطاط والفساد.

وما كنت أود أن أكتب عن هذه التجزئة في هذا الطرف الذي بدأت فيه التجزئة بكل ألوانها وأنواعها تلفظ أنفاسها الأخيرة، وأوشكت على الزوال من الوطن العربي لولا أن دفعني إلى الكتابة ظهور بعض عناصر مخربة مازالت تعمل في الخفاء على بث الفرقة في صفوف اليمنين وتذكية روح النعرة المذهبية فيهم.

والأدهى في الأمر أن هذه العناصر الهدامة ممن تضفي على نفسها لقب «الأحرار»!!

ولم يكن غريباً بالنسبة علينا ولا مفاجأة لنا أن تقوم هذه العناصر بهذه العملية القذرة، لأننا نعرفها حق المعرفة منذ أمد ليس بالقصير رغم محاولاتها الفاشلة في التستر والتخفي، ورغم المسوح المزيفة والشعارات الكاذبة التي تتوارى خلفها وتخفي بها وجهها الصحيح.

ولكن الغريب في الأمر هو كيف وأتت الجرأة أدعياء الحرية للقيام بمزاولة مهنتهم القذرة بعد أن أشرق الفجر العربي، وفي هذا الطرف بالذات الذي برزت فيه الوحدة العربيه إلى حيز الوجود، حيث بدأت أمامها الحدود والسدود والتجزئة المصطنعة تنهار وتتلاشى، وأخذ دعاة الهدم وصانعو الفساد في الوطن العربي يتحطمون واحداً تلو آخر على صخرة المد العربي الصاعد!

وهؤلاء الذين يقومون بإثارة النعرة المذهبية اليوم، وبث روح الكراهية شأنهم شأن الخونة وعملاء الاستعمار الذين يحاولون الوقوف ضد وحدة الشعب العربي وإعاقة المد التحرري من الانطلاق ومحاربة الوعي العربي بغية الإبقاء على الأمة العربية في حياة المذلة والانحطاط.

وإن اختلفوا مع هؤلاء دعاة التفرقة المذهبية في الشكل فإنهم مثقفون معهم في الجوهر.. وإن كانت الوسائل مختلفة فالغاية واحدة وهي الفساد وتخليد حياة الانحطاط في الوطن العربي، وبالتالي الإبقاء على الاستعمار والاستبداد الذين هما مصدر كل انحطاط وفساد.

وعامل النعرة المذهبية التي تستعملها الرجعية في اليمن لامتداد عهدها المظلم لا يقل خطراً عن خطر عامل النعرات الأخرى التي استعملها الاستعمار في تمزيق وحدة الوطن العربي ووحدة الأمة العربية، وصرفها عن الكفاح الحقيقي لتحقيق ذاتيتها واستقلالها الشخصي إلى صراع فيما بينها.

والنعرة المذهبية والقبلية والسلالية والطبقية قد حرت على شعبنا العربي في اليمن كثيراً من المحن والفتن والنكبات والآلام. بالإضافة إلى ما أرورثته من انحطاط وضعف وتفكك وخوف وجمود تتجمد في واقع حياة اليوم، حالت بينه وبين التحرير والانطلاق في الحياة, وماكان لأي شعب أن يتحرر وينطلق من قيوده والتجزئة تنخر في جسمه وتحيله إلى جماعات هزيلات ضعيفات متنافرات .

واليوم وبعد أن أشرقت شمس الوحدة العربية في وطننا العربي فإن هذا الطابع المظلم الغالب على نضالنا يجب أن يزول بسرعة ويحل محله طابع آخر لا لنضالنا الاقليمي بل لنضالنا القومي في سبيل التحرر والانطلاق.. ولهذا فإن على أبناء الشعب العربي في اليمن أن يبرهنوا لتلك العناصر التي تعيش من وراء نفث سموم التفرقة والتجزئة.. أن يبرهنوا لجميع أعداء الحياة والعروبة أن الشعب العربي في اليمن أصبح اليوم يدرك تمام الإدراك بأننا - لا اليمنيين فحسب- بل جميع العرب أمة واحدة تجمعهم وحدة العرب اللغة ووحدة الثقافة،ووحدة التاريخ ووحدة الأرض، ووحدة المصير وغير ذلك من الروابط التي تربط العرب بعضهم ببعض، ولم يعد اليوم هناك شيء اسمه إقليمية،أومذهبية، أوقبلية، أوقحطانية.

إننا أمة عربية واحدة ووطن عربي واحد. نناضل من أجل التحرر في ظل الوحدة التي تكفل لنا المضي قدماً نحو الغد المشرق.

العدد 81 في 11نوفمبر 1958م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى