ونعم التَّحية..

> عبد الباري طاهر:

> نشرت صحيفة «الرياض» في عددها الصادر يوم 29/4/2009 في مقالها الافتتاحي بعنوان: (لكي لا تحدث الكارثة في اليمن)، وأعادت «الأيام» نشره في 30/4/2009م.

أشار الأستاذ يوسف الكويليت إلى أن ما يجري في اليمن شأن داخلي أولا وأخيرا، لكن مجرى الأحداث القائمة تجعله عربيا وبتحديد أدق خليجيا.. مضيفا «فأي انزلاق إلى المجهول سواء حدث انفصال بين الشمال والجنوب سوف تكون توابعه كزلازل هائل على أمن المنطقة كلها».

وضع الكاتب يده بل سنة قلمه الصادق والرائع على مكمن الخطر، فاليمن بصدق مهددة، وأي خطر لا سمح الله يمسها لن تقتصر أضراره ومخاطره على اليمن وحده، كما أشار الأستاذ يوسف. إدراك صحيفة «الرياض» ذات الأهمية المعروفة في الأوساط الرسمية والشعبية في المملكة الشقيقة بمحنة اليمن يشعرنا بالغبطة والامتنان، فالإدراك والشعور النبيل بمحنة اليمن والدعوة للمعالجة تبعث الأمل في نفوسنا كيمنيين خصوصا إذا ماعرفنا مدى تأثير المملكة على صانع القرار في صنعاء، وعلاقتها بالكثير من أقطاب المعارضة السياسية وقيادة الخارج وبعض أطراف الحراك الجنوبي.

العربية السعودية كأكبر وأهم دولة في الجزيرة في مجلس التعاون الخليجي هي المؤهلة لدعوة الأطراف السياسية اليمنية في الحكم والمعارضة والحراك الجنوبي وقادة التمرد في صعدة.

يقدم كاتب الافتتاحية رؤية موضوعية عميقة للارتباط العضوي بين اليمن ودول الخليج، فهو يرى ومعه كل الحق أن اليمن مرتبط عضويا وكيانيا بهذا الحيز الجغرافي، وأي خطأ في التقدير لو انزلق الوضع إلى حالات من التشرذم والحروب القبلية والإقليمية، فجانب الخسارة والتهديد الأمني لا يقع فقط على ميدان المعركة، بل سيطال كل دول الخليج.

القراءة النافذة بحاجة إلى تبنٍ من قبل مجلس التعاون الخليجي، وفي الرأس السعودية، كما بالقدر نفسه تلزم اليمنيين حكومة ومعارضة وكل ألوان الطيف المجتمعي والفكري والسياسي وخصوصا قادة الاحتجاج الجنوبي ومتمردي صعدة للاستجابة للرأي، وحث الأشقاء في الخليج على تبني قضية من هذا النوع وتحويلها بل وجعلها مهمة عاجلة لإنقاذ جار وشقيق تعرض لمحنة قاسية وتهديد جدي. لكم نرجو ونتمنى أن تتنادى الدول الخليجية بتدارس الأمر الملح والعاجل، ودعوة الأطراف اليمنية المعنية، والاطلاع على جوهر المشكلة بل المشاكل المؤرقة والمزمنة بين مختلف الأطراف. تستطيع المملكة أن تلعب دورا مهما في مساعدة اليمن على تجاوز المحنة القائمة والتهديد القادم.

يشير الكاتب إلى أهمية تأسيس صندوق دعم بميزانية كبيرة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية يخرج من نطاق الأماني والكرم الحاتمي إلى الضرورات الأساسية. والقضية تتجاوز نبل البعد القومي والإنساني لمثل هذا الدعم إلى حقيقة تهديد وجودي سيطال الجميع كحقيقة إدراك السيد يوسف.

حقيقة لا يكفي الدعم على أهميته بل لابد من معالجات لأوضاع اليمن كلها وفي مقدمتها التطاحن السياسي المنذر بالكارثة فعلا. ومقالة «الرياض» تومئ بأصابع ضوئية لهذا الأمر الجلل. توحي الافتتاحية بضرورة اجتماع القيادات الخليجية مع الرئيس علي عبدالله صالح وكل أطراف النزاع، ويدرك أخوتنا قادة الخليج أن حرب94 قد جرت الكارثة، وكانت البداية المرعبة لمسلسل المحن المتناسلة.. الأمر الذي يتطلب اعترافا صادقا من الحكم بهذه الحقيقة البديهية، وتغيير الخطاب المعمد بالدم وعدم الاحتكام إلى السلاح في حل الخلافات.. وعلى المعارضة أن تستجيب لصوت العقل ومنطق الحكمة واستشعار المخاطر المحدقة بالجميع.

لقد وافق العديد من أطراف العمل السياسي في الحكم والمعارضة في العام94 على توقيع اتفاقية (وثيقة العهد والاتفاق) وجوانب منها ماتزال صالحة، ولكن ظروفا جديدة قد استجدت ودخلت أطراف جديدة في حلبة الصراع، فلم يعد الموقعون على الاتفاقية هم الطرف المعني وحدهم فقادة الحراك الجنوبي والمتمردون في صعدة وممثلو مؤسسات المجتمع المدني ذات الوزن والتأثير وربما شخصيات عامة أيضا.

إن دعوة توجه قادة الخليج لمساعدة اليمن على تجاوز محنته عمل عظيم بكل المعاني، وهو إنقاذ لليمن بقدر ما هو إنقاذ للمنطقة كلها، وتجنيب الأمة العربية كارثة منتظرة تبدأ ولا تنتهي.. وكم نتمنى لو أن الموقعين في عام94 على وثيقة العهد والاتفاق يدركون أن النكوص عن الاتفاقية والانجرار إلى الحرب ونبش الأحقاد المميتة والميتة ومحاولة الاستئثار بالحكم عواقبه وخيمة ومآله الهلاك.. هلاك الجميع. عظيم أن يستشعر إخوتنا في السعودية والخليج خطورة الأوضاع في بلادنا، وحري بنا كيمنيين أن ندرك خطورة أوضاعنا وما نفعله بأنفسنا، وليس علينا الانتظار حتى تحقق الدعوة النبيلة.

إن الكف عن خطاب الحرب والتخوين، ووقف الأعمال العدوانية والتمزيق والتفتيت، وإطلاق سراح المعتقلين على ذمة الحرب في صعدة أو الحراك الجنوبي هي الخطوة الأولى والضرورية، والأهم إيقاف التداعيات المؤدية للاحتراب والتفكك.

أليس من العار على حكامنا أن يستشعر جوارنا الخطر الداهم بينما يغرق الحكم وأجهزة دعايته في التحريض على الفتنة والتعبئة العامة لحرب لا تبقي ولا تذر، وسيكونون هم من جملة الضحايا.

إن الأزمة الشاملة لن يحلها دق طبول الحرب. والفاجعة الكبرى الزج بالمساجد البيوت التي أذن الله أن يذكر فيها اسمه، وأن يزج بها للدعوة للحرب المقدسة والجهاد ضد شعب جائع ومحروم وصابر.

لا نستغرب ولوغ وعاظ السلاطين ومرشدي الإرهاب ومحاوريه، فهم صناع رابطة الطغاة في كل زمان ومكان. ولكن الخشية أن يوظف المسجد مكان الوحدة والتوحيد والعبادة في إشعال حرب أهلية ستكون اليمن والجوار وقودها. وقد أدرك جوارنا الطيب هذه الحقيقة فمتى يعي حكامنا ومعارضتنا واحتجاجنا هذه الحقيقة الساطعة سطوع رابعة النهار؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى