الصحة في الإنعاش

> محمد بالفخر:

> في طريقي من صنعاء إلى حضرموت رافقني مواطن حضرمي مع عائلته، بعد أن قضوا شهرين في صنعاء للعلاج الكيميائي من مرض السرطان، الذي أصيبت به إحدى نسائهم، نسأل الله لها الشفاء.. تأسفت لحال هذه الأسرة التي تتكبد تكاليف السفر سواء المالية أو التعب الجسدي لمدينة بعيدة عن حضرموت، خاصة أنهم بحاجة للسفر كل شهر تقريبا، وفي ظل وضع مالي صعب يعانون منه.
ليست هذه المشاهدة الوحيدة التي اطلعت عليها، فهناك حالات كثيرة جدا، والسؤال هل يعقل أن تخلو محافظة كبرى مثل حضرموت من منشآت طبية تكفي أهلها متاعب السفر وخسائره؟ هل يعقل أن يموت الناس مرضا و فقرا في بلد معظم ثروات اليمن ومسؤوليها ومتنفذيها تنبع من باطنه؟.
هل من المقبول أن تخلو عاصمة الجنوب (عدن) من مستشفيات كبرى سواء حكومية أو خاصة تقدم لأبناء الجنوب عامة علاجا لمرضاهم؟.
إن من يشاهد حال مستشفيات الجنوب يعلم أن هناك كارثة صحية بمعنى الكلمة، فلاتوجد مستشفيات متوفرة حتى بالشكل المتوسط، ناهيك عن أداء نوعي لكل المنشآت الصحية.. وسأختصر الكلام هنا عن عدن و حضرموت.
أين تذهب كل الأموال المخصصة للقطاع الصحي ؟، وهل هي مخصصات كافية لتقديم خدمات صحية مناسبة لبني البشر؟.
هناك إهمال متعمد للمستشفيات والمراكز الصحية يلاحظه كل من دخل تلك الأماكن، يكفي شكل المنشأة الذي يبعث الضيق والمرض في النفس، فماذا عسى أن تقدم تلك المدافن المسماة مستشفيات؟!
فعلى سبيل المثال مستشفى الجمهورية بعدن، الذي أنشأته بريطانيا إبان احتلالها للجنوب، وكان اسمه (مستشفى الملكة إليزابيث)، التغيير الوحيد الذي أدخلوه على المكان هو تغيير اسمه من الملكة إلى الجمهورية، أما كل ما يتعلق به من تجديد أو توسيع أو تقديم خدمات طبية للمواطن فكلّا، ومن يدخله يشاهد المبني مهترئ متسخ لا نعلم كيف يعالج فيه المرضى؟ أو كيف تعمل فيه عمليات جراحية أصلا ؟.
ومثله مستشفى الصداقة الذي بناه الاتحاد السوفيتي، والذي لم يبق منه إلا الاسم، أما الشكل والمضمون فقد انتهى.
أما مستشفى عدن الذي بنته السعودية فقد أغلق تماما، مع أنه في صعدة وحجة بنت السعودية مستشفيات مشابهة وبقيت لليوم تقدم خدمات طبية للناس تحت إدارة وتمويل من حكومة المملكة، في حين مستشفى عدن سلمت إدارته لمن قاموا بإغلاقه بعد عقدين من افتتاحه !!
وهناك أيضا مستشفى ابن خلدون في لحج و الرازي في أبين و ابن سيناء في المكلا، التي قامت الكويت بإنشائها في الثمانينات، والتي صارت تشكو الإهمال وكأنها صارت فقط مكانا تاريخيا يجب أن يغمرها التراب وتطمس معالمها الأوساخ.
من السبعينات ومرورا بالثمانينات باستثناء ما قدمته بعض الدول من إقامة مستشفيات ومرورا بالتسعينات وما يسمى دولة الوحدة، هل قدمت شيئا جديدا أو على الأقل رممت ما تصدقت به علينا دول الخارج؟
ملايين توضع في مجال الصحة على الورق فقط في ميزانيات الدولة و أحجار أساس توضع لمشاريع طبية في الجنوب، لكن الواقع غير ذلك تماما.
ولو تكلمنا عن المستشفيات والمراكز الخاصة فلا تختلف كثيرا عن النمط الحكومي في الإهمال والمنظر الذي يبعث على التقزز وانعدام خدمة طبية ابتداء من التشخيص الدقيق للمرض وحتى صرف الدواء المناسب ولا ننكر وجود الكثير من الأطباء من أبناء البلد أو من غيرهم في غاية المهارة والأمانة الطبية.
هذه الحالة المتردية للخدمات الطبية في الجنوب تجعل الكثير من المرضى وبحسب قدراتهم المالية فمن يستطيع الفرار بنفسه والنجاة بحياته يسافر خارج حدود اليمن ومن يعاني فقرا و قلة ذات يد يلجأ للسفر إلى صنعاء .
ولا ننسى هنا دور بعض رجال الخير والجهات الخيرية التي تقيم كل فترة مخيمات طبية تعالج بعض الأمراض المستعصية أو تقوم بإجراء العمليات المكلفة، لكن يظل جهدا محدودا ولا يخلو من سمسرة البعض.
كيف لأصحاب ثروة وكثافة سكانية ليست بالكبيرة أن يعانوا الفقر وتنعدم لديهم أبسط الخدمات الطبية التي يجب أن تقدم لهم كبقية البشر؟
وكيف يسمح لمستشفيات خاصة أن تزاول عملها بتلك الرداءة ؟
وأين تخطيط وزارة الصحة لمتابعة احتياجات المستشفيات والمراكز الطبية؟.
في ظل هذا الوضع السيئ الذي ينم فقط عن سوء إدارة وانعدام تخطيط واستخفاف بحياة أبناء الجنوب صار من الأفضل أن تخصخص هذه المنشآت الطبية الحكومية وتسلم لأيدي مستثمرين، وتحول ميزانيات تشغيل المستشفيات المتداعية إلى تأمين صحي يحصل عليها للمواطنين من ذوي الدخل المحدود طالما عجزت الدولة عن تقديم الخدمات كما يجب، وليكن عليها فقط متابعة عمل المستشفيات الخاصة، وهذا أضعف الإيمان!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى