القرآن ومعجزاته

> محمد حسين دباء:

> إننا في الشهر الكريم سنتناول ثلاثين حلقة في معجزات القرآن الكريم تحت مسمى (القرآن ومعجزاته) لنتوقف على إبراز الجمال البياني الذي يتمثل في نظم الآيات، وإدراك وجوه التناسق بين الألفاظ والكلمات، وقد انجذب إلى جماله بلاغة القرآن الكريم حتى المنكرون في عهد البعثة المحمدية .. يدل عليه ما عبر عنه الوليد بن المغيرة حين سمع النبي (صلى الله عليه وسلم) يتلو القرآن فإذا به يقول: “والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وما يقول هذا بشر” (تفسير ابن كثير -الجزء الرابع- ص 430 )؛ وقصة إسلام عمر رضي الله عنه تبقى هي الأخرى دلالة على الجمال البلاغي للقرآن؛ والصحابي الشهير مصعب بن عمير الذي أسلم على يديه الكثير من الأنصار في المدينة قبل أن يتوافد إليها المسلمون مع نبيهم صلى الله عليه وسلم.
وقد حاول بعضهم أن يأتوا بمثله، إلا أنهم ما بلغوا معشار عشره من حيث الفصاحة والبلاغة، وإلى هذه الحقيقة يشير العلامة سيد قطب بقوله: “كيف استحوذ القرآن على العرب، وكيف اجتمعوا على الإقرار بسحره؟”، ثم هو بنفسه يجيب عن هذا السؤال قائلاً:“إن السحر القرآني الذي ينبثق من صميم النسق القرآني هو الذي جعله يستحوذ على العرب”، (التصوير الفني في القرآن الكريم - سيد قطب – ص 17 ).
ومن جهة أخرى فإن التفسير البلاغي يتوقف إلى حد كبير على الثروة اللفظية للغة العربية التي قد بلغت أوجها من الرقي والازدهار وقت نزول القرآن، وذلك بعد تداولها جيلاً عن جيل، واللغة العربية التي جاء بها القرآن لا تخضع تمامًا للترجمة إلى أية لغة في العالم؛ إذ لا يوجد بين اللغات المحلية والعالمية ما يحمل معناه مستلهمًا لروحه ومستوعبًا لعظمته، وجميع الترجمات القرآنية الموجودة في مختلف اللغات لدينا تنم عن هذا القصور البشري.
وتتمثل بلاغة القرآن الكريم في تركيب كلمات آياتها ووضعها في مكانها اللائق،فالكلمات هي اللبنات الأساسية في بناء اللغة، ولو بدلنا كلمة مكان كلمة لاختل النظام القرآني وتدهور نغمه، وعلى سبيل المثال: “فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأنََّهُمْ حُمُرٌ مسْتَنفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ” (51)، فكلمة قسورة في الآية جاءت لمعنى الأسد، ولو وضعنا الثانية مكان الأولى علمًا بأنها أقرب إلى الإفهام، فإن التوازن بين الآيات يفسد، وتفقد الآية روعتها وجمالها، كما أن تركيب هذه الكلمات يعرض أهوال الحمر التي تحاول التخلص من قبضة الأسود، وكل كلمة تلمع في السياق القرآني كما تلمع النجوم، هذا بفضل مناسبتها ووضعها في مكانها اللائق .. في الحلقة القادمة – إن شاء الله – سنأخذ كلمات أخرى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى