تربويون: تسريب أسئلة الامتحانات كارثة في حق التعليم

> تقرير/ بشرى العامري:

> حظيت اختبارات الشهادتين الثانوية والأساسية باهتمام واسع ورقابة إعلامية ومجتمعية منذ الوهلة الأولى، ربما لما رافقها من وضع وأحداث استثنائية لم تجعل هذه الاختبارات المصيرية للكثير من الطلبة والطالبات بمنأى عن الصراع السياسي المحتدم على أشده في البلاد.
فمن أول يوم اختباري تم رصد تفشي حالات الغش بأنواعها،والاختلالات في اللجان والتنقلات المخالفة للقانون، إضافة إلى انتحال الصفة الشخصية، وغيرها لتصبح مؤخراً أكبر حدث في تاريخ التربية والتعليم اليمني، وهي تسريب نماذج الاختبارات للشهادة الثانوية قبل موعدها، ما أثار نوعاً من الإرباك وإلغاء مواد تلك الاختبارات وتأجيلها وفتح باب التحقيق لكشف معالم هذه الجريمة.
بدأت حادثة تسرب الاختبارات في مادتي التفاضل والتكامل والجبر والهندسة للقسمين العلمي والإنجليزي للثانوية العامة والتاريخ للقسم الأدبي وتبادل نماذج الاختبارات مجموعة واسعة من الطلاب والمهتمين على مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى بعض المواقع الإلكترونية لتجتمع على إثرها اللجنة العليا للاختبارات بشكل استثنائي برئاسة وزير التربية، تم بعدها إعلان تحويل ما يقارب 300 شخص للنيابة مع سرعة استكمال إجراءات التحقيق بتهمة تسريب الاختبارات، والذين لم يتم الكشف عن هوياتهم أو عملهم حتى الآن، أو حتى ملابسات هذه الحادثة أو نتائج تلك التحقيقات حتى كتابة هذا الاستطلاع.
كما تم إلغاء أسئلة بقية مواد الاختبارات التي تلتها، وإعادة صياغة نماذج اختبارات جديدة، وإنشاء (كنترول) ومطبعة سرية في كل محافظة لاختبارات المرحلة الأساسية والثانوية، واستمرار عمل اللجان الفرعية في عملية الاختبارات وﻭﺿﻊ ﺧﻄﺔ ﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻗﺪﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻄﺎﺑﻊ ﻭﺍﻟﻜﻨﺘﺮﻭﻻ‌ﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻴﺘﻢ ﺇﻧﺸﺎﺋﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻛﻞ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺆﺩي اﻻ‌ﺧﺘﺒﺎﺭﺍﺕ ﺑﻜﻔﺎﺀﺓ ﻭﻣﻬﺎﺭﺓ ﻋﺎﻟﻴﺔ، بالإضافة إلى ﺍﻋﺘﻤﺎﺩ 50% ﻣﻦ ﺩﺭﺟﺎﺕ اﺧﺘﺒﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺼﻒ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺛﺎﻧﻮﻱ ﻭ50% ﻣﻦ ﻣﺤﺼﻠﺔ ﺍﻟﻄﻼ‌ﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻔﻴﻦ (ﺃﻭﻝ ﺛﺎﻧﻮﻱ- ﺛﺎﻧﻲ ﺛﺎﻧﻮﻱ) ابتداء من العام القادم، وحذرت اللجنة في بلاغها من تسول له ﻧﻔﺴﻪ اﻠﻌﺒﺚ بالعملية ﺍﻻ‌متحانية.
* إجراءات قانونية لم تنفذ
في تصريحات صحفية لوزير التربية والتعليم د. عبدالرزاق الأشول، أكد فيها أن ما حدث لن يمر دون عقاب ولن يتم التهاون مع كل من يثبت تورطه في عملية تسريب أسئلة الامتحانات، وسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة إزاءهم، مؤكداً: "أن الوزارة ستراعي هذا الجانب بالنسبة للطلاب في بقية المواد التي لم يتم امتحانها أو التي تم إلغائها أو تأجيلها سواء في نماذج الأسئلة البديلة، أو أثناء عملية التصحيح، معتبراً أن ما حدث يعد مخطط (شيطاني) يستهدف البلاد برمتها وليس الاختبارات فقط"، حد قوله.
فيما أعتبر تربويون تسريب أسئلة الامتحانات سقوطاً أخلاقياً وفساداً كبيراً وكارثة في حق التعليم، وجريمة بحق وطن وجيل بأكمله، وتخفي الكثير من الاستهانة والاستخفاف بحصانة العملية الامتحانية، إضافة إلى الصدمة الكبيرة والأضرار النفسية التي لحقت بأوساط الطلاب والطالبات الذين يعيشون أوقات عصيبة كلها خوف وقلق.
* أنواع مختلفة للغش
رافق الإعلام كعادته اللحظات الأولى لبدء اختبارات العام الدراسي الحالي وتم رصد حالات متميزة للغش، بعضها فريد من نوعها، وبالرغم من اتخاذ وزارة التربية والتعليم اليمنية، تدابير عديدة لمنع ظاهرة الغش من بينها تعدد نماذج الأسئلة وإمداد مراكز الامتحانات بأكثر من 120 ألف تربوي كمراقبين ومشرفين محليين ومركزيين ورؤساء لجان وملاحظين، إضافة إلى أكثر من 30 ألف جندي لمنع حالات الغش تحت تهديد السلاح، إلا أن ذلك لم يمنع أو يحد من تلك الحالات، لتسجل بعض وسائل الإعلام حدوث فشل ذريع لوزارة التربية لأول مرة في تاريخها.
وكشفت التحقيقات الأولية: "أن أربع محافظات متورطة في عملية تسريب الامتحانات، وفقا للتحقيقات الأولية هي (أبين ولحج وشبوة وحجة) و896 حالة غش وانتحال شخصية حتى نهاية الأسبوع الثاني من سير الاختبارات، وكان من أبرزها اقتحام محافظ محافظة صنعاء، أحد المراكز الامتحانية بأمانة العاصمة في اليوم الثاني لبدء الاختبارات، وبرفقته عدد من المسلحين وشخصيات اجتماعية في المحافظة الذين خلقوا حالة ذعر وخوف كبير بين أوساط الطلاب الذين يؤدون الامتحان، وقام بإخراج عدد من المراقبين والمشرفين لعملية سير الامتحانات، واستبدالهم ببعض ممن كانوا برفقته،كما تم الكشف أن إدارة المركز الامتحاني في الـمدرسة (30 نوفمبر) المقتحمة من قبل المحافظ، والذي يدرس فيها طلاب من صنعاء بينهم أبن المحافظ، حيث ضبطت حالة غش، اعتبرت الأولى من نوعها عبر خدمة (الواتس آب)، بالإضافة إلى ضبط حالتي انتحال شخصية في نفس المركز".
وأضافت التحقيقات" أن المحافظ برر عمله ذلك بأنه يرأس المركز الامتحاني في ذلك المركز، وأنه تم اتخاذ إجراءات جديدة لأول مرة يتم فيها الإشراف المباشر من قبل قيادات المحافظة ومديري المكاتب التنفيذية"، بحسب قوله.
وشملت عملية سير الامتحانات (غش جماعي) في بعض المراكز الامتحانية، خصوصا في بعض الأرياف والأماكن النائية حيث لوحظ فيها تكدس أولياء الأمور أمام المراكز في محاولة لتسريب الغش إلى قاعات الامتحان، وكذا قيام أولياء الأمور من الشخصيات العامة بنقل أبنائهم من مركز امتحاني لآخر بشكل ارتجالي وبتواطؤ مع بعض الشخصيات داخل مكاتب التربية بالأمانة.
* مماحكات سياسية
اعتبر مسؤولون في وزارة التربية ما حصل من حادثة تسريب نماذج الاختبارات، عملا يستهدف قيادات الوزارة وجهود العاملين فيها، وليس لغرض الغش، وأن الحادث يدخل في إطار المماحكات السياسية بين الأطراف المتناحرة، الهدف منها إفشال الحكومة وليس الاختبارات.
فكل طرف فيها يحاول بشتى الطرق إفشال الطرف الآخر وإظهاره كالعاجز أمام مواجهة التحديات المتكررة، حتى ولو على حساب مستقبل الأجيال القادمة، وفي إطار الهجمة المتبادلة بين القوى السياسية المتضاربة، كان من نصيب وزير التربية والتعليم المحسوب على (الإصلاح) هو تسريب نماذج الاختبارات بهذه الطريقة المستفزة للمجتمع بأسره.
لكن من جانب آخر هناك من يرجع حادثة التسريب إلى الفساد المالي والإداري في وزارة التربية والتعليم، وقيام الوزارة بطبع أسئلة اختبارات الثانوية العامة لهذا العام في مطابع خاصة، وليس كما هو معتاد طباعتها في المطبعة السرية التابعة للوزارة، خصوصاً -كما يشاع- أن التسريب جاء من هذه المطابع التي تعود إلى شخصية قيادية في حزب الإصلاح،
غير أن المسؤولين على الاختبارات أكدّوا أن الأسئلة طبعت في المطبعة السرية التابعة للوزارة، وأن تسريب أسئلة الرياضيات والجغرافيا، ربما جاء عن طريق أحد أو بعض العاملين، وهو ما أكده وزير التربية بنفيه في أن تكون الأسئلة قد طبعت بأي مطابع خاصة، وقال في إحدى لقاءاته: " لقد انصدمتُ عندما وجدتُ إدارة الامتحانات تفتقد للتجهيزات والمتطلبات لإجراء عملية اختبارية وطنية "، منوهاً: " بأن كل التجهيزات والمتطلبات كان يتم استعارتها سنوياً من اللجنة العليا للانتخابات بملايين الريالات حيث نتمكن من خلالها من طباعة أسئلة الامتحانات خلال فترة لا تتجاوز ما بين10 أيام أو أسبوعين".
وأشار إلى: "أنه ستتم عملية الترتيب للسنة المقبلة بأحدث التقنيات والتطويرات التي أدخلناها، والتحدي بإنزال أربعة نماذج بالبطاقة الالكترونية في عملية الفحص، وإنشاء النظام الإلكتروني لإدارة الامتحانات، وغيرها من القضايا".
* انتظار نتائج التحقيقات
يؤكد مسؤولون تربويون: "أن لجنة التحقيق تستطيع معرفة المتورطين في تسريب أسئلة الامتحانات بسهولة من خلال إعادة مظاريف المواد المعلن عنها، فالظرف الذي تم فتحه وكشف محتواه لا يمكن إعادته كم كان طالما مختوم بالشمع الأحمر، كما لا يستبعدون حدوث تصوير للأسئلة بالتلفونات أثناء إدخال الأسئلة إلى المظاريف، أو احتمال أن يكون التسريب تم من المطبعة السرية".
عموماً يبقى انتظار نتائج التحقيقات التي ستكشف من يقف وراء هذه العملية، والمهم هو سرعة إعلان نتائج التحقيقات وكشف المتورطين بعيداً عن التعتيم والتعميم وبحيث يتضح للرأي العام أبعاد وخفايا هذه التسريبات التي مثلت انتهاكاً صارخاً لحصانة العملية الامتحانية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى