القرآن ومعجزاته

> محمد حسين دباء:

> إن العرب كانوا أهل فصاحة وبيان يشهد لهم بذلك أشعارهم وخطبهم وأمثالهم ومقدرتهم على النقد، وتمييز الغث من السمين، وكانوا قد برعوا في اللغة ووصلوا إلى مستوى رفيع، وقد وصفهم الرافعي بقوله: ((كالعرب أصحاب الفطرة اللغوية والحسن البياني الذين صرفوا اللغة، وشققوا أبنيتها، وهذبوا حواشيها وجمعوا أطرافها واستنبطوا محاسنها".
وقد كان العرب على مستوى رفيع من البلاغة والنقد والذوق البياني، خذ مثلاً على ذلك، أنه عرض على الخنساء بيتان من الشعر لحسان بن ثابت في سوق عكاظ وهي قوله:
لنا الجَفَناتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ بالضحى *** وأسيافُنا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةٍ دماَ
ولدنا بني العنقاء وابني محرق *** فأكرم بنا خال وأكرم بنا ابنما
فقالت الخنساء: ((ضعفت افتخارك وأَنزلته في ثمانية مواضع، قال: وكيف. قالت: قلت ((لنا الجفنات)) والجفنات ما دون العشر، فقللت العدد، ولو قلت الجفان لكان أكثر، وقلت ((الغر)) والغرة الباقي في الجبهة، ولو قلت البيض لكان أكثر اتساعًا. وقلت ((يلمعن)) واللمع شيء يأتي بعد الشيء ولو قلت يشرقن لكان أكثر لأن الإِشراق أدوم من اللمعان. وقلت ((بالضحى)) ولو قلت بالعشية لكان أبلغ في المديح لأن الضيف بالليل أكثر طروقًا. وقلت ((أسيافنا)) والأسياف دون العشر. ولو قلت سيوفنا كان أكثر. وقلت ((يقطرن)) فدللت على قلة القتل، ولو قلت يجرين لكان أكثر لانصباب الدم، وقلت دما والدماء أكثر من الدم وفخرت بمن ولدت ولم تفتخر بمن ولدوك)).
برغم فصاحتهم وبلاغتهم انبهروا بفصاحة وبلاعة القرآن الكريم ولو أخذنا في حلقة اليوم مسألة (التنكير والتعريف) فقط في كلمتين لنرى عظم التعبير القرآني، حيث إن كلمة (أحد) نكرت بينما كلمة (الصمد) عرفت – بال التعريف – في قوله تعالى: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)".
حكمة تنكير (أحد) أنها مسبوقة بكلمتين معرفتين (هو الله) وهما مبتدأ وخبر، وبما أن المبتدأ والخبر معرفتان ودلالتهما على الحصر، فقد استغني بتعريفهما ودلالتهما على الحصر عن تعريف (أحد).
فجاء لفظ (أحد) نكرة على أصله، لأن الأصل في الكلمة هو التنكير، فهو نكرة (وإعرابه خبر ثان).
كما أن لفظ (أحد) جاء على التنكير للتعظيم والتفخيم والتشريف وللإشارة إلى أن الله تعالى فرد أحد لا يمكن تعريف كيفيته ولا الإحاطة به سبحانه وتعالى.
أما (الصمد) فقد جاء معرفة في الآية الثانية لأن (الله الصمد) مبتدأ وخبر، وجاءا معرفتين ليطابقا (هو الله) في الآية الأولى، وقد جاء تعريف (الله الصمد) ليدل على الحصر أيضًا.
فقوله "هو الله أحد" يدل على الحصر لتعريف المبتدأ والخبر (الأحدية محصورة بالله).. وقوله "الله الصمد" يدل على الحصر أيضًا لتعريف المبتدأ والخبر (والصمدانية محصورة بالله).. هذا والله أعلم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى