رساميل البنوك

> محمد نجيب:

> “يجب أن يكون لدى البنوك الأوروبية رؤوس أموال كافية.. يجب أخذها بمحمل الجدية البالغة”...أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية.
لا يمكن لأي نظام اقتصادي أياً كان إسلاميا أو رأسمالياً أو اشتراكياً أو مختلطاً... إلخ البقاء بدون البنوك، الشريان الحياتي للاقتصاديات الكونية المعاصرة.
تاريخيا، كانت الوظيفة الأساسية للبنوك هي حفظ أموال (ودائع) وأصول (مقتنيات ووثائق) العملاء بصورة مأمونة،وخلال المائتي عام الأخيرة تطور وتوسع دور البنوك، خاصة في الدول الغربية الأوروبية والولايات المتحدة، وذلك بسبب تكدس الثروات العامة والخاصة، والتقدم الاقتصادي الذي وصلت إليه هذه الدول(1).
ولقد ساهمت البنوك بفعالية في نمو الحركة الدولية وتحويل الأموال من وإلى أغلب مناطق العالم إلى المشاركة والاستثمار في مشاريع صناعية وتنموية وخدمية إلى تمويل مشاريع عملاقة في البنية الأساسية كالطرق والمطارات والكهرباء والمستشفيات.. الخ، وأظهرت فترات ما بعد الحروب الكبيرة المدمرة وخاصة فترةالحرب العالمية الثانية، التي أعطت العالم نحو 70 عاماً من السلام، الدور الإيجابي والبناء الذي تلعبه البنوك في المساهمة (عبر التمويل) في إعادة إعمار بلدان ومناطق الحروب(2).
وفي وقتنا الحاضر تلعب البنوك دوراً كبيراً في النمو الاقتصادي لكل دولة، وبذلك أثبتت في أنها جزء من عملية التقدم لكل دول العالم شرقها وغربها، وقد صاحب عملية التطوير والتوسع نموا وتضخما في أحجام الأموال التي بعهدتها وتلك التي تديرها، حتى أن ميزانيات القوائم المالية لعدد من البنوك الكبيرة تظهر إجمالي أصول فاقت الناتج القومي الإجمالي (GDP) لبعض اقتصاديات الدول الكبرى واقتصاديات عدة دول ناشئة مجتمعة.
* أمثلة(3):
سم البنك :البنك الصناعي التجاري الصيني الصيني - مجموع الأصول (تريليون دولار):3.067 - البلد: الصين.
- اسم البنك: مجموعة هونج كونج شنغهاي المالية - مجموع الأصول (تريليون دولار): 2.723 - البلد: بريطانيا.
اسم البنك: مجموعة كريديت أجريكور - مجموع الأصول (تريليون دولار): 2.623 - البلد: فرنسا.
- اسم البنك: بنك بي إن بي باري با - مجموع الأصول (تريليون دولار): 2.504 - البلد : فرنسا كما أسهمت كل من العولمة (التكامل العالمي لحركة السلع ورأس المال والوظائف) والتقدم التكنولوجي (خاصة صناعة تقنية المعلومات والاتصالات) في تغيير الاقتصاد العالمي تغييراً كبيراً وغير مسبوق، خاصة في التجارة، وأدى انهيار المعسكر الاشتراكي في 1989 م وتحول دُوَلِهِ إلى سياسات السوق على توسيع انتشار البنوك خاصة في أوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفيتي سابقاً.
كل هذه العوامل أعلاه ساعدت وسرّعت في عمليات ووظائف البنوك وكذالك على انتشارها على مستوى العالم.
ولكن الصورة الوردية (الفقرات السابقة) خاصة كبر ونمو البنوك وتطور وتوسع أدوارها وأنشطتها المتألقة والمزدهرة لم يمنعها أو يقيها من إحداث نكسات وكوارث مالية ساحقة ومدمرة (وبدرجات متفاوتة) اجتاحت كل أنحاء المعمورة كأمواج التسونامي لتبطئ عجلة الاقتصاد العالمي وتؤثر سلباً ومباشرة في حياة ورفاهية الملايين من البشر في كل أنحاء المعمورة وخاصة الطبقة المتوسطة المحرك الرئيسي للتنمية، وأن الأزمة المالية العالمية الأخيرة (2008 م) المشوؤمة، أسوأ أزمة اقتصادية عالمية منذ ثلاثينيات القرن الماضي هي خير مثال حي، لأن تبعاتها ونتائجها مازالت قائمة وملموسة إلى يومنا (تراجع/انكماش/ بطء الاقتصاد العالمي، ديون سيادية خرافية، مستويات بطالة عالية وغير مسبوقة، سياسات تقشف عقيمة ومجحفة،عجوزات المالية العامة... إلخ).
بحسب عدد كبير من الاقتصاديين فأن الإقراض الضخم في الولايات المتحدة أكبر دولة مستهلكة (سوق) في العالم غذى فقاعة الأصول التي قادت إلى الأزمة المالية العالمية، بالإضافة إلى أن (إفراط) (4) البنوك (خاصة الكبيرة) في المديونية كان المحفز لحدوث الأزمة، ولقد كان أحد هذه البنوك أول ضحاياها، حيث أنهار بنك ليمان برادرز الاستثماري الذي تأسس عام 1850 م واختفت معه أصول بنكية تقدر نحو 639 مليار دولار، وحينها وعلى الفور بدأت السلطات المالية البنوك المركزية/ السلطات المالية في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية حتى اليابان واستراليا وكوريا الجنوبية وبعض دول الاقتصاديات الناشئة بوضع برامج انقاد للبنوك في دولها يحول دون إنهيارها لاحقاً كتبعات للأزمة، وقدرت إجمالي المبالغ التي ضخت من قبل حكومات الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية في رؤوس قطاعتها البنكية بنحو 1.5 تريليون دولارا.
* جوهر (برامج الانقاد) كان دخول الدولة كشريك في البنوك الكبيرة وضخ قيمة (سيولة) هذه الشراكة في رؤوس أموال هذه البنوك التي كانت تترنح على حافة الهاوية لإبقائها، بالدرجة الأولى، سائلة (لديها سيولة نقدية) أثناء تداعيات الأزمة وبجانب حقن السيولة في رؤوس الأموال تم التأسيس لبيئة عمل صارمة فيما يخص نشاط البنوك والاجراءات التحوطية لعملياتها وأساليب الوقاية من تكرار الأمر، أو الوقوع في مشاكل كبيرة وخطيرة، وكان من أهم هذه التطورات هي إخضاع البنوك لـ (اختبار الجهد) (STRESS TEST) وتم أيضاً وضع (برامج انقاد) في أغلب هذه الدول للصناعات والقطاعات الاستراتيجية الاقتصادية كالإسكان، والسيارات والتأمين... الخ.
*وللإحاطة، فأن برامج (انقاذ) البنوك يختلف عن - وهو غير برامج (التحفيز) الاقتصادية - (برامج التحفيز الكمي / النقدي المعروفة بال (QE)، وقد نجحت برامج انقاد البنوك في الولايات وبعض دول الاتحاد الأوروبي بصورة مبهرة واستثنائية وبنهاية العام 2013م تعافت كل البنوك الأمريكية وغالبية الأوروبية واسترجعت (خرجت من الشراكة) حكومات هذه الدول مبالغ الانقاذ التي ضختها وبالكامل مضاف إليها أرباح مجزية.
*وكمثال هو ما يقوم به حاليا بنك (دويتشة) أكبر بنك ألماني لوضع حد للشكوك بشأن قوة رأسماله من محاولته أخيراً جمع 8 مليارات يورو (11 مليار دولارا) لزيادة رأسماله بمشاركة الأسرة الحاكمة في قطر كمستثمر رئيس، نفس البنك كان قد جمع 13.2 مليار يورو لنفس الغرض بين عامي 2010م و 2013م.
*وبحلول الربع الثالث من العام 2013م وصلت مستويات رأس المال في النظام المصرفي الغربي إلى ثلاث أضعاف كما كانت عليه قبل الأزمة.
*ومن خلال ما ذكر رأينا الدور المهم والمصيري التي تلعبه قاعدة رأس المال خاصة في القطاع المصرفي أثناء الأزمات والأوقات العصيبة.
*سؤال : هل لزاما فقط عند الأوقات الصعبة رفع رأس المال؟
الجواب بالطبع بالنفي .. البنوك عليها أن ترفع رؤوس أموالها بدرجة أساسية وأولوية مطلقة تلبية لقوانين وتشريعات/ البنوك المركزية/ السلطات المالية.
وأيضا لمتطلبات توافقية وفنية تتعلق أساسا في العلاقة بين رأس المال إلى الأصول وإلى الودائع، وإلى الالتزامات الخ من خلال نسب (RATIOS) مئوية تظهر الحد الأدنى القانوني المطلوب.
*وبنفس الأهمية هناك أيضا مقررات لجنة (بازل) الدولية التي تخضع البنوك لمتطلبات رأسمالية أعلى يجعلها أقدر صموداً على امتصاص الخسائر في حال حدثت أزمة مالية مستقبلاً في وقتنا الحاضر على البنوك الالتزام بقرار (بازل) الذي يتمحور حول (معدل كفاءة رأس المال).
*ومن ناحية أخرى على البنوك أيضا أن ترفع رؤوس أموالها في الأوقات الطيبة والنمو والتوسع الاقتصادي لأسباب عديدة منها على سبيل المثال وليس الحصر الآتي:
1 - زيادة قدرتها على توفير القروض والتمويل والائتمان (زيادة زخم/ وتيرة النمو الاقتصادي وما يصاحبه من وظائف جديدة، استثمارات... الخ).
2 - إعطاء دفعة لأنشطتها وخططها التوسيعية في السوق (توفير خدمات ومنتجات أفضل / أكثر لعملائها، فتح فروع جديدة).
3 - دعم زيادة أرباحها وملاءتها المالية (قاعدة ملكية أوسع وأقوى وتصنيف ائتماني أعلى).
4 - تقوية المراكز المالية للبنوك بإعطائها مناعة وتزيد من سلامة النظام المالي (تحصين/ ثبات في حال إخلالات/ مشاكل في القطاع، الاقتصادي).
- وماذا عن كيفية زيادة رأس المال؟
الطرق والأساليب التالية هي الأكثر شيوعاً في رفع رأس المال:
أ - دخول شركة جدد من خلال طرح أسهم ملكية جديدة للاكتتاب:
1 - العام (البورصة/ سوق الأسهم).
2 - خاص / محدود (شركاء معينين/ إستراتيجيين).
3 - 1 و 2 معاً.
* ويزيد رأس المال بمقدار عدد الأسهم التي طرحت للاكتتاب وملكت مضروبة بقيمة السهم المعلنة، ويدفع قيمة الأسهم الجديدة نقداً في حساب تخصصه الجهة المسوؤلة عن الاكتتاب.
ب - توسعة قاعدة الملاك الحاليين/ حاملي الأسهم وذلك من خلال نسبة محددة ومرتبطة بالملكية، عدد الأسهم المصدرة (بحوزة حامليها) مثال على ذلك هو الآتي:
من يمتلك عدد 3 أسهم يحق له تملك سهم واحد في الاكتتاب الجديد، ومن يملك حالياً 6 أسهم، فسوف يتملك عدد 2 سهم جديدة وسوف يكون عدد أسهمه عند أقفال الاكتتاب 8 أسهم (6 قديمة و 2 جديدة).
ويتم تمويل زيادة رأس المال بالأسلوب أعلاه بالطريقتين التاليتين:
1 - نقداً .. يضرب عدد الأسهم الجديدة المتحصلة بالقيمة المعلنة (تماما كالمثال -أ- أعلاه) وتورد لحساب (رأس المال) تخصصه الجهة المسؤولة.
2 - عن طريق رسملة كامل المبلغ (كل الأسهم الجديدة مضروبة بقيمة السعر المعلن) من الأرباح المدورة/ المتبقاه أو الاحتياطيات (النظامية، الاختيارية) الموجودة في بند إجمالي حقوق الملكية في الميزانية المالية العمومية.
الحالة اليمنية :
*يوجد في الجمهورية اليمنية 18 بنكاً عاملاً في نهاية 31 ديسمبر 2013م منها 4 بنوك إسلامية و 3 بنوك تقليدية (تجارية) حكومية وبنك حكومي متخصص (بنك التسليف للإسكان) و 8 بنوك تقليدية (تجارية) محلية وأجنبية وبنكين تمويل أصغر، ورغم هذا العدد من البنوك الوطنية والأجنبية فإن القطاع البنكي اليمني يعتبر الأصغر في العالم العربي (بدون جيبوتي وجزر القمر والصومال) من حيث إجمالي أصوله البنكية التي تبلغ 2.7 تريليون ريال يمني أي حوالي 12.5 بليون دولار أمريكي، وبإجمال رسملتة المدفوعة والبالغة 130 مليار ريال (حوالي 605 مليون دولار) 2013/12/31م.
*بموجب متطلبات رأس المال المدفوع للبنوك العاملة في الجمهورية اليمنية الذي صدر بقرار مجلس إدارة البنك المركزي رقم 12 لسنة 2004م فإن الحد الأدنى (لرأس المال المدفوع) هو 6 مليارات ريال (سته مليارات ريال يمني) أي نحو 28 مليون دولار.
*وعندما صدر القرار أعلاه في العام 2004م فقد أعطى البنوك العاملة حتى 2009م لرفع رؤوس أموالها والالتزام بتنفيذ القرار، وإلى تاريخ 2013/12/31م رفعت كل البنوك رؤوس أموالها إلى 6 مليار ريال ماعدا بنكين برغم وجود بنكين أو ثلاثة رفعت رأس المال إلى ضعف المطلوب أو أكثر.
*ومنذ عام 2004م وإلى حينه حصل حدثين مهمين لها علاقة بالبنوك، أولهما وعلى مستوى الوطن هو إفلاس وانهيار البنك الوطني للاستثمار (البنك الوطني) بعد أقل من 4 سنوات من تأسيسة، والحدث الثاني هو الأهم ألا وهو حدوث الأزمة المالية العالمية في خريف 2008م.
ورغم هذين الحدثين الاستثنائيين على المستوين الوطني والعالمي لم يعرض البنك المركزي اليمني قراره الآنف الذكر للمراجعة وتصويب متطلب (أ).
الاستمرار في تحليل حال القطاع المصرفي اليمني سيقودنا حتماً إلى مبررات تستلزم إجراء هيكلة جذرية في القطاع، ولعل أهم تغيير قد يسهم في أحداث انقلاب هو تحرير البنك المركزي اليمني من القيود الحالية وجعله مستقلاً في اتخاذ قراراته ويكون ملزماً مثلاً، إلى برلمان الشعب بدلاً عن ما هو الوضع الحاضر والقائم، وبالرغم من نجاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل وتألق مخرجاته إلا أننا لم نجد حتى القليل فيما يخص موضوع القطاع المصرفي والتصورات لهذا القطاع على ضوء إقرار نظام الأقاليم الفيدرالية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى