القرآن ومعجزاته

> محمد حسين دباء:

> التكرار في القرآن الكريم: وهو من أساليب الفصاحة في اللغة العربية لما ينطوي عليه من فوائد في الكلام، فإن كلام البلغاء لا يتكرر عبثًا وإنما لفوائد ومعان جديدة، ولما كان هذا حال كلام العرب، فكلام الله أولى بذلك فإنك لا ترى كلمة أو آية تكررت إلا لحكمة وفائدة.
وقد استعمل التكرار في القرآن جريًا على عادة العرب في كلامهم، يقول الزَرْكشي: “وقد غلط من أنكر كونه من أساليب الفصاحة، ظناً أنه لا فائدة له، وليس كذلك، بل هو من محاسنها لاسيما إذا تعلق بعضه ببعض، وذلك أن عادة العرب في خطاباتها إذا أبهمت بشيء إرادةً لتحقيقه وقرب وقوعه، أو قصدت الدعاء عليه، كررته توكيدًا، وكأنها تقيم تكراره مقام المقسم عليه، أو الاجتهاد في الدعاء عليه، حيث تقصد الدعاء، وإنما نزل القرآن بلسانهم”.
وقبل أن أجمل أغراض وفوائد التكرار في القرآن الكريم أسوق للقارئ صورًا من التكرار في الشعر الجاهلي لبيان أنه من أساليب العرب المتبعة في الكلام.
مثال ذلك شعر المهلهل بن ربيعة بمناسبة حرب البسوس يصف الأيام التي كانت الدائرة فيها لبني تغلب على بكر:
على أن ليس عدلاً من كليب *** إذَا رَجَفَ العِضَاةُ من الدَّبُور
على أن ليس عدلاً من كليب *** إذا طُرِدَ اليتيمُ عن الجَزوُرِ
على أن ليس عدلاً من كليب *** إذا ما ضِيمَ جيرانُ المُجيرِ
على أن ليس عدلاً من كليب *** إذا خِيفَ الَمخُوف من الثّغُور
على أن ليس عدلاً من كليب *** غداةَ بَلابِل الأَمْرِ الكبير
إلى غير ذلك مما ورد في أشعارهم من تكرار بعض الكلمات أو الجمل، أما أهم فوائد التكرار في القرآن فهي:
1 - تقرير المعنى وتوكيده، فإن الكلام إذا تكرر تقرر، وقد ظهر هذا الأمر في المواطن الآتية:
أ – في الآيات المسوقة للوعيد والتهديد، كقوله تعالى: {كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}، وقوله تعالى: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ}.
ب – في الآيات المسوقة في مقام التعظيم والتهويل أو التعجب، كقوله تعالى: {الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ}، وقوله تعالى: {الْحَآقَّةُ * مَا الْحَآقَّةُ}، وقوله تعالى: {إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}، وقوله تعالى: {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ}.
جـ - في الآيات المسوقة في التنبيه على ما ينفي التهمة حتى يتلقى الكلام بالقبول، كقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي ءَامَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الأَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}.
د – في الآيات المسوقة في مقام الاتعاظ، كقوله تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ}.
هـ - في الآيات المسوقة في مقام إنعام الله على عباده وبيان قدرته كقوله تعالى: {أَفَرَءَيْتُم مَّا تُمْنُونَ} وقوله: {أَفَرَءَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ}، وقوله: {أَفَرَءَيْتُمُ الْمَآءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ}. والله أعلم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى