الشيخ عبدالله بن محفوظ الحداد.. علامة حضرموت والجنوب

> علي سالم اليزيدي:

> في تظاهرة عظيمة وكبيرة وذات صيت واسع المدى، احتفلت حضرموت بمدنها وقراها وعلمائها ومثقفيها قبل أسابيع بحولية السيد العلامة عبدالله بن محفوظ الحداد، الذي يعتبر مدرسة علمية وفقهية وثقافية حضرمية وفي الجنوب كله، وقد اُحتفي بهذه المناسبة من قبل كل الأوساط الحضرمية بكل أطيافها، إذ إن الرجل صاحب مدرسة في الاعتدال وعُرف بالوسطية، وهو الذي درج على نشر المبادئ التي تعلمها في حياته من حيث القيم الحميدة ودعوة التعايش والسلام والاطمئنان، وهذه المدرسة ترجمة لرسالة السماء.
وفي هذا الاحتفالية التي شهدتها حضرموت سنتكلم عن الرجل ومقاومته للظلم وبوادر انحيازه للمقاومة الشعبية في حضرموت، وبدايات الحراك الجنوبي في أعوام 1996 - 1997 م في المكلا، وشهد هذه الذكرى العاطرة عميد (دار المصطفى) عمر بن حفيظ والمنظم السيد البروفسيور عبدالله محمد باهارون رئيس جامعة الأحقاف، وعدد كبير من كبار العلماء والأدباء والسياسيين من عموم اليمن والخارج.
وكان السيد باهارون قد قال: “وكأنما الزمن يضع نفسه أمام الأحداث مرة أخرى... نحن اليوم في مدينة المكلا خاصة، وحضرموت عامة نشهد اضطرابات أمنية خطيرة تمس الأمن والبيوت والعائلات”، وتساءل باهارون: “لماذا يحدث هذا في حضرموت التي عرفت بالسلم والخير والاحترام؟!”. ونقول هنا: ولماذا يحدث في كل الجنوب أيضا؟! إذ إن حضرموت هي الميزان الذي تقاس عليه حركة الرفع والهبوط والاهتزاز منذ بداية القرن العشرين وما دار حولها من تأمرات وأطماع، وما أشبه الليلة بالبارحة، فها هي الأطماع الداخلية المرتبطة بخيوط الخارج تفتك بنا، حتى نخضع ويلتف الحبل حول رقابنا، وهذا السؤال الهام الذي طرحه السيد باهارون هو وليد اللحظة وهو رسالة تدور منذ سنوات من نحن في حضرموت؟ ومن يعبث بنا؟.
وقد سبق للسيد عبدالله محفوظ الحداد رجل الاعتدال والمرجعية الروحية والفقهية والصوفية الكبيرة أن وضع تساؤلات عندما اشتدت المحنة على حضرموت وساد الظلم على الناس في القضية المشهورة في منتصف التسعينات وحصلت مصادمات ودماء ومطاردات، وكان من أنصار الحراك في حضرموت قبل ظهور الحراك الجنوبي، وهو اللبنة التي انتشرت فيما بعد، فقد كان هذا الرجل صاحب الرأي القوي والشخصية الفذة يقف بعناد ولم تهتز له شعرة رغم تهديدات النظام إذ استهدفوا صحته، وقطعوا معاشه ثم أزاحوا اسمه من قوائم المنتفعين من الشقق الليبية بصنعاء عمدا لإثارة غيظه، ورغم ذلك لم ينحز إلا لرأي الناس، وقال كلمته الشهيرة التي دوت في كل أرجاء الجنوب: “لن يظلم الناس، ولا يجوز أن يجردوا من حقهم، ومن له حق سيأخذه مهما كان، ولا يجوز انتهاك حقوق الناس في حضرموت”.
كان صوتا وطودا قويا عرفه الجميع وقد عرفته أنا عن قرب ومعي صديقي وشيخ الحراك الأول فؤاد بامطرف في فترات المسيرات وفترة المصادمات والاعتقالات آنذاك في كل شارع وزاوية، وظل يقول كلمته قريبا من الناس حتى فاضت روحه إلى بارئها من كثرة الضغوطات للنظام والتابعين له في المحافظة وصنعاء - رحمه الله.
وكنت قد التقيته في منزله قبل أيام من وفاته ومعي الزميل العزيز صادق ناشر مراسل صحيفة (الخليج) بالشارقة في الإمارات وأجرينا حديثا مسجلا ومطولا معه في أربعة كاسيتات (شرائط تسجيل) حول ما يدور من تآمرات على حضرموت، واتجاه النظام بتشديد الظلم والقمع ضد الناس، وتكلم على الانتخابات التي كانت ستجري في تلك الفترة من جوازها أو عدم جوازها، وأبدى رأيه بقوة وهو ما نشرته صحيفة (الخليج) ولم يرق للسلطة في المكلا وصنعاء.
رحل هذا العلامة صاحب الاعتدال بعد هذا الحديث، ولايزال صديقي صادق ناشر يتذكر ذلك اللقاء، وكأنما هو كنز ثمين يحتفظ به للأيام، ولأنه كان من المرجعيات التي تمثل التراث الراسخ لهذا البلد، فغاب، بل غُيب. نعم غيب لأنه أول من قال لا للنظام وتابعيه، وظل صوتا لنا نحن الفقراء والمكافحين والبسطاء، ولازالت أعماله بادية في فعل الخير ومستلهمة لدى كل جنوبي حيثما كان.
رحمه الله رحمةً واسعة وعطر ذكراه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى