كركر جمل

> عبده حسين أحمد:

> أصبح اهتمامنا هذه الأيام يدور حول كرة القدم .. وأصبحت عيوننا وآذاننا كلها مضبوطة على مباريات كأس العالم .. كلامنا كرة .. وأوقاتنا كرة .. وهمومنا كرة .. ولا شيء قبل ذلك وبعد ذلك سوى الحديث عن كرة القدم وكأس العالم .. ومن لعب وفاز ومن فشل وخرج خاسراً من مساحة الميدان .. وكل الفرق معروفة لدينا .. وأسماء اللاعبين في كل فريق محفوظة ومطبوعة على ألسنتنا .. واللاعبين الذين حلقوا رؤوسهم .. والذين أطالوا لحاهم .. والذين طبعوا الصور والنقوش على أيديهم وصدورهم .. والحسرة والندم على أسبانيا وإنجلترا والبرتغال وإيطاليا وفرنسا وكولومبيا التي ودعت أرض البرازيل وحرمت من موسيقى ورقصة السامبا قبل الآوان.
وليس الحديث عن كأس العالم وكرة القدم مقصوراً على فئة أو جماعة أو مجلس أو منتدى أو بيت .. ولكنه شمل كل الجوانب في حياتنا .. فالكلام عن كأس العالم في الشوارع والطرقات والميادين والمدارس والجامعات .. وفي الصحف والإذاعة والتلفزيون وأسواق القات أيضاً .. وارتفعت أسعار القات بطريقة جنونية وكشفت أحوال الناس .. مثل فساتين (الميني جيب) التي ارتفعت إلى فوق الركبة وفضحت ما كان مستوراً .. ومع ذلك نسينا مشاكلنا وقضايانا الملحة في السياسة والاقتصاد والصحة والتعليم والبطالة وغيرها .. ولا أعني مشاكل الشباب فقط .. فليس الشباب وحدهم المشكلة .. فالرغيف والسكن والعمل والمدرسة والمستشفى كلها مشاكل.
وقد اهتم رجال السياسة والدول والحكومات .. ووجدوا في لعبة كرة القدم الخداع والاحتيال في تعطيل طاقات الشباب وصرفهم عن مشاكلهم الحقيقية .. وقالوا : إن العلاج الوحيد لهؤلاء الشباب هو أن تفتح لهم الساحات الشعبية ليلعبوا كرة القدم .. فهم يرون أن كل ما لدى هؤلاء الشباب طاقة مخزونة وهم لا يعرفون كيف يوجهونها .. ولذلك فإنهم إذا لعبوا تعبوا .. وإذا تعبوا ناموا .. وإذا ناموا نامت مشاكلهم أيضاً .. وانصرفوا عن حقوقهم السياسية والمدنية .. وكأن عليهم فقط أن يتركوا المدارس والمدرجات والمعامل والمصانع إلى الميادين ليلعبوا .. فلا معنى للدراسة والبحث العلمي والتكنولوجيا الحديثة.
المهم أن الكلام حول كأس العالم كثير جداً .. وهو لا يكاد ينتهي حتى يبدأ من جديد .. وأنا شخصياً لا يهمني من فاز أو فشل وخرج من دائرة هذه اللعبة التي دوختنا ودوخت العالم .. والغريب في الأمر أن الحديث عن كأس العالم لا نهاية له .. أو أن تكون المعلومات الضخمة عن المباريات هي محور حديث كل يوم وكل ليلة من أولها إلى آخرها .. ولكن لا بأس أن ينشغل الشباب بشيء من ذلك بعض الوقت لا كل الوقت .. ولا أن تكون هذه هي كل معلوماتهم عنها فقط .. أما المعلومات العامة فتبعث على العجب والأسى.
كنا ونحن صغار نتعلم دروس التاريخ في المدارس الابتدائية والمتوسطه في الأربعينات من القرن الماضي .. عن الخلفاء الراشدين وخلفاء بني أمية ثم العباسيين .. ولم نكن نعرف شيئاً عن تاريخ الناس أنفسهم وكفاحهم من أجل الحرية وضد الفقر والقهر والجهل والمرض والجوع .. والذي أخافه أن يضيع هذا كله في المستقبل .. فلا يعرف الشباب عن العلوم الحديثة والثقافة المعاصرة أكثر مما يعرفون عن كرة القدم.
الشعوب لن تتقدم بالكلام عن كأس العالم .. والكرة لا تصنع الدول الكبيرة .. وبعض الذي لعبوا - عندنا - وعاشوا وربطوا مستقبل حياتهم بكرة القدم .. كانت نهايتهم موجعة وأليمة جداً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى