القرآن ومعجزاته

> محمد حسين دباء:

> نظم القرآن: نظم سامٍ حيوي مشرق بليغ، وهذا النظم يجمع الألفاظ ومعانيها وإيقاعا وصورها.
والنظم – كما يراه رائده عبد القاهر الجرجاني – و “هو توخي معاني النحو وأحكامه بين كلمات الجملة القرآنية، وهذا يؤدي إلى حسن ترتيب كلمات في الجملة بحيث تكون كل كلمة في مكانها المناسب نحويًا وباغيًا”.
القرآن عجيب التأليف، متناه في البلاغة إلى الحد الذي عجز عنه الخلق، لم ينظم على بحور الشعر، ولا على طريق السجع، تصرفت وجوهه، وتباينت مذاهبــه، خارج عن المعهود من نظام جميع ما عرف العرب في القديم والحديث، له أسلوب خاص لا يشاركه به أحد في كل ما هو في بلاغة العرب في القديم والحديث.. ولنبدأ في سرد نماذج من سمو حسن النظم القرآني:
قال تعالى: “وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ”(سورة الشورى، 43)، وقال تعالى: “وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ”، (سورة لقمان، 17)، نلاحظ أن في الآية الأولى استخدم حرف التوكيد في “لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ”، أما في الآية الثانية فلم يستخدم حرف التوكيد فقال “مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ”، ما السر في ذلك؟.
هناك نوعان من الصبر صبر ليس لك فيه غريم - كالمرض مثلا - وهو شيء محسوس، وصبر لك فيه غريم - كأن يظلمك شخص ما - وهو شيء ملموس، فكان الشيء المحسوس الذي لا تراه ولكن تحس به يحتاج إلى صبر، وهذا “مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ”، ولكن الشيء الملموس يحتاج إلى صبر قوي شديد فكان ذلك “لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ”.
وقال تعالى: “وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ” (سورة الأنبياء، 46) يبين الله لنا الضعف البشري أمام عذاب الله.. فاختار كلمة “مستهم” وهي أقل درجات الإصابة، واختار “نفحة” ليدل على ضعفها، وذكر “من” وهي تفيد التبعيض، وقال “ربك” الرحيم يا محمد ، وكل ذلك يدل على أقل درجات العذاب.. فإذا كانوا لا يستطيعون الصبر أمام هذه الدرجة من العذاب، فكيف بالعذاب الذي وعد الله به الكافرين؟!.
قال تعالى: “يَا أَيُهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ” (سورة التوبة، 38)، النفور يدل على شيء يستوجب السرعة، وكان مقابل هذا شيء تثاقل البعض عن النفور فجاء القرآن بأسلوبه البديع ليبين لنا شدة التثاقل والانجذاب إلى الأرض بقوله “اثّاقلتم” فتدل على حب الركون للأرض.. هذا والله أعلم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى