عن فيصل وشوقي .. ذهب الذين نحبهم

> د. هشام محسن السقاف:

>
د. هشام السقاف
د. هشام السقاف
في متلازمة حياتية لا تنقطع يذهب الأحبة فرادى وتبقى وحيداً كالسيف كما قال الشاعر يوماً؛ فقبل أن نستفيق من صدمة رحيل أستاذ الفلسفة الدكتور فيصل عبدالرحمن الشميري وهو في أوج عطاءاته العلمية في العشر الأوائل من رمضان الأغر، يودعنا الأخ الحبيب شوقي العظامي بعد معاناة مع مرض لم يمهله كثيراً، فوارته تربة الآباء والأجداد في (المحلة بتبن لحج) ظهيرة الرابع عشر من رمضان الحالي.
كان الفقيد الغالي فيصل عبدالرحمن يبلي بلاء حسناً في دراساته العليا بمعهد الاستشراق بموسكو، ولما كانت كوارث الوطن تلافح أبنائه أينما كانوا، فقد أظلت أجواءنا بظلال قاتمة أحداث (العام 13 يناير)، كما أسمى الأستاذ الكبير عمر الجاوي في إحدى افتتاحياته الشهيرة بمجلة (الحكمة) العام 1986 م، في إشارة الى حجم المأساة الكبيرة التي اندلعت نهار 13 يناير ودفعت ذلك العام - وماتلاه أيضاً - بمأساوية ما حدث في ذلك اليوم الأسود.
ورغم ما اكتنف الحياة السياسية بين الطلاب من احتقانات ومواجهات، ناهيك عن الانقسام الحاد بين من هو زمرة أو طغمة إلا أن الفقيد فيصل وهو يتبوأ مركزاً حزبياً مرموقاً كان في قمة الواقعية السياسية في بحثه عن التهدئة بين الطلاب والعمل على الخروج من المأساة بأقل الأضرار على المستوى الطلابي والحزبي على السواء، بل كان ممثلاً بحق لجناح الحمائم بين صقور التصعيد والانتقام؛ وهو بذلك يمثل حالته السيكولوجية بحق - التي تميل إلى المسالمة وإعمال الفكر وتغليبه لتشخيص الحالات الطارئة والمستعصية التي عادة ما توحد الأمم في سيرورة الحياة، وهذا سلوك سوي لرجل كبير نذر حياته للعلم والبحث عن الحلول الناجعة لمشاكل الحياة عن طريق البحث والتفكير.
وربما كانت موسكو أماً رؤوماً بنا وهي تقارب بيننا، وفي اللحظات التي كان فيصل يتفرد بانتقاء الأصدقاء بعناية، كنا نشاطره قلق الدقائق الأخيرة قبل الدفاع عن أطروحة الدكتوراة التي لم أعد أتذكر الآن عنوانها بقدر ما أتذكر - وسأظل إن شاء الله - أن فيصل الرائع قد أودعنا عصارة فكره في مؤلف ضخم قبل أن يغادرنا ونحن في أمس الحاجة إليه.
وأما الراحل الثاني شوقي العظامي فمن أسرة عريقة في قرية (المحلة) بتبن امتد فرعها إلى (الشيخ عثمان) ومارس بعض رجالها التجارة ويشار إليها - الأسرة - بالبنان في لحج وعدن لنجابة أفرادها وعلو مقامهم وحسن معشرهم.
وكان شوقي يتجاوز أداء المجالس المحلية التي يراد لأفرادها المنتخبين ألا يكونوا أكثر من موظف تقوده توجهات الحاكمين بعد حرب 1994 م ليشبع بعضاً من غرائز النفس الأمارة بالسوء، دون أن يلتفت إلى المهام الحقيقية للمحليات وعلاقتها بالمواطنين الذين أعطوا أصواتهم بثقة لهذا المرشح أو ذاك، حيث أُريد للمجالس المحلية أن تكون لافتة براقة تخدم الحاكم، لكن أصواتاً مغايرة تأتي من داخلها تمثل حالة من اليقين الوطني الذي يأبى صاحبه أن يخذل أهله.
وكان المأسوف على شبابه شوقي العظامي واحداً من قلائل رفعوا أصواتهم وانتقدوا السائد العقيم ورفضوا أن تكون المحليات لا طعم لها ولا رائحة، وراح يتحسس مكانه بين الناس منحازاً لهم ومتحسساً آلامهم رغم ما مورس عليه من ضغوطات موظفي الحاكم في المجلس.
كانت ديناميكية شوقي تجعله واقفاً في قلب العاصفة من كل قضايا الرأي العام في عدن، أدلى بآرائه صراحة في صفحاتها، وتحديداً «الأيام» - كما أتذكر- دون وجل من بيادق (الحاكم) المعادين لـ«الأيام» استمداداً لعداء كبيرهم الذي علمهم السحر.
رحمة الله على الراحلين العزيزين د.فيصل عبد الرحمن وشوقي العظامي ولا حول ولا قوة إلا بالله!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى