القرآن ومعجزاته

> محمد حسين دباء:

> ** الفاصلة القرآنية (الحلقة الأولى) **
إن لغة القرآن مادة صوتية، تبعد عن طراوة لغة أهل الحضر، وخشونة لغة أهل البادية، وتجمع ـ في تناسق حكيم ـ بين رقة الأولى وجزالة الثانية، وتحقق السحر المنشود، بفضل هذا التوفيق الموسيقي البديع بينهم.
إنها ترتيب في مقاطع الكلمات في نظام أكثر تماسكًا من النثر، وأقل نظمًا من الشعر، يتنوع في خلال الآية الواحدة ليجذب نشاط سامعه، ويتجانس في آخر الآيات سجعًا أو ما يسمى بالفاصلة القرآنية، لكي لا يختل الجرس العام للوقفات في كل سورة.
وقد اختلف العلماء في تعريف الفاصلة القرآنية، فقال الرماني: “الفواصل حروف متشاكلة في المقاطع توجب حسن إفهام المعاني”، وقال ابن منظور: “الفواصل أواخر الآيات في كتاب الله”، وكذا قال الزركشي: “الفاصلة كلمة آخر الآية كقافية الشعر وقرينة السجع”.
ويرى بعض العلماء أن رؤوس الآيات والفواصل مترادفان، وهي نهايات الآيات، ويرى آخرون أن الفاصلة أعم، فهي الكلام المنفصل مما بعده، والكلام المنفصل قد يكون رأس آية وغير رأس آية، وكذلك الفواصل يَكُنَّ رؤوس آي وغيرها، فكل رأس آية فاصلة ولا عكس، ومن الفواصل ما هو آية كقوله تعالى: “الرَّحْمَنُ”، {الْحَآقَّةُ} ومنها ما هو بعض آية.
فالقرآن الكريم يجري على نسق غاية في البلاغة والفصاحة خارج عن المألوف من نظام جميع كلام العرب، فأسلوبه في استخدم الفواصل يميزه عن سائر الكلام، فلا هو بالشعر ولا بالنثر، فمثلاً قد يسأل سائل ما الحكمة في أن بعض الفواصل غريبة اللفظ مثل كلمة ضيزى في قوله تعالى: {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} سورة النجم، فكلمة (ضيزى) بمعنى جائرة أو ظالمة، فلماذا عدل عن الكلمات المألوفة إلى الكلمة غير المألوفة.. والجواب على هذا السؤال من وجهين:
الأول: من جهة حسن النظم والتناسق فإن سورة النجم تنتهي فواصلها بالألف المقصورة، فناسب أن تكون الفاصلة كلمة ضيزى لا كلمة جائرة أو ظالمة.
الثاني: إن نسبة البنات إلى الله ونسبة الأولاد إليهم أمر في أشد الغرابة فناسب أن يعبر عنه بلفظ غريب تنبيهاً على غرابة القسمة.. هذا والله أعلم.
وإن شاء الله في حلقة غد سنتعرف على نوعي الفواصل القرآنية بحسب حروف الروي: (المتماثلة) و(المتقاربة).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى