القرآن ومعجزاته

> محمد حسين دباء:

> ** الذكر والحذف (4 - 1) **
إننا نجد في القرآن الكريم تلاؤمًا واتِّساقًا بين كلماته، وبين حركاته وسكناته؛ فهو يتكوَّن من نسق جميل ينطوي على إيقاع رائع، فتارة نجد أن القرآن يأتي بكلمة مستوفية لحروفها وتارة يحذف حرف منها، وتارة أخرى يحذف الكلمة.. إذن فما هي الحكمة من الذكر والحذف في القرآن الكريم؟ .. الإجابة على هذا السؤال تجدونها في قادم السطور.
** (تستطع) و (تسطع) **
ذكر الله تعالى في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر في سورة الكهف ثلاثة أحداث أثارت اعتراض سيدنا موسى، وهي خرق السفينة وقتل الغلام وبناء الجدار بدون أجر، وقبل أن يفارق الخضر سيدنا موسى ذكر له الحكمة من الثلاثة أفعال، ولكنه قبل أن يؤوِّل سببها قال له: “هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا”، وبعدما أوَّل لسيدنا موسى الأحداث قال له: “ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا”، أثبت التاء في (تستطع) في الآية الأولى وحذفها في (تسطع) في الآية الثانية فما الحكمة من ذلك؟.
لقد راعى السياق القرآني الحالة النفسية لسيدنا موسى عليه السلام قبل أن يعرف تأويل سبب تلك الأفعال التي أنكرها فناسَب إظهار التاء في (تستطع) لبيان ثقل هذا الأمر عليه بسبب الهم والفكر الحائر، فصار بناء الفعل ثقيلا (خمسة أحرف) فناسب ثقل الهم ثقل بناء الفعل؛ وحذف التاء من كلمة (تسطع) مما جعل بناء الفعل مخففًا (أربعة أحرف)، وهذا التخفيف مناسب للتخفيف في مشاعر سيدنا موسى بعد أن علم الحكمة من أفعال الخضر فارتاحت نفسه وزال ثقلها. هذا والله أعلم.
** (استطاعوا) و(اسطاعوا) **
عندما تحدث القرآن الكريم عن سد ذي القرنين الذي بناه ليمنع خروج يأجوج ومأجوج قال تعالى: “فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا”.. معنى يظهروه: يتسلقوه، ومعنى نقبًا: نقضه بالحفر، حذفت التاء في “فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ” لأن المعنى هو عدم استطاعتهم تسلق السد لكونه أملسًا وخاليًا من أي نتوء يمكن الإمساك به، وبما أن التسلق يحتاج إلى جهد عضلي أقل وزمن قصير، خُففت الكلمة لتناسب الجهد القليل و الزمن القصير.. أما “مَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا” أثبت التاء لأن ثقب الجدار يحتاج إلى جهد عضلي أكبر وزمن أطول. هذا والله أعلم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى