القرآن ومعجزاته

> محمد حسين دباء:

> ** الذكر والحذف (4 - 2) **
ومازلنا ننهل من معين الذكر والحذف فقد أخذنا في الحلقة السابقة (تستطع وتسطع) و(استطاعواواسطاعوا) وعرفنا الحكمة من ذلك، واليوم سنأخذ الذكر والحذف في (تتفرقوا وتفرقوا) و(يشاق الله ويشاقق الله ورسوله).
** (تتفرقوا) و (تفرقوا) **
قال تعالى في سورة آل عمران: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا..”، ولكن في سورة الشورى قال تعالى: “شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ...”.. فما الحكمة من ذلك؟.
السبب - والله أعلم - في ذلك أن الخطاب في سورة آل عمران للأمة المسلمة، وهي أمة واحدة، فناسب أن يكون الفعل بتاء واحدة، بينما السياق في سورة الشورى عن الإخبار بما وصى به الله تعالى الأمم السابقة التي بعث الله فيها باقي أولي العزم من الرسل، وهي أمم عديدة مختلفة بينها أعوام طويلة جدا، فناسبت التاءان في الفعل لتنوع الأقوام وطول الزمان التي عاشته مجموع هذه الأمم.
ومن حكمة ذلك أيضًا أن الأمة الإسلامية منهية عن أدنى اختلاف قلت نسبته، لأن ذلك يوهنها، فدل على تحريم أي شيء من الاختلاف مهما قل، ولكن هذا المعنى غير مراد في الأمم الأخرى لأنها انتهت، فلم يحذف من فعلها شيء فبقي على حاله. هذا والله أعلم.
** (يشاق الله) و(يشاقق الله ورسوله) **
تحدث القرآن الكريم عن معاداة الكافرين لله ولرسوله، ولكنه عبر عن ذلك بتعبيرين متفاوتين: ففي سورة الأنفال قال تعالى: “وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”، ولكنه قال في سورة الحشر: “وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”. ما الفرق في التعبير بين الآيتين في ذكر وحذف كلمة (رسوله)؟
لبيان سبب الفرق في التعبير بين الآيتين في ذكر وحذف كلمة (رسوله) نرجع إلى سياق الآيتين الكريمتين، فآية الأنفال تتحدث عن المشركين وعداوتهم عداوة واضحة مكشوفة للنبوة والرسالة، لكونهم أنكروا نبيًا من البشر يرسل إليهم، ولأنهم أنكروا كون محمد صلى الله عليه وسلم يتيمًا فقيرًا فهم يريدون رجلاً غنيًا، فهنالك عداوة مزدوجة لله ولسيدنا محمد بشخصه صلى الله عليه وسلم.
أما الكلام في سورة الحشر فهو عن اليهود الذين يحاربون الإسلام مهما كان النبي المرسل إليهم، فهم حاربوا الإسلام الذي جاء به الأنبياء منذ عهد سيدنا موسى عليه السلام مرورًا بسيدنا عيسى عليه السلام وانتهاء بالرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، فهم يعادون النبي لا لشخصه بل لوظيفته.
وهناك سبب آخر: أن سياق آية الأنفال يتحدث عن غزوة بدر الكبرى التي كان فيها قتال وتماس مباشر بين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان شقاق الرسول واضحًا، بينما سياق سورة الحشر في غزوة بني النضير التي لم يحدث فيها قتال مباشر بل كان حصارًا لديارهم ثم استسلامهم. هذا والله أعلم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى