القرآن ومعجزاته

> محمد حسين دباء:

> ** الذكر والحذف (4 - 4) **
وصل قطار عمودنا (القرآن ومعجزاته) الذي ليس لنا فيه سوى حسن الاختيار، وفضل الاختصار إلى محطته الأخيرة، فقد أخذنا في الحلقة السابقة ذكر (المؤمنون) وحذفها في آيتين كريمتين تتحدثان عن أمر واحد في سورة واحدة، ومع ذلك اختلف التعبير في كل منها: أخبر الله تعالى بأنه سيرى العمل هو ورسوله في قوله تعالى في سورة التوبة: “وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ”.
وأخبر في آية تالية في السورة نفسها بأنه سيرى عملهم هو ورسوله والمؤمنون، وذلك في قوله تعالى: “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ”.. واليوم سنختتم بـ(نبغي ونبغِ).
** (نبغي ونبغِ) **
قال تعالى في سورة يوسف: “وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ”، ولكنه قال في سورة الكهف: “قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى ءَاثَارِهِمَا قَصَصًا * فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا ءَاتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا”.. فما الحكمة من إثبات ياء نبغي في سورة يوسف وحذفها في سورة الكهف؟.
في سورة يوسف جاء إثباتها على الأصل، وذلك لبيان أن ذلك هو غاية ما يريدونه ويطلبونه، فالطعام الذي أحضروه من مصر هو المُراد لذاته، كمال تمام الحرف ناسب كمال تمام الغاية.
أما في سورة الكهف فلم يكن فقدان الحوت هو الغاية والهدف الرئيس، لأن غايته هي الالتقاء بالخضر، فكان الفقدان وسيلة وليس غاية، فناسب نقصان تمام الحرف نقصان تمام الغاية. هذا والله أعلم.
وختامًا، وبعد رحلة استمرت شهرًا ونحن في الفضاء الواسع في عمودنا (القرآن ومعجزاته)، حيث إننا أخذنا مظاهر الإِعجاز البياني للقرآن الكريم، وإن شاء الله سنأخذ مظاهر الإعجاز العلمي مزود بالصور في رمضان القادم.
بعد رحلتنا في الإعجاز البياني للقرآن الكريم تأكد لنا بطلان قول المعتزلة بـ(الصرفة): وهي أن الله سبحانه صرف العرب في زمن الرسالة عن معارضة القرآن، والإِتيان بمثله، أي أن القرآن ليس معجزًا لفصاحة ألفاظه وبلاغته وحسن نظمه، وإنما لصرف الله العرب عن الإِتيان بمثله، ولولا صرف الله العرب عن الإِتيان بمثل القرآن لأتوا بمثله، وهم أهل الفصاحة والبيان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى