ميناء عــدن بين التحديات الداخلية وشراسة المنافسة الخارجية

> م. عبدالرب جابر الخلاقي:

> إن المطلع على الوضع الملاحي/المينائي القائم في ميناء عــدن يستشعر باليائس والإحباط وأي شيئا آخر يندرج تحت هذه المسميات وهو ما لمسته شخصيا بزياراتي الميدانية للشركات الملاحية واهم التجار المستوردين والمصدرين .. وقد ارتأيت كتابة هذا المقال لبيان ما يدور في هذا الميناء سواء كان ذلك في بيئته الداخليه او المحيطه واخص بالذكر هنا فيما يتعلق بالمركز التنافسي لهذا الميناء بالمقارنة مع منافسيه من موانئ في المنطقة. هذا المقال يسلط الضوء على النشاط التنافسي لمناولة الحاويات في ميناء عــدن عبر محطته العالمية "محطة عــدن للحاويات".
إن هناك اتفاقا على ان تكون استراتيجية تطوير محطة عــدن للحاويات قائمة على بلوغ الاهداف التالية:
1- السعى بقوة لتصبح عــدن مركزا عالميا يهيمن على نشاط الترانزيت لمنطقة البحر الأحمر-خليج عــدن-المحيط الهندي جاذبا سفن الخطوط الكبرى التي تعمل بنظام الأنترلاين (Interline) لخدمة خط آسيا-أوروبا.
2- القيام بتطوير عــدن كمركز محوري لنشاط الترانزيت والأكثر جاذبية من الناحية الاقتصادية لشركات المستوى الثاني الناقلة للحاويات موفرا خدمات الميناء المحور والروافد (Hub-and-Spoke).
3- المحافظة على والقيام بتنمية نشاط مناولة الحاويات المحلية القائمة.
إلا ان الواقع الذي يعيشة زبائن الميناء من خطوط ملاحية وشركات الاستيراد والتصدير لايعطيهم اي اشارة الى ان الميناء يسعى بالفعل لبلوغ هذه الاهداف الاستراتيجية الكبيرة نظرا للمنافسة المحتدمة في هذا النشاط بين الموانئ المجاورة التي تتفوق وتتجاوز ميناء عــدن كل ما مر الوقت بنا ونحن ننتظر ونشاهد ما يدور حولنا ولانعمل شيئا حيال ذلك.
ان التوقيع على اتفاق المبادئ الاساسية لتطوير الميناء مع الشركة الصينية CHEC (بناء ارصفة جديدة وتعميق الميناء وتصنيع وتوريد معدات جديدة) يعتبر خطوة مهمة في طريق تنفيذ عــدن للنقاط الاستراتيجية الثلاث آنفة الذكر .. لكن هذا ليس كافيا بل ربما يثبت لاحقا انه دين ثقيل على كاهل اليمن التي تعيش ازمات سياسية واقتصادية نحن في غنى عن الخوض فيها فالكل يعرفها.
عبدالرب جابر
عبدالرب جابر
ان بيئة العمل الداخلية الحالية ليست مساعدة للبدء لبلورة الاهداف الاستراتيجية آنفة الذكر الى برامج وخطط تنفيذية تجعل من زبائن الميناء يثقون ويغيرون فكرتهم اليائسة والمحبطة من سلوك عــدن تجاه هذا الميناء .. فالاضرابات العمالية ورداءة بعض الخدمات الفنية وعدم التجاوب مع طلبات الشركات الملاحية كلها تعد من اسباب سوء اداء البيئة الداخلية للميناء وهي بالاهمية بمكان لان تصوب لانه من غير الممكن ان ننتقل الى التفكير بالعالمية في الوقت الذي يعتبر بيتنا من الداخل غير مؤهل لذلك. لنعطي امثلة لفهم ما ورد :
اولا: تم تدشين الخط الملاحي الصيني المشترك (كوسكو COSCO + ايفرجرين Evergreen) قبل شهرين بسفن من الجيل السادس وهي سفن قادرة على استعياب اكثر من 8,000 حاوية نمطية (8,000 + TEUs) على الخط (خدمة الشرق الاقصى والبحر الاحمر - FRS). زيارة هذه السفن هامة وتعتبر هدايا مجانية لميناء عــدن للانقضاض عليها والتمسك بها لكي تبدأ نشاط مناولة حاويات الترانزيت عبر الميناء .. وبالفعل فتح باب الحوار حول الموضوع !!! والنتيجة للاسف كما عبر عنها احد الاشخاص "اذن من طين واذن من عجين". إن هذا السلوك يرسل اشارة مهمة وبسيطة وغير مكلفة للخط الملاحي وهي ان الميناء غير "مهتم" والبدائل كثييييييره في المنطقة وبالفعل هذا ما حدث مع الخط ايفرجرين الذي نقل حاويات ترانزيت لجيبوتي الى ميناء جـدة السعودي ! ولن يطول الوقت حتى يقوم الخط كوسكو بالمثل ! إذا اين تكمن المشكلة ؟
يعد نشاط مناولة حاويات الترانزيت من اصعب الانشطة التي يمكن جذبها لان سوقها شديد التنافس والمتنافسين حولنا جميعهم مؤهلين ولديهم من القدرات ما يفوق ميناء عــدن سواء كان ذلك في جانب الخدمات او التسهيلات او الرسوم.
الجدول التالي يبين تفوق الموانئ الاقليمية الاقرب منافسة على عـدن في مواصفات الموانئ ومحطات الحاويات :
سفينة حاويات نموذج رقم (2):
إن أهمية مراعاة هذه الفروقات الشاسعة تكمن في طبيعة النشاط الذي تسعى عـدن لاستقطابه كإستراتيجية طويلة الامد اي نشاط مناولة حاويات الترانزيت كما ورد في الاهداف الاستراتيجية أعلاه. ولبيان الضرر الكبير الذي تمثله هذه الفروقات في تعرفة الخدمات البحرية نعطي المثال التالي:
الشركة XYZ قررت استخدام محطة عـدن للحاويات كميناء محوري في العام 2015م وزيارات سفنها الرئيسية (Motherships) والصغيرة أي الروافد (Feeders) والتكاليف المترتبة عن ذلك في الجدول التالي!!
الميناء/المحطة الرسوم السنوية للميناء، بالدولار معـدل التوفير السنوي بالدولار
السفن الرئيسية (Motherships) : زيارة واحده اسبوعيا – اجمالي الزيارات السنوية 52 زيارة.
السفن الصغيرة/الروافد (Feeders): زيارتان اسبوعيا - اجمالي الزيارات السنوية 104 زيارة.
(جدول 4)
وفي ظل هذا الوضع التنافسي الضعيف لميناء عــدن نفاجئ بتعميم من مصلحة خفر السواحل بفرض رسم على السفن الزائرة بواقع 2,000 دولار نظير تحريز الاسلحة النارية الموجودة على ظهر هذه السفن (هذا يعني اضافة مبلغ 2000$ ×156 عدد الزيارات = 312,000 دولار سنويا) ليعمق ذلك من الهوة التنافسية للميناء الذي يعتبر الاغلى في المنطقة بدون وجود هذا الرسم .. ان مثل هكذا اجراء في بيئة الميناء الخارجية لابد من الوقوف امامه سواء كان ذلك صادر من هذه المصلحة او غيرها لانها تؤثر تأثيرا مباشرا على تنافسية الميناء والغريب ان هذا الامر لم يلقى اي تعليق من جانب إدارة الميناء ولم تجد الشركات الملاحية اي جهة تشكو اليها هذا الاجراء سوى الهيئة العامة للشئون البحرية التي اصدرت تعميما بعدم صحة هذا الاجراء لكن الهيئة هي الاخرى لها منفعة لانها اعدت لائحة لتنظيم هذه الخدمة اي انها عند اقرار هذه اللائحة ستفرض رسوما لذلك ! لكن تعميم الهيئة بعدم صحة اجراء مصلحة خفر السواحل كأنه لم يكن كونها لاترتبط معها باي علاقة ادارية مباشرة .. إن هذه الاجراءات الفردية والتي تؤثر مخرجاتها على المركز التنافسي للميناء لابد من ان يتم الوقوف امامها وبحزم اذا ما اريد لهذا الميناء ان يرى النور والمكان المناسب هو مناقشة الاجراء وما سيترتب عليه من أثر في مجلس ادارة مؤسسة الموانئ كونها تحوي اعضاء من الهيئة وخفر السواحل لكن يبدوا ان الهوة كبيرة ايضا بين الجهات ذات العلاقة كما هي في مركز الميناء التنافسي مع الموانئ المجاورة.
ثانيا: رسوم مناولة الحاويات
الجدول التالي يمثل اجور مناولة الحاويات المحلية (وارد/ صادر) بالدولار بين محطة عـدن للحاويات والمحطات المنافسة:
الميناء - الحاويات المحلية الممتلئة الواردة والصادرة - الحاويات الفارغة المحلية - معادة التصدير
(جدول 5)
إن المفهوم العام عند الحديث عن مناولة الحاويات المحلية (وارد / صادر) هو انه مهما كانت هذه الكلفة كبيرة فإن من سيتحملها هو المواطن اليمني وأن البضائع التي تنضوي تحت هذا الاطار لاتكترث لقضية المنافسة بين موانئ الدول المجاورة (يستثنى من ذلك ميناء الحديدة) .. لكن هذا المفهوم ليس بالدقه التي نراها اذا ما قمنا بتحليل دقيق في تفاصيل الامور. إن اجور مناولة الحاويات هي جزء من هيكل تحديد أجرة الشحن/النولون البحري (Ocean Freight Rate) وبالتالي فأن هذا العنصر يعد مهم بالنسبة للشركات الناقلة وربحيتها عندما تقرر زيارة ميناء ما بغض النظر فيما اذا كانت ستزور الميناء لغرض تفريغ/شحن البضائع المحلية او الترانزيت .. لهذا فإن بعض الشركات تشترط على مشغلي المحطات اعطائهم خصومات خاصة في أجور مناولة الحاويات المحلية فيما لو ضمنت مناولة عـدد كبير من الحاويات في الميناء او استقدام حاويات ترانزيت ... كما لايجب ان نغفل المساهمة في تقليل كلفة النقل بالنسبة للمستورد او المصدر تساهم هي الاخرى في سعر المنتج للمستهلك المحلي. هذا الامر له حساسية كبيرة فيما لو تحدثنا على قضية الصادرات التي تعتبر احد اهم العناصر التنافسية للشركات الناقلة فهي تحبذ شحن حاويات ممتلئة عند مغادرتها الميناء بدلا من شحن حاويات فارغة .. ليس هذا فقط فقد عاني ميناء عدن من خسارة صادرات المنتجات السمكية التي وجدت لها طريقا بريا عبر المنفذ الحدودي بين اليمن وعمان لتصل الى ميناء صلالة المنافس ومنها الى اوروبا بشكل رئيسي ! لماذا لا نقف سويا ونستعيد هذا النشاط فالفائدة لشحن هذا النوع من البضائع عبر ميناء عـدن ستكون افضل بكثير منها عبر صلالة.
اما ما يخص اجور مناولة حاويات الترانزيت فهي دائما تتم عبر اتفاق بين مشغل المحطة المينائية والشركة الناقلة وهنا يستدعي الامر ان تكون لدى الشركة المشغلة معرفة تامة بما يتم فرضه من اجور في المحطات المنافسة.
ثالثا: فترة سماح بقاء الحاويات في الميناء
إن اهمية مناولة هذا العنصر في تحليل تنافسية محطة الحاويات لايقل عن العنصر اعلاه لانه يمثل كلفة مباشرة على الخط الملاحي ومع رداءة ربحية اعمال الشحن البحري في السنوات الاخيرة، تعطي الخطوط الملاحية هذا العنصر اهمية كبيرة. كما ستلاحظون من الجدولين ادناه فإن محطة عـدن للحاويات لاتتمتع بموقع منافس ولاسيما بالمقارنة بالمحطات القريبة منه.
إن على إدارة الميناء ان تكون اكثر ايجابية في التعامل مع المتغيرات سواء كانت في بيئتها الداخلية او الخارجية وفي لقائي مع الشركات الملاحية سألني احدهم ترى هل ادارة الميناء على علم بديناميكية هذا النشاط المعقد ! ترى هل يعرفون ويقدرون معنى سعة اضافية تتجاوز 1.34 مليون حاوية نمطية ستدخل الخدمة في سوق النقل البحري للحاويات وان اكثر من 40% من هذه السعة تمثل سفن حاويات سعة 12,000 حاوية نمطية ! ماذا اعـد ميناء عــدن لمواكبة هذه التغييرات ؟ هل يستطيع الميناء حاليا او بعد 6 اشهر او بعد سنة او سنتين او عشر جذب وتقديم الخدمة لهذه السفن ؟
ان طبيعة نشاط النقل البحري "المنتظم" للحاويات ذات خصوصية دقيقة وعلى إدارة الميناء استيعاب مبدأ التخطيط المسبق لجذب هذه السفن لانها تماما كنظام الطيران الذي تعتمد خدمته على برنامج رحلات منتظم لفترة ربما تكون بين سنة الى سنتين لانها عندما تقر ذلك تكون قد وقعت اتفاقيات ملزمة لها وعليها مع الموانئ التي اختارتها وبالتالي على إدارة الميناء استيعاب انه لابد من التخطيط اليوم لان المخرجات حتما ستكون بعد عام او عامين وربما يحالفنا الحظ وتكون قبل ذلك في حال ان بعض الخطوط لم تدخل في التزامات مع موانئ مجاورة او التزاماتها الحالية على وشك الانتهاء ويبحثون عن بديل .. فهل كانت كوسكو وايفرجرين يبحثان عن البديل فخذلناهم؟
* م. عبدالرب جابر الخلاقي / مستشار موانئ

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى