رئيس المنتدى التربوي الجنوبي مصطفى المنصوري لــ«الأيام»:المدرسة بعد 94م أصبحت بيئة طاردة للتلميذ وبعض الإدارات تستجدي الهبات وتسول المال من أولياء الأمور تشغيل المدرسة

> حاوره/ جهاد محسن:

> تعرض التعليم في المحافظات الجنوبية منذ أعقاب حرب 94 م إلى سياسة تدميرية استنزفت الكثير من مقوماته ومناهجه، حيث تم إلغاء وشطب مواد تساعد الطلاب على تنمية مداركهم وصقل مواهبهم.
وقد ساعدت السياسات التي فرضتها القوى المنتصرة على بلورة واقع تعليمي مغاير هدف إلى إشاعة أوضاع من الجهالة والتخلف، وإنشاء جيل غير مرتبط بماضيه، ومتلقي لعلوم ومناهج لا ترقى إلى مستوى التقويم والتأهيل العالي، شابها الكثير من التجاوزات التي أسست واقعا تعليما مهملا ومدمرا.
في هذا الحوار يوضح لنا المدرب الوطني الأستاذ التربوي مصطفى المنصوري، رئيس المنتدى التربوي الجنوبي في عدن جانبا من الجوانب السياسية الأساسية التي عمدت وساعدت على هدم وعرقلة العملية التعليمية في الجنوب.
ما هي رؤيتكم لواقع التعليم في الجنوب خلال العشرين عاماً التي مضت؟.
أولاً نثمن عالياً بحثكم عن مكامن الخلل الذي أحدث هذا الانهيار للمنظومة الأخلاقية والعلمية للجانب التربوي والتعليمي، وهذا ما تم استنباطه من واقع نلتمسه.
مصطفى المنصوري
مصطفى المنصوري
فالذي حدث في الجنوب، يوضح بشاعة الجرم الذي مس منارة يشع منها العلم والأخلاق، واليوم واقعنا تربوياً وتعليمياً يشكل خطراً حقيقياً وملموساً على أبنائنا، حيث تم هدم كافة الأسس التي بني عليها التعليم في الجنوب، وقد حدث سابقاً بعد سقوط الجنوب عام 1994 م، أنه تمت السيطرة الكاملة على مقرات ومؤسسات ومبان خاصة، وأسس تعليم يخترق النسيج الاجتماعي، وبدأ بتشكيل النشء وإحداث صدمات عنيفة ناتجة من إعادة صياغة السلوك نحو الحياة (البرزخية)، وتوظيف العمل التعليمي لكسب استحقاقات سياسية، فأحدث ذلك خللا في إطار الفرد والأسرة والمجتمع، كما أن المقررات الدراسية فرضت واقعا تربويا وتعليميا جديدا يقوم على تقديس كل ما هو دخيل على مجتمعنا.
وبهذا فرضت مرحلة جديدة كانت الجرعة الأساسية فيها تغيير الهوية والجغرافيا والتاريخ، والواقع التربوي السيئ في الجنوب كان مدروسا وبدقة، وكشف عن ذلك وزير التربية في صنعاء (الأشول) في أحد تصريحاته لصحيفتكم الغراء، بأن الجنوب تعرض لتدمير ممنهج للتعليم منذ 94 م، ظناً منه أن هذا التصريح قد يبرئ حزبه من التشويه والقضاء على التعليم ومدنية الجنوب.
وللأسف وإلى هذه اللحظة فهم مازالوا يعيشون عقدة (القطران) وهذه العقدة تحولت إلى عقيدة أسست لفقه الهدم للموروث العلمي والثقافي والأخلاقي الذي تحلى به الجنوبيون، فيما نجح المنتصرون في إحداث هذا الجرم من بوابة التعليم في الجنوب.
ومن المسؤول عن هذه السياسات التي دمرت التعليم في الجنوب؟.
هو من خطط للانقلاب على اتفاقيات الوحدة ونهب المعسكرات ودمر المؤسسات، فالحرب التي شنت على الجنوب، واعتبرت مقدسة وواجب ديني، وتعالت فيها صرخات الفاتحين بالموت للشعب الجنوبي المسلم الذي كان ممانعا لسياسات التدمير والنهب وطمس هويته طوال 4 سنوات سبقت الحرب.
وقد فرض هذا الواقع المدمر واستمد قوته وطغيانه من عقيدة النهب وكسر إرادة الممانعة لهذا النهب، فأصبحت كل ثروات الجنوب تحت أقدام القوى المنتصرة التي فرضت سياسة عزل ارتباط النشء والجيل الجنوبي بهويته وأرضه، ومنع تعزيز المدخلات التعليمية لنبوغه علمياً، وكانت تكرس جميع هذه الممارسات المدمرة من فكرة الفرع وعودته للأصل، لذا جعل من الأصل واقعا لكل شي فأصبح الترنسفير (ترحيل أصحاب الكفاءات الشمالية إلى الجنوب) هو الطاغي على كل مفاصل وإدارة الجنوب، وتملكه والتصرف به وكان للتعليم وسياسته دور أساسي ومحوري، والمدخل المدمر للعقل فاستنبتت سلوكيات وقيم غريبة يرفضها الجنوبيون، وحملت هذه السلوكيات والظواهر بذور الدمار.
لماذا تم استهداف التعليم في الجنوب بالذات؟.
لأن التعليم يعتبر هو الأساس لرقي الشعوب والمانع الرئيسي للاستعباد والاستباحة، والشعب الجاهل يتم إدارة شؤونه عبر آخرين، وقد تجلى هذا الخبث، بإدارة شؤون شعب الجنوب من صنعاء عبر ساستها ومثقفيها، وأصحاب الجوائز العالمية بعد أن خيل لهم فرض الأقاليم على شعب الجنوب، ويولولون عبر صحفهم وصفحاتهم ومواقعهم الالكترونية بأنه لابد وأن يعطي الدستور الاتحادي - المزعوم - ضرورة حق المواطنة المتساوية في فرص العمل،والترشح السياسي في أي إقليم لغير شعبه خصوصاً؛ وأن الأقاليم الغنية بزعمهم شعبها غير مؤهل لإدارة أمورها.
لهذا تم تدمير التعليم في الجنوب، حتى يفقد شعب الجنوب ممانعته للحالة الاستعبادية الراهنة، وفرض وصاية الآخرين للعمل على إدارة شؤونه الداخلية.
ظاهرة الغش التي انتشرت بالمحافظات الجنوبية وخصوصاً في محافظة عدن، ما هي أسبابها ونتائجها؟.
كان مفهوم الغش قبل وقوعنا في الكذبة الكبرى المسماة بالوحدة ينحصر في السلعة، وكان الغش يحدث من قبل البائع على المشتري، ولا يمكن التخيل أنه يحدث هذا في صرح مقدس وهي المدرسة.
وهذه الظاهرة تعتبر آفة من مجموع آفات غزت الجنوب، وكانت هذه الظاهرة نتاج عن القصور الأدائي في التعليم من قبل المعلم، وفقدان أداء المدرسة لدورها فأضحت القيادات التربوية تتصرف بالمال العام كمال شخصي، والإدارات المدرسية تستجدي الهبات وشحت المال من أولياء أمور الطلبة والميسورين منهم؛ بحجة تشغيل المدرسة، والمعلم أصبح في دوامة أعمال أخرى، وانهارت مكملات نجاح الحصة الدراسية من انعدام للمختبرات والوسائل التعليمية، وتقنيات مصادر التعلم، فأضحت البيئة الصفية طاردة وتمثل كابوسا ومضيعة للوقت.
ومن هنا سقطت قدسية المدرسة بسقوط هيبة من يديرها، فأصبح الطريق إلى الغش معبدا بما أسلفناه سابقاً، علاوة على ما تم إبداعه من قبل العقول (الشيطانية) لقيادات تربوية، وهي عمليات الترفيع وتعني إيجاد حلول للطلبة الفاشلين وترفيعهم، إما أن يغش، أو بماله سيرفع؛ لذا غرس سلوك لدى التلميذ بأحقيته في الغش أو الترفيع، حتى أضحت هذه الظاهرة تمثل حق للطالب يجب انتزاعه.
ونتائجها نوجزه في الآتي: أولاً الغش أثناء أداء الاختبار أو الامتحان، يحصل التلميذ على تقدير يمثل هذا التقدير استحقاق لسلوك ومهارة ومعرفة هو أصلا فاقدها، وثانياً تضرب العملية التعليمية بمقتل لأنه لا يمكن قياس مخرج التعليم ودراسة مكامن القوة والضعف، إلا مما تقره نتائج الامتحانات،أو ما يسمى بالتقييم، فتظهر جلياً قياسات تحددها نتيجة الامتحانات، وعن طريقها يتم التعرف على مكمن القصور والضعف وتوضع عبرها استراتيجيات لتطوير التعليم.
كيف تقيمون حالياً مستقبل التعليم في الجنوب؟.
لا مستقبل مشرف ومستقر وآمن للجنوب وشعبه تعليمياً، أو في أية مناح حياته مختلفة، ومراكز القوى النافذة في نظام صنعاء مازالت تهيمن على القرارات المصيرية لشعب الجنوب وأرضه وثروته.
هل هناك برنامج بالإمكان أن تقومون به لإنقاذ واقع التعليم في الجنوب ؟.
واقع التعليم في الجنوب أكبر من قدرات منتدى أو مراكز بحوث ومؤسسات تطويرية لإنقاذه في ظل رسم معالم الاستراتيجيات التربوية والتعليمية بأهدافها القريبة والبعيدة والألاعيب التدميرية القائمة والمفروضة من قبل القوى المنتصرة في حرب 94 م، وإنقاذ التعليم في الجنوب لن يتم إلا بعودة الجنوب لشعبه.
هناك ركائز تعتمد عليها التربية والتعليم، ما هي؟.
الركائز التربوية تعتمد على محاكاة الأحاسيس والمشاعر واقتحام الوجدان والنفس لغرس القيم والسلوك والمثل، فتجعل من الفرد سوياً في معاملاته وأعماله، ومنتجاً في أدائه وخلاقاً في إبداعه، وهي تواكب التلميذ وتتوسع وتتطور بتطور مداركه، فتخصص بذلك مقررات دراسية تخصصية لذلك.
أما الركائز التعليمية تعتمد على تحفيز وإثارة العقل بالمعارف والعلوم والمهارات والتطبيقات والتحليلات، وإلى درجة إثارة العقل بمستواه العالي، وهو إعطاء العقل القدرة على إصدار الحكم في أي ظاهرة أو حدث، ويكون مبني على أسس علمية، وكلا الجانبيين التربوي والتعليمي وبركائزهما يتخللان عقل ووجدان التلميذ أثناء الحصة الدراسية ويقوم بها حجر الزاوية الفعلي المعلم.
حاوره/ جهاد محسن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى