«الأيام» تنفرد بنشر تقرير فريق القضية الجنوبية بمؤتمر الحوار:علي عبدالله صالح أقسم على تحويل عدن إلى قرية وذلك ما جرى على أرض الواقع وسيطرة الشمال حملت معها ثقافة الحكم القبلي فتحول الجنوب إلى ميدان للفيد والنهب

> «الأيام»/ قسم التحليل:

> «الأيام» تنفرد بنشر تقرير الحراك الجنوبي السلمي حول جذور القضية الجنوبية المقدم إلى فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني (3)..انتقادات كثيرة، بل واتهامات وجهت إلى فريق القضية المشارك في أعمال الحوار الوطني، قابلها في الجانب الآخر إشادات.. وبعيدا عن الانتقادات والإشادات ظل مضمون ما تقدم به فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار إلى المشاركين فيه وكذا إلى ممثلي الدول العربية والأجنبية والمنظمات الدولية من وثائق ورؤى وأطروحات للقضية الجنوبية انطلاقا من جذور نشأتها حتى وقتنا الراهن وصولا إلى التطلعات المستقبلية المشروعة للشعب الجنوبي.. مبهما عن المواطن الجنوبي وحبيس أدراج هذه الجهة أو ذاك المكون، رغم ما احتواه من حقائق ومعلومات عن معاناة شعب الجنوب وقضيته الجنوبية،غاية في الأهمية.
لذا فـ«الأيام» تنشر على حلقات النص الكامل لمحتوى وثيقة القضية الجنوبية المقدمة في 29 أبريل 2013 م إلى مؤتمر الحوار الوطني الشامل والدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية وممثل الأمين العام للأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
** خامساً: البعد الاقتصادي **
«أقسم الرئيس علي عبدالله صالح على تحويل عدن إلى قرية ».. قد تكون من الأقاويل التي يرددها الناس، وقد لا يكون القسم حقيقياً، لكنه بالتأكيد ما جرى على أرض الواقع، فبموجب اتفاق مشروع الوحدة أصبحت مدينة صنعاء عاصمة الكيان الجديد. وبسقوط صفة العاصمة السياسية عن عدن، وعدم مصداقية تحويلها إلى عاصمة اقتصادية وتجارية عانت مدينة عدن من تدهور لكل مقومات الحياة فيها، وبشكل خاص في الجانب التجاري والاقتصادي.
فقد أغلقت دواوين الوزارات فيها، أما مكاتب فروع الوزارات فلا تستطيع شراء القلم الرصاص بدون العودة إلى المركز في صنعاء.
وقد أسهمت هذه السياسات التمييزية الشديدة في تعطيل مصالح التجار وانتشار الفساد بصورة غير موجودة في مناطق أخرى باليمن.
وقامت الدولة وبشكل حثيث وباستخدام الوزارات ومكتب رئيس الوزراء بتغيير الوكلاء الجنوبيين للعديد من الشركات إلى وكلاء شماليين مباشرة بعد حرب 1994 م حتى وكلاء توزيع الصحف والمجلات الدولية تم إرسال خطابات رسمية بتحويل وكالاتهم.
وأهملت الغرفة التجارية في عدن، وهي أول غرفة تجارية في الجزيرة العربية، أنشئت قبل أكثر من 100 عام، وأصبحت بعد الوحدة أثراً بعد عين.
كما تم إهمال أحواض السفن في ميناء عدن بشكل متعمد أفضى إلى تدميرها، وهي أول أحواض سفن جافة في الجزيرة العربية. وأمرت الدولة مكاتب شركات النفط العاملة في اليمن والتي كانت قد اتخذت من مدينة عدن مقراً لها بالانتقال إلى صنعاء وإغلاق كافة مكاتبها في عدن، كما عملت الدولة على التمييز بشكل عنصري في تقديم خدماتها بفرض تعريفات مختلفة للخدمات الأساسية أرخص في الشمال عن الجنوب، فعلى سبيل المثال مكالمة هاتفية داخل مدينة صنعاء أرخص ب 40 % عنها في عدن وبـ 50 % عنها في المكلا، كما أن سعر الكيلو وات/ساعه من الكهرباء في الشمال للبيوت السكنية أو للأغراض التجارية والصناعية أرخص عنها في الجنوب بفروقات تتجاوز الـ 30 %.
إن ارتفاع نسبة البطالة، والإحالة الى العمالة الفائضة والتقاعد المبكر في محافظات الجنوب. كانت بسبب فقدان عدن لعاصميتها، وإلغاء دواوين الوزارات فيها وإقصاء العمالة الحرة الوافدة من الشمال لنظيرتها من أبناء الجنوب بالمنافسة الاقتصادية والتمييز العنصري ضد الجنوبيين في التوظيف الحكومي الجديد لأبناء محافظات الجنوب، إلى أقل من عدد الموظفين الجنوبيين المتوفين وإلى أقل من ثلث عدد المتقاعدين قانونيا الحديث هنا عن المتقاعدين رسميا وليس عن المتقاعدين قسرا.
الملاحظ أن العوامل السياسية والفساد واختلاف ثقافة العمل، كانت أهم الأسباب الرئيسة للإقصاء والتهميش الاقتصادي لتجار الجملة والتجزئة، والمقاولين، والمستثمرين الجنوبيين. فحجم الإقصاء والتهميش الاقتصادي والتجاري لأبناء الجنوب من أصحاب وكالات تجارية وتجار جملة وتجزئة ومقاولين، وشباب عاطلين عن العمل، ومستثمرين، وعمالة حرة، وموظفين، وقياديين، ومتقاعدين، وسلاطين وشيوخ وعقال، وغيرهم بلغ كما يلي:
1. إقصاء 367.974 عاملا وموظفا حكوميا وقياديا جنوبيا، من أعمالهم.
2. ارتفاع نسبة البطالة بين الذكور في المحافظات الجنوبية والشرقية إلى 22 %، بالمقارنة مع 10 % في المحافظات الشمالية (وفقا للأرقام الرسمية).
3. تربعت محافظة عدن على المرتبة الأعلى في نسبة البطالة بين الذكور بـ31 % تليها محافظة لحج ب 27 % ثم محافظتا شبوة والمهرة ب 26 % تليهما محافظة حضرموت ب 18 %، أي أن الخمس المراتب الأعلى للبطالة بين الذكور هي في المحافظات الجنوبية أما أبين فلا توجد أي بيانات بسبب الدمار الحاصل فيها.
4. حرمان التجار في الجنوب من معظم الوكالات التجارية وجميع الوكالات الملاحية.
5. انخفاض نسبة التجار الجنوبيين في تجارة الجملة إلى 14 %.
6. انخفاض نسبة المقاولين الجنوبيين إلى 14 %. وتركزهم في الفئات دون الثانية.
7. تعرض تجار التجزئة في الجنوب إلى منافسة غير عادلة من قبل أصحاب الفرشات والباعة المتجولين وجميعهم من الشمال ويقومون بتصريف بضائع الموردين الشماليين في الجنوب مع تمتعهم بميزة عدم دفعهم الضرائب والواجبات والإيجارات وتكاليف الكهرباء والماء والصرف الصحي.
8. تعرض المستثمرون من أبناء الجنوب للنهب والاستيلاء غير المشروع على الأراضي التي تم صرفها لهم قبل حرب صيف 1994 م، وتعرضوا كذلك للتمييز في المعاملات الإدارية.
وتعرضت منشآت القطاع العام والتعاوني إلى النهب والتخريب، حيث تم:
1. نهب وتخريب 255 مرفقا حكوميا، كان يعمل فيها 25341 موظفا.
2. نهب وتخريب 333 مؤسسة قطاع عام لها 859 فرعا، تمتلك 1.192 منشأة منها 1.088 منشأة كانت عاملة في ديسمبر1994 م، وكان يعمل فيها 37.279 عاملا.
3. نهب وتخريب 266 تعاونية لها فرع، تمتلك 767 منشأة. كان عدد المنشآت العاملة منها في ديسمبر 1994 م 709 منشاة، يعمل فيها 3.839 عاملا.
كما تعرضت الأراضي الخاصة بأبناء الجنوب للبسط والاستيلاء عليها من قبل المتنفذين وشيوخ القبائل وكبار المسئولين في السلطة، وذلك على نطاق واسع.
ويقدر العدد الإجمالي للمتضررين بحوالي 221 ألف أسرة من سكان الجنوب كما لعبت مصلحة أراضي وعقارات الدولة دوراً في التغيير لوثائق الملكية للأراضي والسجلات في الجنوب، والمثال على ذلك، أن المصلحة قامت في محافظة لحج بالتزوير لغرض النهب والتلاعب بوثائق ملكيات هذه الأراضي التابعة لأبناء محافظة لحج..كما أن حفر الآبار الارتوازية في الأراضي الزراعية وتحويل البعض منها إلى معامل للطابوق (البردين) وكسارات كما حدث في بستان الحسيني الأثري، كل ذلك لهدف تدمير الأراضي الزراعية والتي تظهر عمليات التدمير المنظمة لها قيام الدولة بالتعمد في الضرر للمزارعين.
1. تم الاستيلاء على 4.5 مليون متر مربع من الأراضي المصروفة للمستثمرين، وإعادة صرفها لشيوخ قبائل، ولتجار متنفذين، ولوزراء، ولكبار القادة العسكريين.
2. استولت الهيئة العامة للمنطقة الحرة على 232 مليون متر مربع، صرفت نسبة عالية منها لمستثمرين وهميين ومتنفذين لم ينفذوا المشاريع التي تقدموا بها بل عملوا على الاتجار بالأراضي.
3. استولت المؤسسة الاقتصادية العسكرية على 10.3 مليون متر مربع من الأراضي الخاصة بالمرافق الحكومية وقامت بتوزيعها على متنفذين شماليين.
4. منع المحاكم من قبول أي قضايا حقوقية تخص الأرض، وعدم تنفيذ الأحكام الباتة فيها، من عام 1994 م حتى الآن.
5. منع السجل العقاري من تثبيت أي حقوق للجنوبيين تخص الأرض حتى إن كان قد صدر فيها حكم قضائي نهائي، منذ عام 1996 م.
6. تعطيل تنفيذ الحلول التي أقرتها اللجان الحكومية المتعاقبة لحل مشكلات الأرض.
7. استخدام القوات المسلحة والأمن للاستيلاء على الأراضي، وتسهيل استحواذ المتنفذين عليها وامتلاكها أو البناء عليها أو بيعها.
في الجبال التي تقع معظمها في المحافظات الشمالية، تم إنشاء 1146 سدا وحاجزا مائيا تم بناء معظمها بصورة عشوائية وبدون دراسة لجدواها الاقتصادية. ويمثل ذلك تبديدا مزدوجا للثروات الطبيعية. فتساهم السدود والحواجز في زيادة تبخر المياة وانخفاض ما يصل منها إلى الوديان.
والجنوب هو المتضرر الأكبر من ذلك بالشكل التالي:
1. الانخفاض الكبير في مستوى تدفق السيول في وادي بنا.
2. الانخفاض الكبير في مستوى تدفق السيول في وادي تبن.
3. الانقطاع النهائي لوصول مياه السيول إلى الأراضي الزراعية في محافظة عدن من عام 1992 م حتى الآن. أي لأكثر من 20 عاما متتالية، وهو ما لم يحصل طوال التاريخ الموثق.
وفي مجال الثروة السمكية فإن حجم التبديد والعبث بلغ حد السماح للشركات الدولية المتعاقدة مع نافذين شماليين باستخدام طريق التجريف السمكي في عملية الاصطياد، وهي عملية محرمة في العديد من الدول لآثارها المدمرة على مصايد الآسماك، وقد تجلى أثرها المدمر على الصيادين الفقراء الذين يضطرون إلى الاصطياد اليوم في أعماق أكبر بكثير، وساهم ذلك في رفع أسعار المنتجات البحرية في المدن الجنوبية الساحلية إلى مستويات لم تشهدها في تاريخها وأصبحت أغلى من اللحوم الحمراء.
ولعل الدلائل الواردة في تقرير لجنة الزراعة والأسماك والموارد المائية الصادر بتاريخ 10 رجب 1424 ه الموافق 7 سبتمبر 2003 م، المقدم إلى مجلس النواب كفيل بإعطاء صورة واضحة لحجم العبث بهذه الثروة والوضع الكارثي لها، وأن تلك الأعمال تتم في وجود القائمين على مهمة الرقابة والتفتيش البحري، وهذا يؤكد تواطؤهم مع الشركات التجارية، ولعدم وجود سياسة واضحة لاستغلال هذه الثروة الهامة وبطريقة سليمة ومستدامة.
أما النفط، فإن النهب والتبديد والاستحواذ غير المشروع على الثروة خلال الفترة من 1990 م حتى نهاية أكتوبر 2012 م، فهو على النحو التالي:
1. بلغت كمية إنتاج النفط من الجنوب 1.759 مليار برميل. أي ما نسبته 65 % من إجمالي كمية إنتاج النفط الخام في الجمهورية اليمنية التي بلغت 2.703 مليار برميل.
2. تناقص إنتاج النفط من قطاع مأرب الجوف سنة بعد أخرى مع ازدياد الأهمية النسبية لما يتم إنتاجه من قطاعات النفط في الجنوب. من نسبة 5 % عام 1991 م إلى 89 % مع نهاية أكتوبر عام 2012 م.
3. بلغت قيمة النفط الخام المستخرج من الجنوب 76.801 مليار دولار. بما نسبته 75 % من القيمة الإجمالية لإنتاج النفط في الجمهورية اليمنية البالغة 102.482 مليار دولار.
4. وجود قرائن كثيرة على وجود فساد كبير في مجال النفط. تؤكده الحقائق أدناه:
- الفارق الكبير بين إجمالي الإنتاج النفطي اليمني القليل والكمية الكبيرة المباعة في الأسواق العالمية.
- وجود بعض القطاعات التي لا تدفع الإتاوات.
- انخفاض الإتاوة في بعض القطاعات.
- وجود شركات محلية مشبوهة تحصل على جزء من نفط التقاسم.
- وجود مقاولين بالباطن لشركات مملوكة لمسئولين في الدولة.
- ارتفاع كلفة إنتاج النفط في بعض القطاعات بصورة تثير الشكوك.
- ارتفاع الكمية المستخدمة في العملية الإنتاجية في بعض القطاعات.
- وجود شركات ثبت أنها دفعت رشاوى كبيرة لرؤساء دول أفريقية.
- وجود فساد كبير في العديد من القطاعات النفطية، منها قطاع S1 في جنه، قطاع رقم 14 المسيلة، وقطاع رقم 51 شرق حجر، وقطاع رقم 10 شرق شبوة.
** سادساً: البعد الثقافي والاجتماعي **
إن حقائق الأمور تتطلب النظر إلى طبيعة التطور الثقافي والاجتماعي للجنوب في تاريخه الحديث والمعاصر، فمجمل التطور التاريخي أوجد ثقافة مجتمعية مختلفة عنها في شمال اليمن ولاشك في أن النظر إلى التطورات الثقافية والاجتماعية لا يتم إلا ضمن سياق اجتماعي تاريخي معين باعتبار الثقافة جزءا من كل لمجمل التطور الاجتماعي، تفتضيه شروط التطور الاقتصادي والاجتماعي،وتتم مؤازرته بمنظومة متكاملة سياسية وحقوقية.
يشير الواقع إلى أن هناك ثقافة مدنية تأسست في الجنوب لعقود أحدثت تحولاً في سلوكيات الجنوبيين، فبات ترسيخ مبدأي النظام والقانون والاحتكام إليها هما المؤشران الرئيسيان للدولة في الجنوب ولقد كان من سوء حظ حكام الجمهورية العربية اليمنية أن سيطرتهم على عدن في 1994 م جاءت بعد ما يزيد على ربع قرن من قيام حكم وطني في الجنوب، نشأت فيه أجيال صبغتها هوية وطنية واحدة تتمتع بكافة الحقوق المدنية والمساواة أمام القانون. وحين سيطر الشمال على الجنوب حمل معه ثقافة الحكم القبلي، وكان من النتائج المباشرة لسيطرة ثقافة الحكم هذه تحويل الجنوب إلى ميدان واسع للفيد والنهب والسلب لصالح القوى المنتصرة في الحرب وتجاهل وتهميش مصالح سكان الجنوب الذين باتوا في ظل النظام الجديد يفتقدون الغطاء القانوني لحماية مصالحهم الخاصة والعامة.
كما سادت حملات التوعية السياسية والمشاركة الشعبية المجتمعية في مناقشات القوانين وربط الكثير من الفئات الاجتماعية بالعمل والإنتاج والنشاط الزراعي وهي السياسات المتبعة لهذه المشاركات المختلفة. بالإضافة الى ما أحدثه التعليم من ثورة على الموروث الاجتماعي وبشكل خاص في مجال تعليم الفتاة وإلى أعلى المستويات داخلياً وخارجياً، وربط ذلك بحقها في المشاركة بالعمل، حيث تؤكد الدلائل أن المرأة الجنوبية حظيت بمكانة اجتماعية كشريك فاعل في عملية التنمية ولا أدل على ذلك من التوقيع والمصادقة على الاتفاقية الدولية لإزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) في مايو 1984 م كما أن حملات محو الأمية وتعليم الكبار أحدثت طفرة ملموسة في رفع الوعي المجتمعي بين أوساط واسعة من المجتمع وكان لنتائج هذه الحملات تحديداً بين أوساط النساء أن منح الاتحاد العام لنساء اليمن ميدالية كروبسكايا من قبل منظمة اليونسكو عام 1984 م لإنجازاته في تصفية الأمية من بين أوساط النساء بينما راهناً تعاني المرأة في الجنوب من نسبة أمية مرتفعة بلغت حوالى 65 %.
وشهدت عدن نشوء أول حركة نسائية في الجزيرة العربية منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي وكانت أول تظاهرة للنساء في الجزيرة العربية في عدن في العام 1951 ضد العنف المنزلي، وهو ما تحاول المنظمات النسوية في صنعاء تزويره وقلب هذه الحقائق بادعائها نشوء الحركة النسائية في صنعاء.
لقد تحقق للمرأة الجنوبية المساواة وتكافؤ الفرص في مواقع صنع واتخاذ القرار من سبعينات القرن الماضي فهي اول قاضية واول نائب وزير واول عميد كلية اقتصاد واول مذيعة تلفزيون واول مذيعه إذاعة واول مالكة ورئيس تحرير لصحيفة واول طيار واول سائقة تاكسي واول مظلية على مستوى الجزيرة العربية.
إن المرأة الجنوبية التي بلغ عددها 38 قاضية في مختلف درجات القضاء والنيابة تأكيد على أن الفوارق التمييزية في النوع الاجتماعي لم يعرفها الجنوب بل ان المشاركة السياسية كانت واضحة المعالم في مجال انتخابات مجالس الشعب المحلية في الجنوب في أول دورة في 1976 م وكذا انتخابات مجلس الشعب الأعلى في دورته الثانية في عام 1987 م إذ بلغ عدد مقاعد النساء 10 عضوات من أجمالي 101 عضو بنسبة 10 % من إجمالي الأعضاء، كما لعب صدور قانون الأسرة في 1 يناير 1974 م باعتباره احد قوانين الاحوال الشخصية في الوطن العربية دوراً هاماً في الحياة الأسرية في الجنوب، إذ ساهم كثيراً في تعميق علاقات الاحترام والتكافؤ بين المرأة والرجل في تحمل أعباء الحياة الأسرية.
كما تأسست منظومة متكاملة للمنظمات الجماهيرية ممثلة بالاتحاد العام لنقابات عمال الجمهورية واتحاد الشباب واتحاد الطلبة واتحاد الفلاحين وجرى بعد حرب صيف 1994 م تفيد كل المباني التابعة لهذه المنظمات وهناك محاولات مستميته راهناً لإعطاء مقر النقابات في عدن لاحد المتنفذين والذي يعتبر احد اهم انجازات الحركة العمالية في الجنوب منذ اواخر خمسينات القرن الماضي والذي عرف بالمؤتمر العمالي والنقابات الست فيما بعد.
كما سادت الجنوب ثقافة مجتمعية تستند على انظمة مؤسساتية فكان انشاء البنى التحتية الأساسية المطلوبة من المدارس ورياض الاطفال والمراكز الثقافية وجامعة عدن وفروعها ومعهد الفنون الجميلة والمسرح الوطني والمكتبة الوطنية والمجمعات الصحية حيث منحت الدولة شهادة القضاء على مرض السل من قبل منظمة الصحة العالمية في العام 1983 م.
اما مراكز رعاية الأمومة والطفولة والتي قدمت خدماتها للأم الحامل والطفل فقد أنجزت حملة مكافحة الأمراض الستة الفتاكة بالطفولة كمشروع متكامل بدعم من منظمة اليونيسف في عامي 1982 م و 1983 م.
وجاء التوقيع على اتفاقية حماية حقوق الطفل الدولية في 13 فبراير 1990 م تأكيد على الضمانات في الحماية والرعاية للنشء.
كل هذه المعطيات وفرت الآليات لحراك اجتماعي ثقافي لعب دوراً تنموياً تطويرياً ويمكن القول إنها احدثت نهضة اجتماعية ثقافية في الجنوب لا ندعي كمالها، ولكنها كانت تتجه بخطى ثابتة صوب مجتمع مدني متطور يضمن الرفاه الاجتماعي للإنسان في الجنوب.
إن هذه النهضة الثقافية الاجتماعية في الجنوب والتي للأسف تم القضاء عليها بعد قيام الوحدة مباشرة في العام 1990 م بفعل السياسات الخاطئة والممنهجة لنظام صنعاء وبشكل سافر بعد حرب صيف 1994 م، فبدلاً من تسخير قدرات البلد وثرواته في تطوير التعليم، باعتباره أحد أهم ركائز بناء الانسان وأداة التنمية وهدفها والثروة الحقيقية لأي مجتمع، حدث تراجع كبير لما تم إنجازه في مرحلة ما قبل الوحدة، حيث عملت عقلية المنتصر بعد حرب صيف 1994 م، على صياغة سياسة تعليمية تنسجم ومصالح الفئة الأقل والمسيطرة على مقدرات الجنوب ومستقبل أبنائه، بالإضافة الى تدمير منظومة القوانين الاجتماعية، التي أسست لقيم إنسانية حضارية وعلاقات متكافئة بين جميع أفراد المجتمع.
إن التدمير الممنهج للقيم المدنية والثقافية التي تراكمت عبر عقود في الجنوب، لهي واحدة من مظاهر سياسات القوة التي اتبعها النظام في الشمال، فالخطوات المتبعة للتدمير المتعمد للمتنفسات والشواطئ والجبال، والبناء العشوائي في كل مدن الجنوب، وتدمير أكثر من 39 متنزه للأطفال في مدن الجنوب بصرفها كأراضي للمتنفذين.
وتعززت سياسة الفيد والغنائم المتبعة منذ ما بعد حرب صيف 1994 م حيث عمدت إلى التغيير لهوية مختلف مدن الجنوب فتم تغيير أسماء المدارس والشوارع بطريقة سياسة عنصرية حذفت أسماء أبطال وشهداء وأعيان الجنوب من تلك المسميات واستبدلتها بأسماء شمالية.
إن تهديم مسجد أبان في مدينة كريتر بعدن واحدة من أكبر الدلالات على طمس هوية مدينة عدن، بكل معالمها الأثرية والتاريخية وهي جرت ولا تزال إلى يومنا هذا على قدم وساق مثل صرف المعبد اليهودي في كريتر لأحد المتنفذين ومحاولة صرف مقابر البهرة والإسماعيليين ومقبرة اليهود حيث يجري المحافظة في الشمال على كل حجرة وشجرة أثرية ولا ننسى النهب الكارثي لمتاحف عدن بعد دخول القوات الشمالية إليها في حرب صيف 1994 م.
ولايزال هذا العبث الممنهج مستمراً حتى اليوم فجزيرة سقطرى اليوم مهددة بالإزالة من قائمة منظمة اليونسكو للإرث الإنساني بسبب عدم دفع الرسوم من قبل الحكومة اليمنية وبسبب العبث بالسواحل التي تم تمليكها لنافذ واحد من النظام السابق وعبث بالأراضي فيها بشكل لا يصدقه عقل بينما مدينة زبيد الشمالية تحظى بكل دعم حكومي ودفعت رسوم بقائها في قائمة الإرث الإنساني.
وعمدت السلطة إلى تعميق الشرخ في النسيج المجتمعي، محددة ملامح تاريخية جديدة للجنوب أسست له تاريخاً أطلق عليه 7 يوليو 1994 م يوم النصر.
ادى كل ذلك إلى بروز مؤشرات خطيرة يعيشها الجنوب تكمن في الآتي:
1 - اللجوء إلى التحكيم القبلي وسلطة الأعراف أدى إلى انتعاش عمليات الاقتتال والثأرات القبلية بعد أن عمل الجنوب على التخلص من ظاهرة الثأر والاحتكام إلى سلطة القانون. فقامت الدولة بفرض هيئة شؤون القبائل في الجنوب وبدأت بتعيين شيوخ قبليين يحملون بطاقات تعريفية رسمية بأنهم شيوخ لمناطقهم وعينت شيخين أو اكثر في معظم المناطق الريفية لإشعال خلافات بين أتباع كل شيخ ودعمت أطرافا عدة بالمال والسلاح لإذكاء هذه الصراعات الجديدة على الجنوب.
2 - عدم ترسخ مبدأ النظام والقانون والاحتكام إليه.
3 - ظاهرة الفساد المستشري في كل مفاصل الحياة الخاصة والعامة.
4 - عدم استيعاب الخريجين من الجامعات والمعاهد العليا، حيث بلغت نسبة البطالة بين اوساط الخريجين في محافظة عدن 31 %، بينما تمنح الوظائف للخريجين القادمين من الشمال، بالوساطة.
5 - انتشار الفقر في أوساط الأسر بالجنوب.
6 - التعطيل والإلغاء المتعمد للقوانين.
7 - وآخر ما قام به النظام ترحيل وثائق المكتبة الوطنية والتي تحتوي على السجلات المدنية والبلدية إلى صنعاء، وسبق ذلك بأعوام السطو وفي منتصف الليل على أرشيف تلفزيون وإذاعة عدن، ونقل كل المحتويات إلى تلفزيون صنعاء، في مسعى لطمس الثقافة والموروث الغنائي والمسرحي للجنوب، والذي هو الأساس للأغنية الخليجية واليمنية.
8 - انتشار بيع المخدرات نهاراً جهاراً في المدن الجنوبية ويتم ذلك بحماية جنود تابعين للأمن المركزي، لتدمير الشباب الجنوبي.
وتدهور مستوى الخدمات الحكومية في مجالي التعليم والصحة، يدل على واقع مفزع حيث انخفضت نسبة الملتحقين حاليا بالتعليم من اجمالي السكان. فمن بين 21 محافظة في اليمن جاءت محافظة حضرموت في المرتبة رقم 16 ، واحتلت محافظات عدن، ابين، شبوة، لحج المراتب 13 ، 12 ، 11 ، 10 على التوالي. وجاءت محافظة المهرة في المرتبة 6. وجود نسبة 22.6 % من السكان في سن التعليم خارج المدرسة في محافظة عدن.
وارتفاع نسبة التسرب من الصف الأول حتى الصف التاسع 23 % للإناث، 12.6 % للذكور. لقد أسهمت السياسات الحكومية المنظمة في تدمير المنظومة التعليمية في الجنوب إلى ارتفاع معدل الأمية إلى أكثر من 49 % بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من القضاء على الأمية تماماً في العام 1990 م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى