عدن وآثارها .. وطمس تاريخ عريق

> إعداد وتقديم: بلال غلام حسين:

> يُعد الراث الحضاري والمعالم المعمارية على اختلاف أنواعها وأشكالها مبعث فخر للأمم، واعتزازها بتاريخها دليلاً على عراقتها وأصالتها، ولهذا عملت حكومة عدن على إصدار التشريعات والقوانين التي تضمن حماية آثارنا ومعالمنا، وبالتزامن مع (جمعية خبراء الآثار) في لندن الذين قاموا بتوجيه نداء عام لحماية المعالم الأثرية والآثار في عدن، وكانت أحد أهم نتائج هذا النداء هو صياغة وإقرار أول قانون للآثار في مستعمرة عدن لسنة 1939 م مما أعطى ولأول مرة إطاراً قانونياً للأنشطة الأثرية وحماية التراث في البلاد.
وفي عام 1962 م أُنشئت أول إدارة حكومية رسمية للآثار في مستعمرة عدن وعُين السيد علي عبدالله الصافي وزيراً لها. ولكن منذ بداية تسعينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا بدأت النظرة لتراث وتاريخ عدن تأخذ منحىً سلبيا، وظهر العديد ممن نظروا إلى معالم وتاريخ عدن نظرة حاقدة ومدمرة، وأنه يجب التخلّص منها، وقد سببت هذه النظرة إلى تدمير الكثير من المعالم التاريخية الهامة لعدن وطمسها نتيجة لضعف الرقابة وغياب النظام والقانون وذهبت إلى غير رجعة ولا زلنا نتحسر عليها حتى يومنا هذا.
المعبد اليهودي قديما في شارع السبيل بكريتر
المعبد اليهودي قديما في شارع السبيل بكريتر
وأولى هذه المعالم التي بدأت تطالها يدُ الطمس والتدمير إيذاناً بقص الشريط لتلحقه ببقية المعالم الأثرية في عدن، كان مسجد (أبان) التاريخي العتيق - الذي كان - واحداً من أقدم المساجد التي بُنيت على هذه الأرض المباركة منذ زمن بعيد، ويعود تاريخ تشييد هذا المسجد إلى القرن الثاني الهجري عندما قدم الحكم بن أبان بن عثمان بن عفان إلى عدن في العام 150 هجرية،ليعمل فيها قاضياً وقام بالبحث عن المكان الذي وضعا فيه أبو موسى الأشعري ومعاذ بن جبل أساس المسجد عندما أرسلهم الرسول - عليه الصلاة والسلام - لليمن ليكمل بناء المسجد، فشيد الحكم بن أبان المسجد وأسماه باسم والده أبان بن عثمان بن عفان (مسجد أبان)، ولهذا اعتبر أول مسجد بُني في عدن في عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام.
اليوم لم يعد لهذه المآثر وجود، وطمس أثره بعد تدميره وبيعت أبوابه وأخشابه المنحوتة والعتيقة في متاحف أوروبا، ولم يعد المسجد حديث البناء والذي بُني على أنقاض مسجد أبان التاريخي يعني شيئا بالنسبة لأبناء عدن، ولا يصح الأخذ أو التعريف به كمعلم تسميته معه.
مسجد أبان قديما بعد أن حدد موقعه الصحابيان أبو موسى الأشعري ومعاذ بن جبل
مسجد أبان قديما بعد أن حدد موقعه الصحابيان أبو موسى الأشعري ومعاذ بن جبل
وهناك معلم تاريخي آخر طُمست معالمه بعد حرب صيف 1994 م وهو (المدرسة الأنجلو – جزراتية) ذلك الصرح التعليمي العريق الذي قام بإنشائه السير (هورمُسجي كوسجي دنشو) ابن رجل الأعمال الفارسي (كوسجي دنشو) من تبرعات المحسنين من أبناء عدن عام 1920 م، هذه المدرسة بُنيت لأغراض تدريس أبناء عدن الهنود اللغة العربية وغيرها من المواد العلمية، وقد عمل فيها الفنان الكبير أبوبكر سالم بالفقيه كمدرس للغة العربية. تغير اسم المدرسة بعد 67 م إلى مدرسة الخليج الأمامي الإعدادية ومن ثم إلى مدرسة الشهيد مدرم، وبُنيت المدرسة على الطراز الفيكتوري العتيق ذات الارتفاع العالي ومنافذ لدخول وخروج الهواء في كل تاريخي لأن الأثر أُزيل تماماً وضاعت أنحاء المدرسة، وأُستخدم فيه الحجر الشمساني المعروف في عدن ليضفي عليها رونقا عدنيا خاصا، وطبعاً كغيرها من المباني التاريخية العريقة في عدن التي طُمست وهُدمت معالمها، قاموا أيضاً بهدم هذه المدرسة وبدلاً عنها قاموا ببناء مدرسة أخرى مع تغيير اسمها إلى مدرسة عقبة بن نافع الإبتدائية حتى لا يبقى للتاريخ أثر.
مركز الحاشدي الذي أقيم على أنقاض المعبد اليهودي
مركز الحاشدي الذي أقيم على أنقاض المعبد اليهودي
وثالث أحد أهم المعالم التاريخية التي عملت أيادي العبث والحقد بتدميره وطمس معالمه هو المعبد اليهودي الكبير (ماجين أفراهام) في كريتر - شارع السبيل وبُني هذا المعبد على أنقاض معبد يهودي سابق يعود تاريخ بنائه إلى العام 1856 م، واعتبر هذا المعبد واحداً من أروع وأجمل المعابد اليهودية في العالم ويتسع لـ 1000 شخص، حوله الحزب الاشتراكي بعد الاستقلال إلى مخازن للبطاط والبصل ولكنه حافظ عليه، وبعد حرب صيف 1994 م تم الإستيلاء عليه وتدميره وأُقيم على أنقاضه مركزا تجاريا معروف باسم الحاشدي، ولأن اليهود يحترمون ديانتهم وعقيدتهم، لم يتركوا حجارة المبنى بعد هدمه تذهب سُدى وحرصوا على نقلها بواسطة سفينة خاصة إلى إسرائيل.
وأخيراً وليس بآخر، ها هو معلم آخر من معالم عدن التاريخية تطوله يد التدمير الممنهج لتُمحي تاريخ عظيم ارتكزت على أساسه مدينة عريقة مثل عدن، وهذه المرة نالت أيديهم الطولى صرح تعليمي آخر لتدق آخر مسمار على نعش التعليم الذي طالما تباهت وافتخرت به عدن، وهو المدرسة الإسامية والتي عُرفت بمدرسة (شيرين بهاي لالجي) تيمناً بها، حيث قامت هذه المرأة العدنية المسلمة الفاضلة بحملة لجمع التبرعات لتؤسس هذه المدرسة عام 1947، ولكن هيهات للعقول المتخلفة الإبقاء على مآثر التنوير فعملت حكومة الثورة بعد الاستقلال على تأميمها وحولتها مقراً للحزب الاشراكي وعزاؤنا الوحيد أنها حافظت عليها حتى العام 1990 م حينها قام المتنفذون بنهبها وتدميرها وطمس كلما يتعلق بتاريخها وتحويلها إلى سراب.
مدرسة )الانجلو - الجزراتية( التي أقيمت عام 1920 م
مدرسة )الانجلو - الجزراتية( التي أقيمت عام 1920 م
وهناك العديد من الآثار والمعالم طالتها يد الخراب والتدمير بعد حرب صيف 1994 م، ورسم المتنفذون والحاقدون خطة ممنهجة لمحو تاريخ عدن وتدميرها والعبث بمقدراتها وتحويلها إلى قرية تنخر فيها يد الفساد حتى يومنا، وكم يطول الانتظار فيك ياعدن ؟!
إعداد وتقديم: بلال غلام حسين

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى