«الأيام»..تنفرد بنشر تقرير فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار (5): الجنوب قدم للوحدة طواعية كل ما يملك ولم ينل بالمقابل سوى المهانة والذل والظلم ..مشايخ ورجال دين في الشمال رفضوا الوحدة تحت مبرر أنه لا يمكن التوحد مع كفار وملحدين

> «الأيام»/ قسم التحليل:

> نشرت «الأيام» في الحلقات الماضية تقرير جذور القضية الجنوبية المقدم من فريق القضية الجنوبية إلى مؤتمر الحوار الوطني، وتن ر الآن تقرير الرؤية المقدمة من الحراك السلمي الجنوبي لـ(محتوى القضية الجنوبية) إلى فريق القضية الجنوبية بمؤتمر الحوار الوطني بصنعاء في 25 مايو 2013 م.
** الملخص التنفيذي **
لا يمكن الفصل بين الجذور ومحتوى القضية الجنوبية، فجذور القضية هي جزء من محتواها وهي الأسباب التاريخية الحقيقية لمحتوى القضية بأبعادها المختلفة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية وغيرها. فرضت سلطة الغلبة بالحرب الخفية في صنعاء بعد عام 1994 م نموذجها على الوحدة وعممت نظام الجمهورية العربية اليمنية كله، نظام اللا دولة، نظام القبيلة والعصبية، والعسكر وعلماء السلطة، نظام تمركز السلطة والثروات بأيدي القوى المتنفذة في صنعاء. ولإدراك هذه المراكز لعمق مدنية شعب الجنوب عملت على اتباع سياسات ممنهجة لمحو هوية وثقافة ومدنية شعب الجنوب، خلق الثأرات والنزاعات القبلية بإحيائها وإعادة انتاجها بصورة ممنهجة، القضاء على المؤسسات العسكرية والأمنية. لقد طالت الحرب وبعدها كل شيء في الجنوب وما ألفه واعتاد وتعلق به من تاريخ ورمزيات ومن حضور حقيقي للدولة والنظام والقانون، عملت هذه المراكز المنتصرة بعد حرب 1994 م على إلغاء الجنوب شعبا وهوية ودولة باتباع السياسات التالية:
• طمس هوية وثقافة الجنوب.
• تدمير البنية المؤسسية والبشرية للجنوب.
• القتل والإقصاء للكوادر الجنوبية.
• نهب ثروات ومقدرات الجنوب.
** المحتوى القانوني **
إن شعب الجنوب في ظل دولة مستقلة تحت اسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والمقيم على أرضه منذ آلاف السنين تطلع إلى مشروع الوحدة على أساس اتفاقية شراكة مع شعب الجمهورية العربية اليمنية، وهو في هذه الحالة لم يبع أرضه وثرواته ومؤسساته ولم يرهنها لأحد بل كان دافعه للوحدة هو الإخاء العربي والإسلامي والقومي ولكن هذه الوحدة ضربت في الصميم بإعلان الحرب في 27 ابريل 1994 م من قبل سلطات صنعاء.
إن الوحدة التي قامت بين الدولتين في الشمال والجنوب لم تكن قائمة على أسس وقواعد القانون الدولي والمواثيق الدولية كما أن اتفاقية الوحدة المبرمة كانت بين دولتين ذات سيادة وأعضاء في العديد من الهيئات والمنظمات الدولية والعربية ولم تشرك أي من هذه الهيئات وتحديداً منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في التوقيع على هذه الاتفاقية ولو حتى كشهود ولم تنشر تلك الاتفاقية أو تودع لدى الهيئات الدولية ولا يعلم الشعب في الجنوب والشمال عن هذه الاتفاقية شيئاً سوى ما تسرب بأنها من صفحة ونصف الصفحة، وهي مساحة لا تكفي حتى لعقد تأجير محل.
** المحتوى السياسي **
اعتمدت مراكز القوى في صنعاء وسلطة الحرب الأساليب العسكرية والأمنية المختلفة لإحكام سيطرتها على جغرافيا الجنوب لتكريس الفيد والنهب المستمر على مقدراته وثرواته، مستخدمة مختلف الأساليب والسبل لاستدعاء وإذكاء جراحات وخلافات الماضي بهدف تفكيك البنية الاجتماعية والسياسية،فاتبعت سياسة التعاقدات الانتقائية لضمان التمثيل الشكلي للجنوب وإفراغه من محتواه كمؤسسات دولة قامت على النظام والقانون.
أحدثت حرب صيف 1994 م تصدعات عميقة في جدار الوحدة حيث انتقل التصدع من جدار الجغرافيا الى تاريخ الوعي الاجتماعي والسياسي، ومما زاد الأمر سوءاً الممارسات التي أعقبت الحرب وانفراد السلطة في صنعاء بحكم دولة ما بعد 94 م، كما أنها لم تقم بحل المشاكل الناجمة عن الحرب، بل إنها استعذبت نتائجها المأساوية ووظفتها لتكريس سياسة النهب والإقصاء والاستبعاد والتسلط في حين يؤكد مواطنو الجنوب أن السلطة الى جانب تسريح عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين عقب الحرب في 1994 م، قد أطلقت أيدي الفاسدين والنافذين لنهب أراضي الجنوب وبيع مؤسساته العامة للمقربين، إلا أن قرار تسريح عشرات الآلاف من العسكريين والمدنيين دفعهم لأن يطلقوا شرارة (الحراك الجنوبي).
** طمس هوية وثقافة الجنوب **
يقول عباس محمود العقاد «إذا أردت أن تدمر أمة فابدأ أولاً بثقافتها».. ولما كانت سلطة صنعاء تعرف جيداً أن الجنوب هوية وثقافة وكيانا سياسيا وقانونيا، تاريخيا وجغرافيا، ضارب أعماقه في جذور التاريخ، فقد عملت السلطة، جاهدة لكل ما من شأنه طمس الهوية الثقافية للجنوب وتاريخة السياسي، لمصلحة المنتصر بمفهوم أن الجنوب مجرد فرع تابع للشمال، بل تحويل التاريخ السياسي والثقافي والتراث الكفاحي الجنوبي إلى فيد صيغ وفقاً لثقافة المنتصر في إطار من التضليل لخلق هوية وطنية جديدة زائفة يكون فيها الولاء للنظام في صنعاء.
يؤكد الباحث أ. قادري أحمد حيدر أن قوى الحرب حرمت شعب الجنوب من ثروته الوطنية، وعملت على تجويعه وإفقاره بعد تحويل ثروته الوطنية والاجتماعية والتاريخية إلى غنيمة حرب وفيد للمتنفذين العسكريين والقبليين والجهاديين الإسلامويين، وكان أكثرها قسوة ومرارة على العقل والقلب والوجدان تدمير وإهانة تراثه الثقافي والاجتماعي والوطني، وتحقير رموزه السياسية والوطنية التاريخية، وإزالة معالمه الثقافية والاجتماعية والوطنية المجسدة لشخصيتهم ولمعنى وجودهم الاجتماعي والوطني، في عملية تدمير وتخريب واسعة، وبصورة ممنهجة ومنظمة من تدمير للذات الوطنية والاجتماعية الجنوبية لم يعرفها أبناء الجنوب حتى في ظل الاستعمار البريطاني.
** تدمير البنى المؤسسية والبشرية للجنوب **
امتلك الجنوب مؤسسة عسكرية وأمنية مؤهلة تأهيلاً عالياً ومتدربة تدريباً احترافياً بشهادة المراكز الاستراتيجية العسكرية العالمية، وكان من أفضل جيوش المنطقة، حينها حيث كان الاتحاد السوفيتي سابقاً وبلدان حلف «وارسو» وفي إطار بروتوكولات التعاون العسكري يجري تدريب وتأهيل كل مكونات جيش الجنوب في بلدانها.
هذه المؤسسة التي ساهمت في ميزان معادلة الأمن الوطني والقومي والدولي في المنطقة كانت الهدف الرئيس والأساس لنظام مراكز القوى الثلاث في صنعاء حيث تم تصفيتها أثناء وبعد حرب 1994 م.
وتعرضت منشآت القطاع العام والتعاوني إلى النهب والتخريب، حيث تم:
1. نهب وتخريب 255 مرفقاً حكومياً، كان يعمل فيها 25341 موظفاً.
2. نهب وتخريب 333 مؤسسة قطاع عام لها 859 فرعاً، تمتلك 1.192 منشأة منها 1.088 منشأة كانت عاملة في ديسمبر 1994 م، وكان يعمل فيها 37.279 عاملاً.
3. نهب وتخريب 266 تعاونية لها 501 فرعاً، تمتلك 767 منشأة. كان عدد المنشآت العاملة منها في ديسمبر 1994 م، 709 منشاة، يعمل فيها 3.839 عاملاً.
أغلقت دواوين الوزارات في عدن، أما مكاتب فروع الوزارات فلا تستطيع شراء القلم الرصاص بدون العودة الى المركز في صنعاء.
وقد أسهمت هذه السياسات التمييزية الشديدة في تعطيل مصالح المجتمع كله، بما فيها مصالح المستثمر المحلي والاجنبي وانتشار الفساد بصورة غير معهودة وغير موجودة في مناطق أخرى في اليمن.
وقامت الدولة وبشكل حثيث وباستخدام الوزارات ومكتب رئيس الوزراء بتغيير الوكلاء الجنوبيين للعديد من الشركات إلى وكلاء شماليين مباشرة بعد حرب 1994 م، حتى أن وكلاء توزيع الصحف والمجلات الدولية الجنوبيين تم إرسال خطابات رسمية إلى الناشرين بتحويل وكالاتهم.
** القتل والإقصاء **
منذ انتهاء الحرب بين الجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي) في 7 يوليو 1994 ، شهد الجنوب تصعيداً غير مسبوق في انتهاكات حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني والعنصرية الممنهجة، والتي ترتكب من قبل القوات العسكرية والأمنية اليمنية والمليشيات المسلحة التابعة لنظام صنعاء المنتصرة في حرب 1994.
** نهب ثروات ومقدرات الجنوب **
إن مصالح مراكز القوى مصدرها الرئيس ثروات الجنوب وتحديدا من قطاعات النفط.. وذلك من خلال تقاسم الثروات بأوجه عدة: شركات النافذين لبيع النفط، ووكالات تمنح من خلالها الشركات المنتجة نسبة من الدخل لشركات أخرى يملكها نافذون.
مثال على ذلك وليس الحصر شركات الإنتاج النفطي لقطاعات نفطية وكلاؤها من المتنفذين الشماليين (قطاع شركة كالفالي وتوتال، وأو. إم. في، وكي. إن. أو سي، وكنديان نكسن، ودوف إنرجي ليمتد...إلخ) وشركات خدمات نفطية يمتلكها نافذون وشيوخ قبائل شماليون مثل شركة الحاشدي وشركة الحثيلي وشركة الماز وشركة شلبمرجر وشركة أركاديا وشركة MI وشركة الكون وشركةجريفن وشركة تنمية ووكالات شركات خدمية ومقاولات من الباطن وكثير من الشركات الأخرى للمتنفذين في الدولة وكلهم من المحافظات الشمالية، وتمنح عقود بإجراءات غير سليمة، غالبا بمقابل عدم محاسبة الشركات المنتجة للنفط المالكة لحق الامتياز على الميزانيات المبالغ فيها والعمالة الأجنبية والإضرار بالبيئة وأمور كثيرة ساهمت في تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في الجنوب.
** المدخل **
بينت جذور القضية الجنوبية بجلاء أن مشروع الوحدة اليمنية لم يعن في فكر السلطة في الجمهورية العربية اليمنية غير مشروع للتوسع ونهب الثروة وضم الفرع للأصل. هذا المفهوم للوحدة وواقع النهب والظلم والإلحاق لم يتغير منذ 1990 م حتى الآن.
عملت السلطة الخفية (الائتلاف القبلي والعسكري وعلماء السلطة) في الجمهورية اليمنية منذ اليوم الأول للوحدة على وأد حلم الوحدة اليمنية الذي تغنى به الجنوب منذ الاستقلال ليكتشف بعد 1990 م وتحديداً بعد حرب عام 1994 م، أن مفهوم الجنوب للوحدة كان مختلفاً تماما، كانت تعني له الشراكة والقوة والتعددية والقبول بالآخر ومستوى أفضل لمواطنيه والخطوة الأولى لتحقيق حلم الوحدة العربية، بينما لم تكن الوحدة في ذهنية سلطة الجمهورية العربية اليمنية تتجاوز الأطماع في المزيد من الأراضي والثروة والسلطة.
قدم الجنوب للوحدة طواعية كل ما يملك، الدولة، الأراضي والثروات وبنية اساسية وقاعدة مادية ضخمة، ومقابل ذلك لم ينل الجنوب سوى المهانة والذل والظلم طيلة 23 عاما جعلته يرفض مشروع الوحدة ويدرك حجم الوهم والخداع الذي نهاية الملخص التنفيذي.
وقع فيه ولينتفض في 2007 م بحراكه الشعبي السلمي الجنوبي في ثورة جديدة لاستعادة هويته ودولته المنهوبة. إن المعاناة اليومية لشعب الجنوب طيلة 23 عاما - هذا الشعب الذي سادت فيه قيم مختلفة سياسية، قانونية، ثقافية واجتماعية شكلت عبر قرون من الزمن قيام دولة المؤسسات والنظام والقانون فيه- جعلته يدرك بوضوح طبيعة السلطة الحقيقية الحاكمة في صنعاء، هذه السلطة الخفية التي تكونت من تحالف مصالح قبلية وعسكرية وعلماء سلطة على مر عقود من الزمن، هذه السلطة التي جثمت على أنفاس أبناء الجمهورية العربية اليمنية منذ ما قبل اندلاع ثورة 1962 م والانقلابات على الرؤساء واغتيالهم حيث سيطرت هذه القوى على مفاصل الدولة وحرفت مسارها وبسطت نفوذها بالكامل على مقدرات وقرارات الشعب اليمني.
حرب عام 1994 م كانت الإعلان الرسمي لانتهاء الوحدة الطوعية وأظهرت حقيقة وطابع سلطة الحرب بتحالفاتها ودفاعها المستميت ليس للوحدة بل لمصالحها التوسعية. شهدت الحرب تسخيراً وتعبئة دينية وقبلية من قبل (السلطة الخفية) تحت شعار المحافظة على الوحدة اليمنية بينما الحقيقة لم تكن سوى بهدف نهب مراكز النفوذ لثروات الجنوب حتى وقتنا الحاضر.
إن النزاع المسلح الذي حدث في عام 2011 م بين علي عبد الله صالح وآل الأحمر لم يكن بسبب موالاتهم للثورة بل لرفض آل الأحمر توجه علي صالح في توريث الحكم لابنه والانحراف عن الاتفاق الذي أبرم عند تنصيبه رئيسا أن تكون المرجعية للائتلاف الثلاثي، كانت حربا للحفاظ على السلطة وتثبيت مرجعية مراكز القوى القبلية على حساب مرجعية أسرة على صالح.
قاوم شعب الجنوب الاستعمار البريطاني وناضل لاستعادة حريته ورفضه للذل والتبعية، تعود على الحرية والمواطنة المتساوية والدولة المدنية، على عكس الشعب اليمني في الشمال الذي وضع تحت حالة قهر تاريخية، متعددة الأشكال، تعود فيها العيش في ثقافة القبيلة وسلطتها ورضخ لها لقرون عديدة كمسلمة من المسلمات، وفي المقابل لم ولن يقبل شعب الجنوب العيش في ظل نظام قبلي عسكري ينهب مقدرات الشعوب، وقرر شعب الجنوب النضال لاستعادة حريته وكرامته وثرواته ودولته المدنية.. هذه إرادة شعب الجنوب:
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي
ولابد للقيد أن ينكسر
** المحتوى للقضية الجنوبية **
يأتي محتوى القضية الجنوبية كنتيجة موضوعية لتلك الأسباب والدوافع التاريخية والسياسية، الاقتصادية، والثقافية والتي كانت اساساً وجذوراً لمحتوى القضية الجنوبية بأبعادها المختلفة ولا يمكن الفصل بين الجذور ومحتوى القضية الجنوبية، فجذور القضية هي جزء من محتواها وهي الأسباب التاريخية الحقيقية المشكلة لمحتوى القضية بأبعادها المختلفة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية وغيرها.
إن شعب الجنوب أتسم بمدنية تأسست كمنظومة متكاملة عاشتها مدينة عدن كمستعمرة بريطانية، شهدت خلال أوائل عشرينيات القرن الماضي النهوض الثقافي والاجتماعي والسياسي والنقابي والتعليمي، كما نشأت بينها وبين السلطنات والإمارات والمشيخات والتي بلغ عددها آنذاك 23 سلطنة وإمارة ومشيخة، علاقات جعلت من الجنوب تجمعات سكانية منسجمة فيما بينها، تميزت بالاحترام المتبادل والتعايش والتعاون الثنائي، حيث لم تكن هذه الكيانات تخضع لهيمنة أو سلطة دولة أخرى.
ومع إعلان الوحدة في 22 مايو 1990 م، تم الاتفاق على أن تمر دولة الوحدة بمراحل انتقالية بين طرفي الوحدة وهما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية. لاحتواء الاختلافات التي كانت بين النظامين المختلفين، حيث سادت في كل منهما قيم سياسية، قانونية، ثقافية واجتماعية مختلفة شكلت عبر قرون من الزمن قيام دولة المؤسسات والنظام والقانون في الجنوب، بينما اتسمت دولة الشمال بمنظومة قيم تستند في مجملها إلى القوة العائلية والقبيلة والنفوذ الاجتماعي.. وفشلت مراكز القوى في المرحلة الانتقالية في ترويض شعب الجنوب وفرض نظام الجمهورية العربية اليمنية عليه.
كما شهدت المرحلة رفضاً كاملاً من شعب الجنوب الانصهار في ثقافة الشمال، وأمام هذا الواقع لم تجد مراكز القوى أمامها سوى الحسم العسكري لإخضاع الجنوب لها فكان إعلان الحرب في 27 أبريل 1994 م.
فرضت السلطة الخفية في صنعاء بعد عام 1994 م نموذجها على الوحدة وعممت نظام الجمهورية العربية اليمنية كله، نظام اللا دولة، نظام القبيلة والعسكر وعلماء السلطة، نظام تمركز السلطة والثروات بأيدي القوى المتنفذة في صنعاء. ولإدراك هذه المراكز لعمق مدنية شعب الجنوب عملت على اتباع سياسات ممنهجة لمحو هوية وثقافة ومدنية شعب الجنوب، خلق الثأرات والنزاعات القبلية، القضاء على المؤسسات العسكرية والأمنية. لقد طالت الحرب وبعدها كل شيء في الجنوب وما ألفه واعتاد وتعلق به من تاريخ ورمزيات ومن حضور حقيقي للدولة والنظام والقانون، عملت هذه المراكز المنتصرة بعد حرب 1994 م على إلغاء الجنوب شعبا وهوية ودولة باتباع السياسات التالية:
1. طمس هوية وثقافة الجنوب.
2. تدمير البنية المؤسسية والبشرية للجنوب.
3. القتل والإقصاء للكوادر الجنوبية.
4. نهب ثروات ومقدرات الجنوب.
** المحتوى السياسي للقضية الجنوبية **
تبدأ وقائع الخلفيات السياسية للقضية الجنوبية منذ العام 1989 م وهو الذي سيقودنا الى معرفة الحقائق عنها بشكل سليم. حيث نستعرض خلفيتها التاريخية من خلال خمسة مراحل رئيسة وهي: المرحلة الأولى: من 30 نوفمبر 1989 م
- 22 مايو 1990 م:
من فرائد الاتفاقيات الوحدوية التي كانت توقع بين دولتي شطري اليمن أنها كانت عادة تتم بعد حروب بين الطرفين وعلى سبيل المثال اتفاقية القاهرة عام 1972 م واتفاقية الكويت 1979 م، وفي عام 1988 م كانت العلاقات بين الطرفين على أشدها توترا بسبب الخلافات حول الثروات النفطية في وادي جنة الواقع بين محافظتي شبوة ومأرب، فتم التوقيع على اتفاقية التنقيب المشترك. وعلى أثر ذلك قام الرئيس علي عبد الله صالح بزيارة رسمية إلى عدن في 30 نوفمبر 1989 م بغرض حضور احتفالات شعب الجنوب بعيد الاستقلال. وفجأة يتم الاتفاق بينه وبين علي سالم الابيض الأمين العام للجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني في نفق «جولدمور » بمدينة عدن على مشروع وثيقة مشتركة أطلق عليها (اعلان عدن) بشأن الوحدة اليمنية. فقوبلت هذه الوثيقة بمعارضة شديدة من قبل قيادات في الجنوب والشمال.
فعلى صعيد الجنوب أعتبر أعضاء المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني أن تلك الوثيقة غير مدروسة وتعبر عن قرار فردي، لأن الوحدة بقدر ما كانت مطلباً شعبياً ورسمياً في الجنوب فهي بحاجة الى خطوات متأنية وفترة زمنية لا تقل عن عشر سنوات كمرحلة انتقالية. فعقدت قيادة الجنوب عدة اجتماعات طلب فيها علي سالم البيض من قيادة الجنوب عدم وضعه في موقف محرج بإجباره على عدم التوقيع على الاتفاقية، واعداً أنه بعد التوقيع عليها لن ينفذ منها شيئا. ولكنه بعد ذلك ذهب نحو الوحدة بشكل منفرد مستغلا حماس الجماهير للوحدة، فأجبرت معظم القيادات على السير معه في نفس الطريق.
أما على صعيد الشمال فإن الاتفاقية ايضا قوبلت بمعارضة شديدة ولاسيما من قبل المشايخ وبعض علماء الدين تحت مبرر أنه لا يمكن التوحد مع كفار وملحدين، وأن الجنوب فقير والشمال غني لما يمتلكه من ثروة نفطية في مأرب. غير أن علي عبد الله صالح كان يعلم أن الجنوب قد استخرج النفط وبكميات أكثر، فسار أيضا نحو الوحدة منفردا مستغلا التأييد الشعبي للوحدة، وهذا ما اجبر كثيرا من القيادات الشمالية على عدم معارضته والسير معه.
تم تشكيل لجان الوحدة في مختلف الجوانب والمجالات. وتكررت الزيارات واللقاءات بين القيادات وعلى مختلف المستويات. فعرض الطرف الشمالي عدة مشاريع للوحدة منها الكونفدرالية والفيدرالية، لكن علي سالم البيض أصر على الوحدة الاندماجية، حتى أن الرئيس صالح كان متحفظا على التوقيع على الوحدة الاندماجية خشية من المعارضة في الشمال. لكن البيض قدم له عرضا مغريا، فمن يطلع على مذكرات الشيخ سنان ابو لحوم التي يقول فيها «ان البيض قال له راجع صاحبكم يقصد الرئيس صالح أن يوقع على الوحدة، فقد أبلغتني (اليوم) شركة نفطية أنه بإمكاني الإعلان بان انتاج الجنوب من النفط سوف يصل الى قرابة نصف مليون برميل يوميا، وإذا علم بعض الجنوبيين بهذا الأمر قد يعارضون الوحدة »، فتم التوقيع على اعلان الوحدة في 22 مايو 1990 م بين طرفين متساويين هما: جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية على أساس الشراكة الأخوية الندية، ولكنها في الحقيقة كانت مشروعاً وحدوياً مليئاً بالأخطاء من أبرزها:
1. تم تجاهل وقائع التاريخ بأن هذين الكيانين لم يكونا موحدين في أي عصر من عصور التاريخ. وأن الوحدة اتت بالعاطفة وليست وفقا للمنطق والعقل. وهناك فوارق كبيرة بين النظامين اقتصاديا وثقافيا وإجتماعياً ... الخ.
2. تم تجاهل نصوص الاتفاقيات السابقة التي عقدت بين الطرفين بشأن مشروع دولة الوحدة بما فيها نصوص مشروع الدستور الذي أعد في عام 1981 م.
3. قدم الجنوب تنازلات كبيرة منها: العاصمة والعملة ورئاسة الدولة والارض الواسعة والشواطئ البحرية والجزر والثروات الطبيعية المتعددة ... الخ. بينما لم يقدم الشمال مقابلها أي شيء يذكر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى