«الأيام»..تنفرد بنشر تقرير فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار (6):اتفاقية الوحدة خلت من أي ضمانات عربية أو دولية أو أحكام تضمن نجاحها والطرف الجنوبي ارتكب أخطاء فادحة بعدم دراسته للواقع الاجتماعي والسياسي والقبلي في الشمال

> «الأيام»/ قسم التحليل:

> نرت «الأيام» في الحلقات الماضية تقرير جذور القضية الجنوبية المقدم من فريق القضية الجنوبية إلى مؤتمر الحوار الوطني، وتنر الآن تقرير الرؤية المقدمة من الحراك السلمي الجنوبي لـ(محتوى القضية الجنوبية) إلى فريق القضية الجنوبية بمؤتمر الحوار الوطني بصنعاء في 25 مايو 2013 م.
** المرحلة الثانية: من 22 مايو 1990 27 أبريل 1994 م **
1. تم الاتفاق بين الطرفين على تطبيق أفضلية التجربتين في دولة الوحدة، ولكن ما تم تطبيقه هو تجربة الجمهورية العربية اليمنية بكل مساوئها.
2. أتى الجنوب إلى الوحدة بنوايا طيبة قاصدا بناء دولة مقترنة بالممارسة الديمقراطية بينما مراكز القوى العسكرية والقبلية والدينية في الشمال كانت نواياها مبيته وغير سلمية، والدليل على ذلك ما جاء في مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر بأنه تم الاتفاق بينه وبين علي عبدالله صالح على أن يقوم بتشكيل حزب سياسي مهمته معارضة ما يتفق عليه صالح مع القيادة الجنوبية.
فتم إنشاء التجمع اليمني للإصلاح في 1990/9/23 م كحزب سياسي إسلامي عبر عن معارضته للوحدة من خلال رفضه للاستفتاء على مشروع دستور دولة الوحدة وأخرج مظاهرات قيل عنها إنها مليونية ترفض ذلك الدستور باعتباره دستوراً علمانياً، ولكن فيما بعد قاتل حزب الإصلاح تحت مبدأ حماية هذا الدستور والوحدة عام 1994 م. فكان الشمال هو الفاعل في السلطة والمعارضة في وقت واحد ويتحكم بكل مقاليد الأمور بما فيها مال الدولة والإعلام ... إلخ.
3. ارتكب الطرف الجنوبي أخطاء فادحة في عدم دراسته للواقع الاجتماعي والسياسي والقبلي القائم في الشمال. فاعتقد أنه باشتراطه لإقران الوحدة بالديمقراطية سوف يحقق توازنا سياسيا. ولكن الطرف الآخر أراد من الديمقراطية إلغاء الشراكة الوطنية بين الجنوب والشمال.
4. كانت نتائج انتخابات 27 ابريل 1993 م بمثابة استفتاء شعبي بأن الوحدة فيها خلل كبير، فقد حصد الحزب الاشتراكي اليمني كل المقاعد البرلمانية المخصصة للجنوب ما عدا مقعدين. إضافة إلى خمسة عشر مقعدا في الشمال. بينما المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح حصدا المقاعد المخصصة للشمال. فاعتبر الشمال نتائج تلك الانتخابات إلغاء لشراكة الجنوب المتساوية مع الشمال. من خلال تقسيم السلطة على ثلاثة وليس على اثنين.
معتدا بالكثافة السكانية في الشمال وقلتها في الجنوب متجاهلا لوقائع التاريخ وكبر مساحة الجنوب وثروته.
5. ما إن بدأت الخلافات بين الطرفين حتى بدأت الاغتيالات للقيادات والكوادر الجنوبية في شوارع صنعاء بحجة أنهم كفرة وملحدين. فذهب ضحية تلك الاغتيالات أكثر من (150) جنوبيا. كما تمت محاولة اغتيال العديد من قادة الجنوب.
6. عندما عبر الجنوب عن رفضه للممارسات التي تقوم بها القوى النافذة قبليا ودينيا في الشمال ضده شنت عليه حرب تكفيرية وصلت إلى حد التشويه اللا أخلاقي للأسرة الجنوبية..ومواصلة اغتيال قياداته وكوادره عن طريق استقدام العناصر الإرهابية التي كانت تقاتل في أفغانستان يمنية وغير يمنية بهدف قتل الجنوبيين، وقد كشف الكثير منهم فيما بعد معلومات هامة عن تلك الاغتيالات. وأنها كانت تتم بعلم السلطات الحاكمة.
ولهذا كانت هذه السلطات ترفض القبض على المتهمين في الاغتيالات.
7. مع اشتداد الخلافات بين الطرفين جرت الوساطات العربية وغير العربية..فكانت أهمها الوصول إلى التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق برعاية أردنية من قبل كل الأطراف اليمنية الفاعلة في 20 أبريل 1994 م، ولكن تلك الوثيقة لم يطبق منها شيء، وفي مقدمتها إلقاء القبض على المتهمين بالاغتيالات. بل بعدها بأسبوع أعلن الرئيس صالح من ميدان السبعين في 27 أبريل 1994 م الحرب على الجنوب.
فاندلع في مساء نفس اليوم اول صدام مسلح بين لوائين مدرعين في منطقة عمران شمال صنعاء.
** المر حلة الثالثة: من 27 أبريل 1994 7 يوليو 1994 م **
1. بعد قتال عمران مباشرة تمت مهاجمة بقية الوحدات العسكرية والامنية الجنوبية المتواجدة في محافظات الشمال، بهدف جعل الجنوب ساحة المعركة، وهذا ما حصل، فقد بدأت مهاجمة الوحدات الجنوبية على مناطق الاطراف، وصدرت الفتاوى الدينية التي تبيح قتل الجنوبيين اثناء تلك الحرب باعتبارها حربا مقدسة.
فالقوات الجنوبية أطلقت عليها تسمية (قوى الردة والانفصال) وهذا ما يعني أن المدافعين عن الجنوب هم قوى مرتدة عن الدين الاسلامي ومجرد مجموعة انفصالية يحق قتلهم شرعا وقانونا، وجازت الفتاوى استباحة الممتلكات العامة والخاصة، وكأن الجنوب دار كفر، واستعانت قيادة صنعاء بكل عناصر الارهاب للقتال معها.
2. أثناء الحرب رفض نظام صنعاء الاستجابة للقرارات الدولية واعتقد نظام صنعاء انه بنجاحاته العسكرية على الأرض سوف يحقق الانتصار المطلق.
حتى انه رفض نصيحة حلفائه الأمريكيين وهي نصيحة هامة جدا.. عندما نصحوه بعدم اقتحام مدينة عدن عسكريا لأنها تشكل معلماً رمزياً وسياسياً وتاريخياً ووطنياً للجنوب وستكون لذلك الاقتحام عواقب مستقبلية وخيمة، وقدموا له عدة نصائح لحل مشكلتها.
3. استبيحت مدن الجنوب كلها وفي مقدمتها العاصمة عدن، ودمرت مقومات الجنوب الاقتصادية والخدمية والثقافية والعسكرية، ونهب كل شيء فيها بما في ذلك المتاحف الوطنية والوثائق التاريخية بشكل غير مسبوق في الحروب التي شهدتها البشرية، فقد كانت قوافل القبائل تأتي إلى الجنوب بغرض النهب.
4. في يوم 7 يوليو 1994 م أعلنت حكومة صنعاء انتصارها في الحرب بدخولها مدينة عدن. ووجهت رسالة الى مجلس الامن الدولي احتوت على سبع نقاط، منها ضمان عودة كل الجنوبيين الى اعمالهم المدنية والعسكرية ودفع التعويضات للمتضررين. ولكن مع الاسف الشديد لم يتم تطبيق نقطة واحدة من تلك التعهدات.
** المرحلة الرابعة: من 7 يوليو 1994 7 يوليو 2007 م **
1. بدلا من ان تقوم حكومة صنعاء بتنفيذ تعهداتها للمجتمع الدولي تم تطبيق سياسة الإقصاء والإبعاد للجنوبيين من وظائف الدولة المدنية والعسكرية.
وتم تقاسم ممتلكات شعب الجنوب من اراض وعقارات ومصانع ومزارع... الخ واصبحت ارض الجنوب تقسم كهبات للأقرباء والموالين، وكأن الجنوب هبة الله للشمال. حتى أن الجنوبيين أصبحوا لا يجدون الأرض لدفن موتاهم.
2. ارتكبت أبشع الانتهاكات لحقوق الانسان في الجنوب، التي من الصعب ذكرها لأنه لا يليق ان يقال ان مسلمين ارتكبوها.
3. احتقار الانسان الجنوبي ووصفه بأنه مواطن وافد من الصومال والحبشة والهند وباكستان، حتى إن الأخ علي سالم البيض الذي وقع على اعلان دولة الوحدة قيل انه هندي وقيل عن الأستاذ حيدر العطاس رئيس الوزراء بأنه من جاوا وهو تمييز عنصري سافر يجرد الجنوبيين من حقهم في الارض والتاريخ بل ومن جنسيتهم وهويتهم الوطنية.
4. تم الغاء العمل بجميع الوثائق التي تمت الوحدة بموجبها، بما في ذلك دستور دولة الوحدة الذي تم تعديل معظم مواده ولأكثر من مرة بنحو 80 %. بما يعزز سيطرة الطرف المنتصر.
5. حرمان الجيل الجديد من ابناء الجنوب من الالتحاق بالمعاهد والكليات العسكرية والأمنية حتى وصل الامر إلى منع التحاقهم كجنود في المؤسسات العسكرية والامنية وحرمانهم من التوظيف بشكل مطلق في بعض أجهزة الدولة الهامة مثل القضاء والنيابة العامة والنفط والسلك الدبلوماسي والمرافق الإيرادية مثل الضرائب والمالية والجمارك... الخ وهذا يؤكد مجددا التعامل العنصري التمييزي من قبل سلطة النظام تجاه الجنوبيين.
6. حرمان الجنوبيين من البعثات الدراسية في الخارج. أو مواصلة دراساتهم للحصول على شهادات عليا.
7. لم يتم الاكتفاء بحرمان الجنوبيين من العمل في مراكز قيادية في مرافق دولة الوحدة المركزية فقط، وإنما حرمانهم من شغل الوظائف العامة على مستوى محافظاتهم ومديرياتهم. حيث تم تعيين شماليين حتى في ابسط المناصب القيادية في الجنوب، وتصوروا ان يقال إنها دولة وحدة وكثير من الوزارات والمرافق العامة في صنعاء لا يوجد فيها جنوبي واحد، فأي وحدة يتم الحديث عنها.
8. حرمان الجنوبيين من حق الحصول على رخص الاستيراد والتصدير والاستثمار، وفي أحسن الاحوال يمارسون اعمالا تجارية بسيطة، اتباعا لسياسة افقار منهجية مدروسة، فأصبح شعب الجنوب ساحة للعمل السياسي من قبل ما تسمى بالجمعيات الخيرية التابعة للحزبين الرئيسيين (المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح) والجمعيات الأخرى ذات التوجهات السياسية الدينية.
9. حرمان الجنوب من انتخاب ممثليه في مجلس النواب والمجالس المحلية، فقد أصبح اعضاء هذه المجالس يمثلون الحزبين الرئيسيين في الشمال وهما: المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح.
10 . حاولت بعض القيادات الجنوبية تقديم مقترحات ومشاريع سياسية لحل أوضاع الجنوب المأساوية بعد حرب عام 1994 م مثل: إزالة آثار هذه الحرب، واصلاح مسار الوحدة، والمصالحة الوطنية الشاملة، ولكن رفضت كلها دون وجه حق.
** المرحلة الخامسة: من 7 يوليو 2007 م إلى يومنا هذا **
القضايا التي عاشها شعب الجنوب في المراحل السابقة تم ذكرها آنفا، وهناك عشرات من القضايا المأساوية التي عاشها الجنوب لم يتم ذكرها، كانت بمجملها محفزا لثورة جنوبية سلمية وعندما قامت مجموعة من العسكريين والأمنيين المحالين الى التقاعد قسرا بأول مظاهرة سلمية، استجابت لها كل محافظات ومديريات الجنوب، بتشكيل جمعيات للمتقاعدين العسكريين والأمنيين والمدنيين، فقد كان الجنوب كله يئن من القهر والظلم، وتجلى ذلك في أول مظاهرة وطنية جنوبية شاملة جرت وقائعها في ساحة العروض بعدن في يوم 2007/7/7 م، ومع ذلك كانت المطالب في البداية حقوقية ومطلبية بسيطة، وبدلا من معالجتها بحلول صادقة جرت مجابهتها بالقمع والعنف من خلال الاعتقالات الواسعة والعنف المفرط والقتل، ومع الأسف في ظل صمت مطبق من قبل قوى المجتمع المدني والمثقفين في الشمال. ومع ذلك استطاع الجنوب الحفاظ على سلمية ثورته ولم ينجر الى دائرة العنف حتى اللحظة.
انطلقت السلطات الحاكمة في صنعاء في بعض معالجاتها للقضية الجنوبية من تجربتها في معالجة القضايا في الشمال، والتي تتعامل فيها مع المواطن الشمالي تعامل الشيخ مع الرعية، من خلال تعيين بعض الشخصيات الجنوبية في مناصب قيادية أو تسوية مرتبات بعض المتقاعدين أو دفع مبالغ مالية وسيارات لشراء الذمم، أو تشكيل لجان للتعويض عن المنازل والأراضي. وهي نفس الطريقة التي اتبعت مؤخرا بعد الإطاحة بالرئيس صالح. فبدلا من إجبار الشماليين على تسليم ما نهبوه في الجنوب، يتم تعويض الجنوبيين من أملاكهم، فأي عدل هذا؟
إن مثل هذه المعالجات غير مجدية في وضع حلول ناجعة للقضية الجنوبية.. فالجنوب كدولة وشعب وأرض وهوية دخل في وحدة ندية مع الشمال كدولة وشعب وأرض وهوية، وبدون الاعتراف والعمل بهذه الحقيقة المطلقة فإن الحلول تبقى ضرباً من الخيال.
** المحتوى القانوني للقضية الجنوبية: اختلال البناء القانوني والمؤسسي لدولة الوحدة **
بناءً على اتفاق عدن الصادر في 30 نوفمبر 1989 م بين قيادتي الدولتين (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والجمهورية العربية اليمنية) صدر في الثاني والعشرين من أبريل 1990 م اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية موقعاً عليه من الأخوين علي سالم البيض، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، عن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والرئيس علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية العربية اليمنية.
وقد تم التوصل إلى هذا الاتفاق في اجتماع عام شاركت فيه كافة الهيئات القيادية العليا السياسية والحكومية والحزبية وأعضاء هيئتي رئاسة مجلس الشعب والشورى في الدولتين. ويتكون الاتفاق في مجمله من صفحة ونصف الصفحة. ويحتوي على مقدمة و(11) مادة. نصت المادة الاولى منه على أن تقوم بتاريخ 22 مايو 1990 م بين دولتي الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وحدة اندماجية كاملة تذوب فيها الشخصية الدولية لكلٍ منهما في شخص دولي واحد يسمى (الجمهورية اليمنية)، ويكون للجمهورية اليمنية سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة. وتضمنت بقية المواد أحكاماً حول كيفية تكوين مجلس رئاسة للجمهورية اليمنية، ومهامه خلال الفترة الانتقالية، وتحديد مدة الفترة الانتقالية بسنتين ونصف، وكيفية تكوين مجلس النواب خلال الفترة الانتقالية وتخويله الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور عدا انتخاب مجلس الرئاسة وتعديل الدستور.
ونصت المواد الختامية على نفاذ الاتفاق ونفاذ أحكام الدستور بعد المصادقة عليهما من قبل مجلسي الشعب والشورى، واعتبار المصادقة عليهما ملغية لدستوري الدولتين السابقتين.
ومن خلال الاطلاع على اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية وعلى دستور دولة الوحدة، وتمحيص نصوصهما نصاً نصاً تتبين لنا الاخطاء والنواقص التشريعية فيهما، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تتعارض بعض نصوص اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية مع أحكام دستور دولة الوحدة وانتهاء العمل بالدستور بعد انقضاء الفترة الانتقالية.. ويتلخص أهمها في ما يلي:
** الأخطاء والنواقص في اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية **
- عدم طرح اتفاق قيام وحدة اندماجية كاملة بين الدولتين على الاستفتاء الشعبي العام في كلا الدولتين قبل اعلان قيام الوحدة (بسبب رفض الجانب الشمالي اجراء الاستفتاء) خلافا لما تم الاتفاق عليه في وثيقة اتفاق عدن الصادر بين الدولتين في 30 نوفمبر 1989 م مما أفقد هذه الوحدة الشرعية الكاملة لقيامها.
- خلو الاتفاق من أية ضمانات عربية أو دولية، أو أحكام تضمن نجاح الوحدة وعدم الانحراف بها عن مسارها الصحيح أو الانقلاب عليها، وترتب المسئولية القانونية في حالة إخلال أحد الطرفين بالاتفاق وإفشال الوحدة.
- ضعف الصياغة القانونية الفنية لنصوص الاتفاق المكون من صفحة ونصف الصفحة (في حين أن اتفاقية الوحدة الألمانية مكونة من أكثر من 750 صفحة) وجعله مقصوراً فقط على اعلان قيام الجمهورية اليمنية وتشكيل مجلس رئاسة الجمهورية، ومجلس النواب واختصاصاتهما بإيجاز، وتشكيل الحكومة، واعتباره اتفاقاً منظماً للفترة الانتقالية فقط (المحددة بسنتين ونصف) وليس كوثيقة قانونية أساسية تعتبر كميثاق ومرجعية دائمة لدولة الوحدة.
- عدم اشتمال الاتفاق على جميع الاسس والمقومات اللازمة لبناء دولة الوحدة بسلطاتها الثلاث ومؤسساتها الدستورية، وهيئاتها وأنظمتها وأجهزتها المختلفة.
- غياب التحديد لمدة زمنية كافية للفترة الانتقالية التي من شأنها أن تهيئ للانتقال التدريجي من دولتين ذات نظامين سياسيين مختلفين ومتباينين الى دولة واحدة موحدة، وذلك في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية وغيرها، وفق خطط علمية وبرامج زمنية مدروسة.
ثانياً: الأخطاء والنواقص التشريعية في إعداد وإقرار دستور دولة الوحدة:
1 - عدم طرح دستور دولة الوحدة للاستفتاء الشعبي العام في الدولتين لإقراره قبل إعلان قيام الجمهورية اليمنية، بينما تمت المصادقة عليه من قبل مجلسي الشعب الاعلى والشورى فقط، يوم قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990 م وأصبحت أحكامه نافذه منذ ذلك اليوم خلافاً لأحكام المادة (4) من الدستور باعتبار الشعب هو مالك السلطة ومصدرها، ولذلك أصبح الاستفتاء الشعبي العام على الدستور الذي اجري في 15 - 16 مايو 1991 م أي بعد مرور عام على نفاذ الدستور مظهراً شكلياً غير ذي جدوى. وقد قاطع حزب الاصلاح وقواعده وانصاره الاستفتاء على الدستور تعبيرا منهم على رفض الوحده.
2 - عدم القيام بمراجعة وتعديل مشروع الدستور قبل المصادقة عليه لأجل إنهاء القصور وسد النواقص الموجودة فيه، حيث تم اعداده بطريقة مرتجلة بعد حرب بين الدولتين قبل قيام الوحدة بعشرسنوات في ظل أنظمة الحكم الشمولي في دولتي الشمال والجنوب.
وأهم الاحكام التي كان يتوجب تعديلها أو تضمينها في مشروع الدستور هي:
- مبدأ التعددية السياسية والحزبية وحرية تكوين التنظيمات والاحزاب السياسية وممارسة النشاط السياسي.
- حرية النشاط الاقتصادي وحرية التجارة والاستثمار الذي يقوم على أساسه الاقتصاد الوطني.
- وضع نظام انتخابي متوازن يعتمد في تكوين الدوائر الانتخابية للجمهورية الى جانب العدد السكاني، المساحة الجغرافية والثروة الطبيعية، ضماناً لعدم هيمنة أحد الشريكين على الآخر.
- انتخاب رؤساء المجالس المحلية والمحافظين ورؤساء هيئات السلطة المحلية في إطار الدوائر الانتخابية للمجالس المحلية في المحافظات.
- استحداث منصب نائب رئيس مجلس الرئاسة للجمهورية في تشكيلة المجلس الى جانب الرئيس والاعضاء ليتوافق ذلك مع ما نص عليه اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية.
- تأكيد الالتزام بالعمل باتفاق اعلان الوحدة واعتباره ميثاقا ومرجعية دائمة ومترتبات الخروج عليه، بينما أكد الدستور الالتزام بالمواثيق الدولية والعربية.
ثالثاً: التعارض بين نصوص اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية التي تم بموجبها تشكيل سلطات دولة الوحدة،وبين احكام الدستور: تم انتخاب مجلس رئاسة الجمهورية اليمنية وأدائه اليمين في اجتماع مشترك لهيئة رئاسة مجلس الشعب الاعلى والمجلس الاستشاري وذلك وفقاً للمادة (2) من اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية، خلافاً لأحكام المادتين (82،83) من دستور دولة الوحدة، اللتين تنصان على انتخاب مجلس الرئاسة من قبل مجلس النواب بالاقتراع السري ويعتبر المرشح عضواً في مجلس الرئاسة بحصوله على ثلثي أعضاء المجلس في المرة الاولى، وإذا لم يتم فبالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس. بالإضافة الى ذلك، فإنه وفقاً لنص المادة (2) من اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية، فقد تم انتخاب مجلس رئاسة الجمهورية لمدة الفترة الانتقالية فقط المحددة في المادة (3) من الاعلان ذاته بسنتين ونصف) وذلك خلافاً لأحكام المادتين (87،84) من دستور دولة الوحدة اللتين تنصان على ان المدة الدستورية لمجلس الرئاسة هي خمس سنوات شمسية ابتداءً من تاريخ أداء اليمين امام مجلس النواب، هذا من جهة ومن جهة اخرى، فقد تم انتخاب مجلس الرئاسة من خمسة أشخاص انتخبوا من بينهم في أول اجتماع لهم رئيساً لمجلس الرئاسة ونائباً للرئيس وفقاً للمادة (2) من اتفاق اعلان الجمهورية، خلافاً لأحكام المادة (84) من الدستور التي تنص على انتخاب مجلس الرئاسة رئيساً له (فقط) من بين أعضائه دون النص على انتخاب نائب لرئيس مجلس الرئاسة في قوام تشكيل المجلس، وهو ما تم استخدامه في مواقف - غير معلنة - بقصد الابتزاز ضد نائب رئيس مجلس الرئاسة حينها بصورة تعمدت الاهانة والإساءة الى الرجل الذي وقع اتفاق اعلان الوحدة اليمنية.
تم تكوين مجلس النواب للجمهورية اليمنية من كامل أعضاء مجلس الشورى ومجلس الشعب الاعلى في الدولتين السابقتين بالاضافة الى (31) عضواً صدر بهم قرار من مجلس الرئاسة، وأنيطت بمجلس النواب الصلاحيات المحددة له في الدستور ما عدا انتخاب مجلس الرئاسة وتعديل الدستور، وذلك وفقاً للمادة (3) من اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية بالمخالفة لأحكام المادة (41) من الدستور التي نصت على تكوين مجلس النواب من أعضاء ينتخبون بطريقه الاقتراع السري العام الحر المباشر المتساوي، ويمارس المجلس كافة الصلاحيات المحددة في الدستور دون استثناء بما في ذلك انتخاب مجلس الرئاسة وتعديل الدستور.
وفي حالة خلو مقعد أي عضو من اعضاء مجلس النواب لأي سبب كان فقد نصت المادة (3) من اعلان اتفاق الجمهورية بأن يتم ملؤه عن طريق التعيين من قبل مجلس الرئاسة، خلافاً لأحكام المادة (61) من الدستور التي نصت على انتخاب خلف عن العضو الذي خلا مقعده في مجلس النواب إذا كانت المدة المتبقية للمجلس لا تقل عن سنة.
وقد نصت المواد (10،9،8) من اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية على نفاذ أحكام دستور دولة الوحدة خلال المرحلة الانتقالية فقط اعتبارا من تاريخ المصادقة عليه من قبل كلٌ من مجلسي الشورى والشعب، واعتبار المصادقة عليه مُلغية لدستوري الدولتين السابقتين. وذلك خلافاً للمبادئ والقواعد الدستورية التي تقرر نفاذ أحكام الدستور من تاريخ إقراره في استفتاء شعبي عام. كما أن الدستور يوضع لمرحلة تاريخية غير محددة المدة وليس لفترة انتقالية مدتها سنتان ونصف.
وقد انقضت الفترة الانتقالية في 22 ديسمبر 1992 م دون أن يعقبها اصدار دستور جديد - حسب اتفاقية الوحدة - لانتهاء فترة العمل بدستور الوحدة او على اقل تقدير تعديل دستور الوحدة لإنهاء القصور والسلبيات وسد النواقص التشريعية الموجودة فيه التي برزت خلال الفترة الانتقالية. كما انقضت الفترة الانتقالية دون ان يتم استكمال توحيد البناء المؤسسي لدولة الوحدة وعلى سبيل المثال الحصر المؤسسة العسكرية والامنية (الجيش والأمن) ومؤسسة الطيران المدني والملاحة البحرية والإنشاءات الصناعية والإنتاجية وشركات القطاع العام... إلخ.
كما أن الانتخابات البرلمانية التي جرت بعد انتهاء الفترة الانتقالية بانتخاب مجلس نواب عام 1993 م انتخب بدوره مجلس رئاسة للجمهورية تمت في غياب الدستور وبطريقة أخلت بالتوازن في الشراكة القائمة لدولة الوحدة.
إن هذه الأخطاء والنواقص والسلبيات الموجودة في اتفاق اعلان الجمهورية اليمنية، ودستور دولة الوحدة، والتعارض فيما بينهما، والانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت بعد انتهاء العمل بالدستور لم تكن عفوية، بل كان مخططا لها وتعبر عن نية مبيتة في الانقلاب على الوحدة من طرف (الجمهورية العربية اليمنية)، إذ كان لها تأثير سلبي بالغ على مسار الوحدة منذ بداية اعلانها، مما ساعد على تحويل المشروع الوحدوي من شراكة سلمية ندية متساوية ومتوازنة قامت بالتراضي والاتفاق بين دولتين ونظامين سياسيين مختلفين الى ضم وإلحاق لإحدى الدولتين بالأخرى، والهيمنة الكاملة عليها وعلى كامل مقدرات ومقومات الدولة، والشعب والارض بما فيها من ثروات والسلطة، وهو ما توج في 7/ 7/ 1994 م باحتلال جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بعد إعلان الحرب عليها واجتياحها بالقوة المسلحة من قبل الجمهورية العربية اليمنية، ما يعني صراحةً إلغاء اتفاق إعلان الوحدة ودستورها، وإحلال دستور آخر بديلاً عنه تم الاستفتاء عليه بعد ثلاثة أشهر من احتلال الجنوب وبالتحديد في 1/ 10 / 1994 م وكان المسمار الاخير في نعش الوحدة. (وكان حزب التجمع اليمني للإصلاح في مقدمة الداعين للاستفتاء بنعم على هذا الدستور اذ كان شريكا في الحرب على الجنوب وفي السلطة التي اعقبتها).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى