محطة إذاعة عدن أيام زمان ( 1 - 3)

> إعداد : عبدالقادر باراس

> يعود بدء البث الإذاعي في عدن إلى أوائل محطة عام 1940 إذ اتخذت السلطات البريطانية عام 1940 من منطقة (رأس برادلي) بمنطقة التواهي نقطة الانطلاق الأولى لبث إرسال إذاعي قصير إبان الحرب العالمية الثانية يحمل أخبار الانتصارات العسكرية البريطانية ودول التحالف على ألمانيا وحلفائها من دول المحور، بالإضافة إلى إرشاد المواطنين إلى طرق الوقاية من الغارات الجوية، وسميت الإذاعة بـ(صوت الجزيرة)، وبعد الحرب توقف إرسالها.
وكان دخول أجهزة المذياع في عدن يشكل آنذاك بالنسبة لأبناء عدن ومحمياتها أهم وسائل التطور، وفي تلك الفترة لعب المذياع دورا كبيرا في مخاطبتهم وتحريك مشاعرهم القومية إبان المد القومي، وكان له دور هام في معرفة الأخبار وقت حدوثها، فبدونها لم تتوفر لهم أية وسيلة أخرى من المعلومات عن الأوضاع، وكان بالنسبة لهم الشي الأكبر، فكان قلة منهم من يمتلك جهاز المذياع (راديو) يعمل ببطارية تعرف بـ(البطاريات الصندوقية)، أجهزتها كانت لا تسمع بواسطتها إذاعة (صوت العرب) من القاهرة إلا في منتصف الليل، بينما غالبية الناس كانوا يتجمهرون حول مكبرات الصوت المثبتة على أعمدة الكهرباء، وكذا على أبراج مراكز الشرطة في عدن.
ومع فترة الخمسينيات من القرن الماضي شهدت عدن مرحلة متسارعة من التطور في كافة مناحي الحياة، مع انتشار الكهرباء في كل مكان، ورافق دخول خدمة الهاتف إنشاء (محطة راديو عدن)، حيث سمع صوتها في السابع من أغسطس عام 1954 م كمحطة إذاعية عربية، لكنها خاضعة لمكتب العلاقات العامة والنشر التابع للإدارة البريطانية، وكانت في بدايتها تفتقر إلى كثير من أجهزة التسجيل، وحينها لم يكن بثها يزيد على ساعتين، ومع مرور الوقت أخذ عدد ساعات بثها يزداد إلى أن وصل إلى قرابة سبع ساعات يوميا، وكان مبناها مؤلفاً من غرفتين في الاستديو يحتوي على إسطوانات ومسجلات عادية.
وفي منتصف يونيو 1955 أكملت المحطة بتركيب أجهزة إرسال متوسطة نوع ماركوني 5 كيلو، وكذا استبدال جهاز الإرسال القديم ذي الموجة القصيرة بجهاز إرسال 7 ونصف كيلو وات، وكل تلك الأجهزة قامت باستئجارها من شركة التلغراف البريطانية ومن جمعية القوات المسلحة للإذاعة، فكان نطاق الإرسال محدودا ولا يغطي سوى أجزاء قريبة من مستعمرة عدن حتى عام 1956 م، حيث كانت شركة البرق واللاسلكي البريطانية CABEL WIRELES &، وهي المشغل لأجهزة الإرسال بموجة قصيرة تبلغ قوتها سبعة كيلو وات ونصف الكيلو.
مبنى الإذاعة في منطقة (برادلي) بالتواهي
مبنى الإذاعة في منطقة (برادلي) بالتواهي
ويستذكر من عاصروا بداية انتشار المذياع في المقاهي في الخمسينيات من القرن الماضي كيف كانوا يربطون أسلاك الراديو بسماعات خارجية توضع في إحدى زوايا مقاهيهم حتى يستمع الجميع لأخبار (صوت العرب) من مصر، وبعد أن انتشرت أجهزة الراديو سعت السلطات البريطانية ممثلة بإدارة البريد ودائرة العلاقات العامة بإلزام أصحاب المنازل والمقاهي في المستعمرة عدن أن تكون لديهم ترخيصات لتشغيل أجهزتهم الإذاعية، وكان ثمن استخراج ترخيص تشغيل الراديو في الخمسينيات بـ(15 شلنا) ومدته 12 شهرا بعدها يتم تجديده قبل تاريخ انتهائه، كما أن السلطات البريطانية قامت في يونيو 1957 م بربط خدمة الراديو مع التلفون من عدن إلى لندن والبلدان المرتبطة معها من الساعة الثالثة حتى الرابعة بعد الظهر حسب توقيت عدن، كل يوم ما عدا أيام الأحد والعطل الرسمية.
وبالعودة إلى تاريخ بداية محطة عدن للإذاعة كما كانت تسمى قديما، فقد كانت ببث لا يزيد على ساعة وأربعين دقيقة، ومدّد فيما بعد إلى سبع ساعات، وبطاقم مؤلف من (25) موظفا فقط، واستديوهين صغيرين تبث منهما جميع الفقرات البرامجية، وكلف إنشاؤهما آنذاك (300) جنيه إسترليني فقط، بالإضافة إلى مجموعة من الأشرطة والإسطوانات ولها ثلاث مسجلات ذات الاستخدام المنزلي وغرفة لضابط الصوت، وبمساهمة ثلاثة مذيعين هم الفقيد الشيخ عبدالله محمد حاتم والشاعران لطفي جعفر أمان ومحمد سعيد جرادة والأستاذ حسين الصافي الذي كان أول من عين مذيعا رسميا.
ووسعت المحطة في العام 1956 م خدمات برامجها لفترة الظهيرة بإضافة 30 دقيقة أخرى، وكان توقيت برامجها ما بعد الظهيرة من الثالثة والنصف إلى الخامسة مساءً، بينما برنامج المساء ظل مستمرا من السادسة والنصف حتى الثامنة والنصف مساءً، وبهذا التوسع قدمت المحطة نشراتها الأخبارية في الأوقات التالية: النشرة الأولى كانت في الرابعة مساءً، والنشرة الثانية كانت في السابعة مساءً، فيما النشرة الثالثة في الثامنة والدقيقة العشرين مساءً.
ومنذ عام 1957 كانت الإذاعة تبث لساعات من الساعة الرابعة مساء حتى التاسعة ليلا، فيما كان توقيت البث في رمضان يبدأ من الساعة الثامنة مساء إلى منتصف الليل حسب التوقيت المحلي.
مبنى الإذاعة عند افتتاحها عام 1954 م. الواقفون من اليمين: توفيق إيراني مدير الإذاعة، الأستاذ محمد
علي لقمان، الأستاذ محمد علي باشراحيل، وخلفهم الأستاذ محمد سعيد جرادة، واثنان من الموظفين
الإنجليز، والأستاذ علي محمد لقمان وأخوه حامد في أقصى اليسار
مبنى الإذاعة عند افتتاحها عام 1954 م. الواقفون من اليمين: توفيق إيراني مدير الإذاعة، الأستاذ محمد علي لقمان، الأستاذ محمد علي باشراحيل، وخلفهم الأستاذ محمد سعيد جرادة، واثنان من الموظفين الإنجليز، والأستاذ علي محمد لقمان وأخوه حامد في أقصى اليسار
** العمل وشروط الالتحاق **
كان العمل في محطة الإذاعة يشمل جوانب عدة منها إعداد البرامج وتشغيل جهاز المراقبة والترجمة والطباعة على الآلة الكاتبة، والذين كانوا يجتازون امتحان شهادة الثقافة العامة من الطلبة كانوا يعملون كمساعدين إذاعيين تحت التدريب، فيحصلون بالمقابل على مرتبات أقل خلال السنة الأولى من تدريبهم، واعتمدت الإذاعة على اختيار موظفيها ومذيعيها من خلال تقديمها نشرات إعلانية عند حاجتها لذلك، فكانت تلزم المذيعين المتقدمين للعمل بإشعار ضابط العلاقات العامة والنشر بعدن، وأن يكونوا على إلمام كبير باللغتين الإنكليزية والعربية وامتلاكهم الخبرة، وكانت تمنح الأولوية للمتقدمين الذين اجتازوا امتحان شهادة الثقافة العامة في اللغتين الإنكليزية والعربية لتصنيفهم كمساعدين إذاعيين تحت التدريب، وبمراتب أقل خلال السنة الأولى من تدريبهم، وكانت تمنح الرواتب للمترجمين وأصحاب المراكز والمسئوليات درجة (e .10) براتب يبدأ من 765 شلنا في الشهر ثم يرتفع بزيادة 360 شلنا في السنة إلى 1005 شلنات في الشهر.
** الإعلانات في الإذاعة **
منذ مايو 1963 م قامت خدمة الإرسال الإذاعي للجنوب العربي بقبول الإعلانات التجارية، وأصبح لديها تعاقدات منتظمة مع معلنين محليين ودوليين اعتبروها وسيطا إعلانيا من الدرجة الأولى نظرا للعدد الكبير من المستمعين وكلفتها المنخفضة، وكانت الإعلانات من الموارد التي تعتمد عليها الإذاعة،وساهمت الحركة التجارية النشطة باعتبار عدن منطقة حرة وشكلت حافزا لتوسيع نشاط الإعلان وتطوير عمله، فكان قسم الإعلان يدار من قبل إدارة أجنبية، ولكن مع نهاية العام 1963 م التحق بهذا القسم السيد نديم حسن علي، بجهوده الذاتية، وكان القسم يتكفل بمهام جلب الإعلانات من وكالات الإعلان وممثلي القسم في بريطانيا.
الشيخ عبدالله حاتم أثناء تلاوته القرآن الكريم في
الإذاعة نهاية خمسينيات القرن الماضي
الشيخ عبدالله حاتم أثناء تلاوته القرآن الكريم في الإذاعة نهاية خمسينيات القرن الماضي
** ذكريات إذاعية **
يتذكر كثير من متابعي محطة الإذاعة أصوات المذيعين عند تقديمهم البرامج الإذاعية وكذا نقل الإذاعة صلاة الجمعة من مسجد العيدروس بكريتر، ويتذكر أيضا متابعوها ما حدث يوم الإثنين 8 أغسطس 1960 تحديدا مستمعيها تكرار إلقاء البيان الحكومي بذكر (القومية العربية وعدن العربية)، بدورهم عبر المستمعون عن فرحتهم بالإذاعة لاهتمامها بذكر (القومية العربية) وكذا وصف عدن بـ(العربية).
ولا يغيب عن بال متابعيها ما تعرضت له الإذاعة من أحداث إبان الاستعمار البريطاني، كان الحدث الأول بقذفها ببازوكا، وقد ورد الخبر في صحيفة «الأيام» في عددها (165 بتاريخ 5 أبريل 1965)، حيث نشرت عن تعرض محطة الإرسال الإذاعي بمنطقة الحسوة لقذيفة بازوكا، وبحسب إفادة (راديو الجنوب العربي) التي أذاعت الخبر فإنه “لم تحدث أية إصابات أو أضرار لمحطة الإرسال”، كما أوردت الصحيفة بعد شهرين خبر مماثل نشر في عددها 217 بتاريخ 11 يونيو 1965 م عن “وقوع انفجار في دار إذاعة الجنوب العربي في الساعات الأولى من يوم (10 يونيو 1965 م)، ولم يسفر عن أية إصابات في الأرواح، عدا أنه أحدث بعض التلف في غرفة مراقبة الصوت (الاستديو)”، كما ذكر بلاغ رسمي عن الخبر نفسه جاء فيه: “إنه بالرغم من حدوث هذا الانفجار، إلا أن الإرسال للبرامج الصباحية استمر كالعادة بعد خمس دقائق من حدوث الانفجار”، ويعتقد أن سبب هذا الانفجار وضع متفجر زمني بغرفة المراقبة، وقد ذكر في الخبر أن “المستمعين قد لاحظوا أن محطة إذاعة الجنوب العربي لم تذع النشرة الأمر الذي أثار تساؤلات كثيرة قبل معرفة حقيقة ما حدث”.
ويستذكر المهندس صالح علي عفارة ذكرياته الإذاعية التي وردت في الحلقة الثانية من نشرة (ثغر اليمن) في عددها (30) بتاريخ 16 يوليو 1992 م، حيث تحدث المهندس عفارة عن المعاناة والصعوبات التي واجهت الإذاعة، وكيف واجه كوادرها العديد من التحديات من أجل إيصال رسالة الإذاعة، وكذا المشقة التي واجهت فريقها أثناء التسجيل، حيث لم تكن جهازي (E. M. - 1.50)، وهما جهازان محمولان يعملان ببطارية جافة، إضافة إلى مسجل نوع (موريتكشن)، كما كانوا يستخدمون سيارة التسجيلات الخارجية في السلطنات القريبة كسلطنة العبدلي بلحج، وسلطنة الفضلي بأبين باستثناء السلطنات البعيدة، والتي كان يتعذر على سيارة التسجيل الخارجي أن تسلك طرقها الوعرة للوصول إليها لغرض التسجيل الخارجي.
نشرت صحيفة «الأيام» في العدد (396) بتاريخ 7 يناير 1966 م أحاديث لأوائل مؤسسي الإذاعة والتلفزيون وهما علوي السقاف، وحسين الصافي، حيث تحدث السقاف قائلا: “كان لمحطة الإذاعة وتلفزيون عدن فرقة موسيقية خاصة مكونة من 8 عازفين وضاربي إيقاع اثنين وعازف عود و 6 كورس”.
مبنى شرطة الشيخ عثمان عندما كان الناس يتجمهرون حول مكبرات
الصوت على أبراج مراكز الشرطة في عدن لسماع الإذاعة
مبنى شرطة الشيخ عثمان عندما كان الناس يتجمهرون حول مكبرات الصوت على أبراج مراكز الشرطة في عدن لسماع الإذاعة
وبالنسبة للأجور في الإذاعة قال حسين الصافي: “الأجر الذي يتقاضاه الكاتب الإذاعي الذي يكتب التمثيليات كان 6 شلنات عن الدقيقة الواحدة، وبعد حوالي سنة أو سنتين تكون 8 شلنات، وبعد أربع سنوت 10 شلنات”.
وبخصوص ساعات عمل الإذاعة بعد منتصف الستينيات تحدث الصافي: “إن الإذاعة تعمل 77 ساعة في الأسبوع، وكانت تتعاون (يقصد الإذاعة) مع الفنانين فترسل إنتاجهم إلى الخارج مثل إذاعات لندن وجيبوتي والكويت بدون مقابل”.
ويضيف الصافي: “أيضا كان الفنانون يتقاضون مبالغ أخرى”.
إعداد : عبدالقادر باراس

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى