المواطن الخفية للفساد النفطي(2)

> م/ بدر محمد باسلمة:

>
م/ بدر محمد باسلمة:
م/ بدر محمد باسلمة:
يتبادر إلى ذهن المواطن أن مظاهر فساد القطاع النفطي تتركز في توزيع القطاعات النفطية على شبكة ومافيا النفط وتسويق النفط، بينما هناك في الحقيقة مواطن ومظاهر عدة للفساد والنهب في القطاع النفطي أكثر تأثيرا سلبيا على الاقتصاد وأكثر فائدة لمافيا النفط. لنورد أمثلة بسيطة على أوجه الفساد النفطي لإعطاء صورة عن الحجم المهول لهذا النهب للقطاع النفطي.
المثال الأول: نفط الكلفة.. وهنا يجب إعطاء مقدمة وتعريف بسيط عن هذا المصطلح. في المواقع والحقول غير المستكشفة، توقع الشركات التي ترغب في الاكتشاف وعمل الدراسات وحفر الآبار الاستكشافية اتفاقية مع الحكومة اليمنية تمنح هذه الشركات صلاحية الاستثمار في استكشاف النفط في مواقع محددة، على أن تتحمل هذه الشركات جميع تكاليف الاستكشاف ولا تساهم الحكومة بأي نسبة في هذه التكاليف. بينما إذا كان القطاع منتجا للنفط وتم اكتشاف النفط فيه فتوقع الحكومة اتفاقية مختلفة مع هذه الشركات تقوم هذه الشركات بتغطية تكاليف إنتاج النفط وعلى أن يقسم عائد النفط بين الدولة والشركات النفطية بنسبة يتم الاتفاق عليها، مثلا 30 % للشركات النفطية و70 % للدولة، ولكن بعد خصم كل التكاليف التي قامت الشركات المنتجة بصرفها لإنتاج النفط.. وهذا ما يسمى نفط الكلفة وهي كلفة إنتاج النفط، وهذه الكلفة تتحملها الحكومة كاملة على الرغم من أن الشركات النفطية تقوم بصرفها أولا.. وهنا تأتي المشكلة، فطالما أن نفط الكلفة يقع على عاتق الدولة أخيرا، هل تقوم الدولة بالمراقبة الدقيقة لتكاليف إنتاج الشركات النفطية؟.
الإهدار والفساد يأتي من منفذ مبالغة الشركات في تكاليفها وصرفياتها ودفع عمولات وتكاليف لاتفاقيات بمبالغ كبيرة لأطراف مختلفة وفي النهاية تتحمل الدولة جميع هذه التكاليف. ومن الأمثلة الحية للتكاليف الباهظة وغير المعقولة التي تصرف من قبل الشركات على ذمة الدولة ومن المال العام:
*الزيادة الكبيرة في أعداد الخبراء الأجانب غير المبررة، والتي تتحملها الدولة اليمنية بالكامل، مثلا شركة توتال، فبعد عمليات التخطيط والتخفيض التي قامت بها تبلغ العمالة الأجنبية في شركة توتال حوالي 200 عامل وخبير أجنبي وتنتج يوميا بمعدل لا يتجاوز 40 ألف برميل بينما عند المقارنة ببلوك 5 نجد أن الإنتاج لا يختلف كثيرا، حوالي 35 ألف برميل بينما عدد العمالة الأجنبية حوالي 9 فقط.
*قامت شركة توتال ببناء المحطة الغازية (حزيز) بقوة 40 ميجاوات بمبلغ 230 مليون دولار!!. بينما المتوسط لكلفة إنشاء محطة غازية الكيلووات الواحد حوالي مليون دولار، وكان يجب ألا تتجاوز كلفة المحطة ما بين 40 - 50 مليون دولار وليس خمسة أضعاف كلفتها الحقيقية، هذه القيمة المبالغ بها حسبت على الدولة ومن ميزانية الدولة.
*من عام 1990م حتى الآن تبلغ الكلفة الاستثمارية لبلوك 5 النفطي حوالي (1 - 1.5) مليار دولار بينما بلغت الكلفة الاستثمارية لشركة توتال والتي قامت باستردادها من الدولة لنفس الفترة حوالي (4 - 5) مليارات دولار!!.
من يراقب هذه المليارات التي تصرفها الشركات لمافيا الفساد وتستقطع من موارد الدولة؟؟. وهذه الكلفة المتضخمة لبعض الشركات ومنها توتال تظهر بشكل واضح في كلفة إنتاج برميل النفط، نجد في بلوك 5 تبلغ كلفة إنتاج برميل النفط الواحد حوالي 10 دولارات بينما هذه الكلفة في شركة توتال حوالي 30 دولارا!!.
*تعمل شركة توتال في بلوك 10 (الإنتاجي) وبلوك 72 (الاستكشافي)، وكان يجب فصل حسابات وإدارات البلوكين لأن في الأول (10) تتحمل الدولة تكاليف تشغيل وإنتاج النفط بينما بلوك 72 الاستكشافي كان يجب أن تتحمله الشركة المستكشفة بالكامل.. الذي يحصل هو تحميل كل تكاليف بلوك 72 لبلوك 10 وبالتالي تتحمل الدولة تكاليف البلوكين وتظهر الأرقام كبيرة على شركة توتال. هل يعقل أن تكون الوزارة غير مدركة ولا تعرف ما يجري في القطاعات النفطية؟. فعندما يتم تضخيم تكاليف إنتاج النفط فما تحصله الدولة من إيرادات نفطية يصبح لا شيء أمام عمليات الاحتيال التي تحدث باسم نفط الكلفة من قبل الشركات النفطية بالتعاون مع مافيا النفط وفي ظل موقف سلبي من الوزارة وهيئتها.
*الفواتير الرسمية التي تدفعها الشركات النفطية للحماية وهي تدفع لكتيبة حماية الشركات النفطية الموالية لعلي محسن سنويا حوالي 239 مليون دولار وفق التقرير الذي قدم إلى مجلس النواب. هذه المبالغ هي تدفعها الشركات النفطية ولكنها تحسب كنفط الكلفة أي أنها تحسب على الدولة وتتحملها الدولة بالكامل قبل البدء في توزيع الموارد.. فهي اتاوات وتكاليف حماية تدفع لمراكز القوى ومافيا النفط مقابل الحماية.
هل يمكن تخيل حجم التلاعب في رفع التكاليف والمناقصات للشركات النفطية وكلها تحسب بالكامل على الدولة، وفي النهاية الحصة التي تورد أخيرا للدولة ما هي إلا فتات بسيط، أما النصيب الأكبر فقد تم نهبه بطرق قانونية عبر صرفيات ومناقصات وبمصادقة وزارة النفط وهيئتها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى